خبراء البرنامج: السيد جعفر فضل الله أستاذ الحوزة العلمية من بيروت والأستاذة ليلى شمس الدين الباحثة الاجتماعية من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع حيث سنتناول في حلقة اليوم موضوعاً حساساً وخطيراً في نفس الوقت لما له من تداعيات أخطر ونتائج سلبية تنعكس على كافة أفراد الأسرة فيما بعد. مستمعينا الأفاضل الخلافات الزوجية شيء عادي، لايمكن أن نتصور أن يخلو بيت منها وكما قال أحد الأطباء النفسيين إنها ملح الحياة الزوجية لو تكررت بنسبة بسيطة وبوقع بسيط ايضاً لاينجم عنها ازمات حادة او مشاكل عصيبة ولكن أن تأخذ هذه الخلافات أشكالاً أخرى وتنجم عنها مشاكل كبيرة من الممكن أن تنعكس على كل أفراد الأسرة وخاصة الأولاد فتلك الطامة الكبرى. أيها الأحبة سنستضيف لحلقة اليوم الباحث الاسلامي السيد جعفر فضل الله الأستاذ في الحوزة العلمية من بيروت والباحثة الاجتماعية ليلى شمس الدين من بيروت ايضاً لأجل تسليط الضوء على خطورة المشاكل الزوجية لو تفاقمت وماهي الحلول التي من شأنها أن تحد من تلك المشاكل النفسية والمصيرية بعض الأحيان لو طالت الأولاد وكذلك لمعرفة أهم العلاجات الجادة في هذا المجال، فتابعونا.
بعد عودة فاضل من المدرسة وبعدما غابت الشمس وإنقضت ساعات اللعب التي قضاها فاضل من زملاءه حمل متاعه وعاد أدراجه الى البيت ولما وصل وجد ما كان تعوّد عليه أغلب الأحيان. نعم أعزائي فقد تعوّد فاضل أن يجد أمه وأباه يتشاجران. لم يأبه الى ذلك بادئ الأمر فطالما ينتهي ذلك بهدوء أبيه وسكوته بل ولجوءه الى غرفته ليغلق الباب خلفه حتى صباح اليوم التالي ولكن هذه المرة كان الشجار عنيفاً وكانت كلمات أمه لاتعرف حدوداً لها، كذلك أبوه فقد كانت كلماته لاذعة وقاسية بعض الشيء. تخوّف فاضل مما كان يسمعه، إنتابه قلق شديد وقال مع نفسه: يا إلهي ماذا عسى أن يفعل أبي بعد الذي سمعه من أمي؟ وماذا عسى أن تفعل أمي لو حقاً أبي تركها وترك البيت؟
في هذه الأثناء دخل رؤوف الأخ الأكبر لفاضل، حاول أن يتدخل وأن يهدأ من الموقف ولكن دون جدوى. فالأمر بات خارج سيطرة الأبوين فهما غاضبان جداً ولايحاولا مثلاً الكف عن توجيه اللوم لبعضهما البعض او يسامحا بعضهما أبداً.
إزدادت حدة التوتر العصبي بينهما ولن تنفع محاولات رؤوف وتوسلان فاضل البريئة للأبوين في إسكات احد الطرفين وإشتعل الموقف كثيراً وهذا ما دعا الأم الى طلب الطلاق من الأب، إنفجر الأب غاضباً وقال بملأ فمه: سوف أتركك الى الأبد، سوف اتخلص منك، لقد تعبت منك طوال أيام زواجنا فلن يكن زواجاً بالنسبة لي، لقد كانت أياماً وسنوات كلها عذاب في عذاب. لم اجد منك مايرضيني ولم ألق منك ما يداريني!!!
قالت له زوجته: أنا التي تحملتك وصبرت معك، أنا التي طالما تغاضيت عن إهمالك لي وتفضيلك الخروج مع أصدقاءك والسهر معهم وكذلك تركك اولادك وإهمالك لهم. أنا التي لاأريد العيش معك بعد الآن!!
اعزائي خرج الأب من البيت بعد أن إرتدى ملابسه وحمل حقيبة صغيرة ووضع فيها بعض الملابس. لحق به فاضل وإبنه الأكبر رؤوف: أين انت ذاهب ياأبي؟ أرجوك لاترجل، أرجوك إبق معنا!
لم تنفع توسلات الأبناء بأبيهم أبداً ولم تنفع دموع فاضل التي ذرفها لأول مرة بعدما شعر أن رحيل أبيه عن البيت سيكون نهائياً لارجعة فيه. دخل الولدان الى البيت وحاولا إصلاح الموقف بالتكلم مع أمهما ولكن أيضاً لاجدوى.
في صباح اليوم التالي توجه فاضل وأخوه رؤوف كل الى مدرسته. جلس فاضل في الصف وذهنه وفكره شاردان، لايعرف كيف يركز على ما يشرحه الأستاذ ولايعرف كيف يتخلص من مخاوفه التي لم تفارقه منذ يوم أمس. وجّه الأستاذ سؤالاً الى فاضل، كرر إعادة السؤال لكن فاضلاً لن ينتبه أبداً بل لم يكن داخل الصف فقد كان جسده وكما يقال حاضراً بينما روحه وعقله غائبان بل منشغلان بالأب والأم، منشغلان بما حصل بالأمس، منشغلان. هل سيعود الأب؟ أم كان رحيله نهائياً كما أوحت تصرفاته الأخيرة؟ واذا لم يعد فماذا سيفعل؟
فجأة صاح الأستاذ بفاضل وقال له: ما بك اليوم يابني؟ هل تشعر بشيء يضايقك؟ وجهت اليك سؤالاً مرتين وانت لم تنتبه اليّ، هل تعاني من شيء؟
لم يسيطر فاضل على نفسه وإنكب باكياً. حاول الأستاذ أن يخفف عنه ويعرف سبب ذلك إلا أنه فشل في كل محاولاته لذلك فقد طلب منه أن ينهض ويرافقه الى غرفته الخاصة بعد إنتهاء الدرس للتحدث معه. كذلك رؤوف لما وصل المدرسة كان عليه التحضير جيداً لأداء إمتحان درس الكيمياء لكنه وطوال الوقت المخصص للإجابة كان سارح البال عديم التركيز وعديم الرغبة أساساً لأي شيء. إنتبه الأستاذ الى رؤوف جيداً وشاهد ورقته بيضاء لم يكتب فيها أي كلمة. تقدم نحوه وسأله: ومابك ياولدي؟ لماذا لاتكتب شيئاً؟ هل تجد صعوبة في الإجابة على الأسئلة؟ أجاب رؤوف: نعم فإنني أجد صعوبة كبيرة في الإجابة.
قال له الأستاذ: ولماذا؟
سكت رؤوف ولايعرف بماذا يرد، هل يقول لأستاذه ماحصل في البيت؟ هل يقول له إن أباه خرج ومعه حقيبة الملابس بعد أن تشاجر مع أمه؟
أحبائي لما عاد الأخوان الى البيت لم يجدا أمها، قد أعدت لهما شيئاً من الطعام كما إعتادت على ذلك. فقد تبين أنها خرجت هي الأخرى الى بيت أختها الكبرى تشتكي لها حالها. في هذه الأثناء سمعا أصوات أصدقائهما ينادونهما للعب معهم، نظر رؤوف الى فاضل ونظر فاضل الى رؤوف!
كانا حزينين ورغم ذلك قال فاضل: سوف اخرج لكي ألعب الكرة مع أصدقائي وربما أتجول معهم قليلاً ثم اعود الى البيت.
قال له أخوه: الأمر يعود لك فأنا ايضاً سأخرج مع أصدقائي وربما أذهب الى بيت خالتي، أشعر بجوع شديد ولااعرف ماذا آكل. خرج الولدان ولم يعودا إلا بعد أن قضيا وقتاً طويلاً خارج البيت ولما عادا غطا في نوم عميق وعند الصباح كان نهوضهما متأخراً. قرر رؤوف عدم الذهاب الى المدرسة لأنه لم يحضر شيئاً ولم يقرأ شيئاً كذلك فعل فاضل عندما شاهد مافعله أخوه رؤوف. تكررت هذه الحالة كثيراً فلم يكن هناك من يسأل منهما ولم يكن هناك من يحقق معهما، اين ذهبتما وأين كنتما؟ وماذا قرأتما؟ وماذا، وماذا، وماذا؟ فلا أب يسأل عنهما ولاأم تنتظر عودتهما.
أيها الأحبة مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد أن إستمعنا أيها الأحبة الى قصة اليوم نتوجه الى سماحة السيد جعفر فضل الله الأستاذ في الحوزة العلمية من بيروت لسؤاله عما يراه الشرع الاسلامي في المشكلة التي حلّت بأسرة أبي رؤوف ومن كان السبب في فلتان أسرته وضياع مصير الولدين بعد أن تركا المدرسة وماذا نصح الاسلام في هذه الحالة؟ فلنستمع اليه.
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
في الواقع الله سبحانه وتعالى حدد مسار الحدود التي لايمكن تجاوزها في مسئلة الحياة الزوجية او إنهاء الحياة الزوجية فقال تعالى "فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان" أراد الله أن يبين الضابط الأخلاقي في طريقة التعاطي مع مسئلة الزواج او الإنفصال بالتالي اذا كان هناك إمساك فلابد أن يكون بمعروف ولابد أن التسريح يكون بإحسان بمعنى أن يبذل كل من الطرفين كل ما يستطيع للآخر او للواقع الذي نتج عن هذا الزواج من اولاد ونحو ذلك لاان ينظر الى الموضوع من الوجهة القانونية فقط بل من وجهة الإحسان، من وجهة العطاء، من وجهة الأنسان في سبيل أن يخفف من السلبيات الناجمة عن هذا الإنفصال الحاصل إتجاه الحياة الزوجية السابقة. الله تعالى قال أيضاً في آية أخرى عندما كان يتحدث عن اجواء الطلاق "وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ" بمعنى أن يبقى الزوج كما تبقى الزوجة ينظران ويتذكران او يستذكران العلاقة القديمة الإيجابية التي كانت تحصل بينهما بحيث لايتحول الآخر، الزوجة في نظر الزوج او الزوج في نظر الزوجة الى كائن أسود قاتم شرير خقود، الى فحمة سوداء كما يقال لأن هذا سيؤثر على طريقة التعاطي. ومن خلال هذه الروحية نستطيع أن نصل الى حل هذه المشكلة وهي أن يعيد الإنسان سواء كان الزوج او الزوجة الأم، أن يعيد النظر في طريق نظرته الى مسئلة الطلاق والى ماينجم عنها والى مسؤوليته كأب او مسؤوليتها كأم لاتقتصر على أن يكون حدود داخل الحياة الزوجية لأن هذا سيكون نوع من الأنانية. الولد هو ولد الزوج كما هو ولد الزوجة والبنت هي بنت الزوجة كما هي بنت الزوج لذلك على كل منهما أن ينظر ماذا يطلب الله سبحانه وتعالى إتجاه هذا الكائن الحي الضعيف الذي يحتاج الى حنان الأم اذا كانت منفصلة ويحتاج ايضاً الى تواصل الأب اذا كان الأولاد مع الأم وهكذا. اذن أن يفكر كل من الزوجين أن هناك كائن هو الصبي او البنت وهذا الكائن يحتاج الى كلاهما وعليهما أن يتدارسا الطريقة المناسبة في كيفية التواصل الإيجابي فيما يتعلق بمصالح الولد او البنت فبالتالي ليس المطلوب أن يكون هناك إستعادة للحياة الزوجية تماماً حتى نعرف كيف نتعامل بالعكس بعض الزيجات إستمراها خطر اكبر على الأولاد بل نقول إن المطلوب من الانسان هو أن ينظم كيفية تواصله مع الطرف الآخر من الزوج او الزوجة وكيفية التعاطي مع الأبناء من الجانب العاطفي او الجانب الاجتماعي او الجانب الاقتصادي او الجانب النفسي وما الى ذلك لأن هذا يمكن أن يجعل كليهما يعذر امام الله سبحانه وتعالى أنه فعل كل مافي وسعه في سبيل أن يمر الطلاق بأقل خسائر ممكنة وأن يحقق الإيجابيات التي يمكن أن يحققها الانسان من خلال ذلك.
مستمعينا الكرام بعد أن إستمعنا الى ماقاله سماحة السيد جعفر فضل الله أستاذ الحوزة العلمية من بيروت نتوجه الآن الى ضيفة البرنامج الأستاذة ليلى شمس الدين الباحثة الاجتماعية من بيروت لسؤالها عن تداعيات ونتائج المشاكل التي تحصل بين الأبوين على الأولاد وما هو ذنب الأولاد في هذه الحالة؟ ومن المقصّر أهو الأب أم الأم؟ وهل هناك حلول لهذه المشكلة؟ فلنستمع معاً
شمس الدين: الحقيقة نبدأ الكلام بالمثل المعروف الذي يقول الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يظرفون. مما لاشك فيه أن الخلافات الزوجية بين الزوجين تترك أثارها عليهم بشكل مباشر، آثار سلبية وغير محصورة النتائج على الأولاد بشكل مباشر وغير مباشر. من السبب؟ هل الأب؟ هل الأم؟ الان ليس من المهم أن نتفحص من هو السبب لأن اذا كان السبب مئة في المئة يقع على الأب او مئة بالمئة يقع على الأم في النتيجة والمحصلة التبعات السلبية المدمرة التي قد تكون مدمرة وحتى توصل الأولاد الى الإنحراف ستكون آثارها واضحة على الأولاد بغض النظر عمن هو السبب. أشير بإشارة سريعة جداً برأيي الأوعى من الزوجين بين الأب او الأم تقع عليه المسؤولية الأكبر لأن العلاقة الزوجية ليست علاقة إنتقام فالواعي الذي لايستطيع أن يتفهم الشريك فعليه أن يستوعب تبعات هذه المشكلة. تبعات هذه المشاكل على الأبناء، الحقيقة تختلف تبعات ومشاكل هذه المشكلة على الأبناء من طفولتهم وحتى شبابهم لأن كل طفل عنده ردة فعل مختلفة وتقبل لما يحصل حوله من المحيط بشكل يختلف عن الطفل الآخر حتى لو كانوا أخوين في نفس المنزل ولكن هناك تبعات سلبية كثيرة مثل الخوف، القلق، عدم الشعور بالأمان، التبوّل اللاإرادي، العدوانية المفرطة إتجاه الاخرين وحتى إتجاه الطفل نفسه يعني حالة عدائية لنفسه، الرسوب المتكرر، عدم الثقة بالنفس هذا أقل مايمكن القول عنه من تبعات المشاكل التي تحصل بين الزوجين على اولادهم ولكل واحدة من هذه العناوين آفاق كبيرة وأبواب كثيرة. بإختصار شديد جداً، كيف يمكن أن نتلافى معدل هذه التبعات على أبناءنا؟ التلافي يكون بحل واحد وهو أن لايشعر الأولاد أن هناك مشكلة. الطفل يشعر بمشاكل الأبوين منذ أن يكون جنيناً في بطن والدته فتنعكس الآثار السلبية عليه وتترجم عليه بعد الولادة بممارسات وبتصرفات سلوكية مؤلمة له وللآخرين. من الحلول، على الأهل أن يقدروا الموقف اكثر وأن لاتكون هناك مشاكل أبداً أمام الأولاد ومن الممكن الزوجين يتناقشوا ويتصارحوا ويمكن حتى يتصارخوا لكن حين عدم وجود الأطفال وأن لاتنعكس المشاكل بإنتقام على الأولاد وأن تراقب تصرفات الأولاد لأنه أحياناً النوم غير المستقر، المنامات المخيفة، الكوابيس، مراقبة أكل الأطفال، بتصرفاتهم، بلعبهم وإندماجهم بالمحيط وهذه المسؤولية تقع على الأبوين لمراقبة الأبناء وكل مايكون من تصرفات في المحيط الصغير في المنزل داخل الأسرة او في المحيط الأوسع في المجتمع وفي المدرسة.
في ختام حلقة اليوم نشكر ضيفينا العزيزين سماحة السيد جعفر فضل الله أستاذ الحوزة العلمية من بيروت والأستاذة ليلى شمس الدين الباحثة الاجتماعية من بيروت ايضاً على حسن مشاركتهما في البرنامج كما نشكر لكم أعزائي المستمعين حسن الاستماع الى برنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في أمان الله وحفظه.