خبراء البرنامج: الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن والدكتور فاضل أبو الهيم الخبير الاجتماعي من فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم أحبتي المستمعين الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نحييكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. موضوع حلقة اليوم اعزائي المستمعين سيكون عن حجاب المرأة المسلمة في الغرب الذي هو احد مبادئ الإلتزام الديني والذي بدوره يمنح المرأة حرصاً أكثر للإبتعاد عن العادات والتصرفات اللاأخلاقية التي من شأنها أن تؤدي خاصة بالفتيات في عمر الشباب الى التهلكة والفساد كما نسمع ونقرأ عن ذلك في المجتمعات الغربية التي تختلف في عاداتها وتقاليدها عن مجتمعاتنا الشرقية المسلمة. في هذه الحلقة مستمعينا الأفاضل سوف نستضيف كلاً من الدكتور فاضل أبو هيم الخبير الإجتماعي من فلسطين والدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن لأجل تسليط الضوء على الحالات التي تواجهها أخواتنا المسلمات اللاتي تشاء لهن الظروف بالسفر والإقامة في بعض البلدان الأوربية او الأمريكية فتابعونا.
أحبتي المستمعين ناهضة وابتسام صديقتان حميمتان جداً، تعرفتا على بعضهما منذ كانتا طالبتين في المدرسة ولما تخرجتا من الكلية حصلت كل واحدة منهما على معدل عال وهذا ما أهّلهما على الدراسة خارج البلد وإكمال مسيرتهما العلمية.
في البداية لما وصلتا تفاجئا بطبيعة العلاقة الاجتماعية سواء بين الطالبات او بين الطالبات والطلاب فلم تكن العلاقة محدودة بين بعضهم لذلك قرارتا عدم الإنخراط في علاقات مماثلة مع ذلك البعض الذي لاينسجم بعلاقاته مع نظرتهما وأخلاقهما وعادات وتقاليد بلدهما. مرت الأيام ومرت الأسابيع والشهور والحال كما هو مثلما تم الإتفاق عليه، تخرجان ناهضة وابتسام الى الكلية ومن ثم تعودان الى القسم الداخلي حيث تنشغلان إما بالقراءة والمطالعة أحياناً وإما في إنجاز بعض الأعمال البسيطة أحياناً اخرى وأحياناً تخرجان سوياً الى المدينة فتتنزهان وتتمتعان بمشاهدة بعض الأبنية القديمة او المناظر الطبيعية او ما شابه.
في إحدى الصباحات وقد صادف يوم عطلة نهضت ابتسام بهدوء من نومها دون أن تتسب في أن تستيقظ صديقتها ناهضة من النوم وإرتدت ملابسها ثم تناولت حقيبتها وفتحت الباب بكل تأن وخرجت. بعد أقل من ساعة إستفاقت ناهضة من نومها ولما فتحت عينيها لم تجد صديقتها ابتسام في الغرفة. قالت مع نفسها: ربما ذهبت لتعد شيئاً للإفطار، لكنها بعد لحظات إكتشفت أن صديقتها قد إرتدت ملابسها وخرجت دون أن تشعر بها وهنا قررت ناهضة أن تتصل بها، لكن ابتسام لم تكن ترد بادئ الأمر. كررت ابتسام إتصالها ولما ردت ابتسام قالت لها ناهضة: اين انت؟
أجابت: مع زميلاتي.
تعجبت ناهضة وسألتها: منذ الصباح؟ ومتى تعودين؟
اجابت ابتسام: لاتقلقي فنحن نتجول في الأسواق وبعض الأماكن، سوف اعود بعد الظهر.
لم يستقر بال ناهضة لما سمعته فهي تعرف حقيقة تلك الفتيات وتعرف حقيقة الأماكن التي تذهبن اليها ففي أكثر من مناسبة طلبن منها مرافقتهن إلا أنها كانت تعتذر وتعود الى القسم الداخلي. عند المساء لما عادت ابتسام من رحلتها مع صديقاتها تعجبت ناهضة مما شاهدته فقد إرتدت ابتسام ملابس جديدة ذات موديلات غربية بحتة بالإضافة الى تخليها عن ربطة الرأس التي أعطتها لها امها.
لم تقل ناهضة شيئاً لإبتسام فقط إكتفت بالإستفسار عن سبب تركها حجابها. فأجابتها بأنها الآن تعيش في بلد اوربي والأوربيون لايعيرون اهمية لطبيعة الملابس فالكل هنا يرتدي مايريد.
إستغربت ناهضة كثيراً ما سمعته لكنها رغم ذلك لم تعلق بشيء عن الموضوع.
أحبتي إستمرت ابتسام فيما بعد بمرافقة صديقاتها الى الأماكن التي تعودن الى إرتيادها وباتت تتأخر في العودة اغلب الأيام لذلك إنعكس هذا التأخير على مستواها العلمي كثيراً وذات يوم إتفقتا ناهضة وابتسام على الخروج بعد آخر حصة دراسية الى بعض الأسواق لشراء بعض الحاجيات، لكن ناهضة وبعد أن عادت الى القسم الداخلي لم تجد ابتسام في إنتظارها فقد سبقتها بالخروج مع زميلاتها الى ذات الأماكن التي إعتادت عليها. إنزعجت ناهضة كثيراً فقررت أن تذهب لوحدها هذه المرة.
بعد عدة شهور اخذ مستوى ابتسام الدراسي ينخفض لذلك بدأ القلق يساور ناهضة كثيراً. لِمَ لا وهي صديقتها؟ لِمَ لا وقد تعاهدتا قبل السفر على التمسك ببضعها والإنغماس في طلب العلم فقط وعدم الإنجراف الى مغريات الغرب ومجالات الغربة المفتوحة؟ لكن حصل لما رجعت ناهضة في يوم من الأيام من الكلية وهي في طريقها الى القسم الداخلي أن رأت ابتسام وقد إستقلت سيارة كان يقودها أحد طلاب الكلية. أفزع المشهد ناهضة كثيراً وتخيلت على وجه السرعة مشاهد اخرى ستجري لصديقتها وهي بصحبة ذلك الشاب فأماكن اللهو الخاصة تشكل امراً طبيعياً بالنسبة الى هكذا مجتمعات وهذا يتنافى مع القيم والتقاليد التي تربت عليها ناهضة وكذلك ابتسام. هرعت ناهضة وهي تنادي ابتسام، تحركت السيارة. هرعت ناهضة بسرعة أكبر لكن السيارة كانت أسرع، توقفت وهي تنظر الى صديقتها من بعيد وقد جلست بجانب ذلك الشاب تتكلم وتضحك معه. إحتارت ناهضة، لاتعرف ماذا تفعل لكنها إختارت العودة الى القسم الداخلي بإنتظار عودة صديقتها. كانت بين الحين والآخر تنظر الى عقارب الساعة وهي تقول مع نفسها: عودي بسرعة يا ابتسام فقد تأخر الوقت كثيراً، ياإلهي عسى أن ترشدها الى عقلها وتمنع عنها سوء تصرفاتها !!!
أشارت عقارب الساعة الى العاشرة ليلاً وحين علمت مسؤولة القسم الداخلي بالأمر قررت الوقوف عند الباب وفي هذه الأثناء عادت ابتسام ووجدت المسؤولة بإنتظارها. تقدمت منها وبادرتها بالسلام عليها وقالت: أين كنت؟
قالت ابتسام: كنت أشتري بعض الأشياء.
قالت لها المسؤولة بعصبية شديدة: حذرتك مراراً وتكراراً وطلبت منك عدم التأخر في العودة لكن يبدو أن العقوبة بحقك قد أصبحت واجبة.
توسلت بها ابتسام فلم تنفع توسلاتها لذلك فقد أرسلت المسؤولة إشعاراً خاصاً الى عمادة الكلية لمعاقبتها وفعلاً فقد صدرت بحقها عقوبة بحرمانها من اداء الامتحانات النهائية لفترة فصل كامل مع دفع غرامة مالية!
لجأت ابتسام الى صديقتها ناهضة فربما تستطيع أن تؤثر على مسؤولة القسم بالعدول عن قرارها إلا أن ناهضة أجابتها قائلة: نصحت كثيراً وطالما قلت لك إن الحجاب الاسلامي الذي تعودنا على إرتداءه لاينحصر فقط في ربطة الرأس او غير ذلك إنما ينحصر في سلوكياتنا وتصرفاتنا ايضاً وليس من المعقول أن نتخلى بسهولة عن ذلك لمجرد أننا إبتعدنا عن اهلنا او إبتعدنا عن ذوينا.
شعرت ابتسام بالندم الشديد ونظرت الى ناهضة وحسدتها لأنها أصبحت متميزة جداً بين زميلاتها في الكلية ولكن احبتي المستمعين هل ينفع الندم؟
مستمعينا الكرام لازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع يقدم لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. بعد أن إستمعتم أيها الأحبة الى قصة اليوم نتوجه الى الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن لنسأله ماهي اهم الإرشادات والتوجيهات اللازمة لهكذا نساء يرغبن لطلب العلم خارج البلدان الاسلامية؟ فأجاب مشكوراً:
الأوسي: بسم الله الرحمن الرحيم
في الواقع الجامعات في اوربا بشكل عام تستقبل الكثير من الفتيات المؤمنات الملتزمات لذلك ظاهرة الحجاب في هذه الجامعات واضحة وايضاً هناك بعض الأماكن لأداء العبادة والصلاة موجودة في أكثر هذه الجامعات وبالتالي هناك نوع من الإنسجام بين الفتاة والجامعة رغم أن هناك بعض التحديات يعني الفتاة لما تأتي من مكان بعيد وتريد أن تدرس في هذه الجامعات الأوربية اوالأمريكية فهي تواجه مجتمعاً جديداً وليس فقط جامعة جديدة وإنما المجتمع كله جديد بعاداته وتقاليده وأفكاره وقيمه لذلك هذا التناقض قد يولّد عندها نوع من الإختلاف ولكن الثقافة الاسلامية تستطيع أن توفر سهماً جيداً لهذه الفتاة حتى تتجاوز بها هذه التحديات. هناك تجمعات دينية وهناك لقاءات بين الفتيات وبين الطلاب فهؤلاء المتدينون يلتقون في مواسم، في مراسم، في مناسبات وبالتالي حينما يذهبون الى الجامعة هم يمتلكون رصيداً من الممانعة ومن المقاومة لهذه التحديات رغم كل ذلك لابد للطالب أن يستحفظ جملة من الأدوات يجب أن يستخدمها ليتجاوز بها هذا الموضوع. من هذه الأدوات الثقافة التي فيها نوع من الإنفتاح وليست الثقافة المنغلقة، المسئلة الثانية الفهم الحقيقي للاسلام لذلك يجب أن نفصل بين العادات وبين الأحكام، بين القيم وبين ما تمارسه بعض المجتمعات فلايمكن تحميل الأعراف على الأحكام الاسلامية. المسئلة الأخرى الهدف الكبير للمسلم أمامه أن يأخذ دوره في هذا المجتمع ويمتلك عنواناً كبيراً ومؤثراً وبالتالي الخبرات والعناوين الكبيرة يجب أن يحظى بها هذا المسلم سواء كان طالباً او طالبة لأن الآن العالم الاسلامي ينتظر منه إزدهاراً علمياً ولعل ماحصل في الجمهورية الاسلامية من الإزدهار العلمي المتنوع والكبير يدعو كل الطلبة المسلمين في الخارج أن يسيروا خلف هذه الأسوة والقدوة لأن العالم الاسلامي يحتاج الى الكثير من هذه القدوات. نعم هناك تحديات تواجه الفتاة المسلمة حينما تريد أن تدرس في الغرب لكنها تستطيع أن تتجاوز هذه التحديات وتتغلب عليها بفعل عقيدتها وثقافتها وإلتزامها ورؤيتها المنفتحة وأقصد بالمنفتحة هو عدم تحميل الأحكام الشرعية او تقاليدنا التي نتوارثها من مجتمعاتنا المحلية.
بعد أن إستمعنا الى ماقاله الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن نتوجه الان الى الدكتور فاضل أبو الهيم الخبير الاجتماعي في فلسطين لسؤاله عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بإبتسام الى سلوك ذلك الطريق غير القويم وغير اللائق عندما كانت تعود متأخرة ليلاً او عندما كانت تخرج مع زميلاتها الى مناطق عدة فأجاب متفضلاً:
أبو الهيم: بسم الله الرحمن الرحيم
التربية الأسرية وما تزرعه في داخل الأبناء هي أساس الحفاظ على الإنسان في المستقبل، هناك بعض الأهالي لايغرسون بقناعة القيم الاخلاقية والدينية داخل الأبناء بل يلجأوا الى القهر والعنف والضرب والإساءة وفرض الحجاب على البنات بدون إقتناع، هذا قد يؤدي في بعض الأحيان الى إتيان الإنسان بسلوكيات عكس تربيته وعكس عاداته وتقاليده في اللحظة التي يخرج فيها الانسان خارج البلاد بالتالي نلاحظ هذه الفتاة في اللحظة التي تخرج فيها من منطقتها تخلع الحجاب لأن الحجاب لم يوضع إلا إعتبارات تخص الأهل وليس لإعتبارات دينية او أخلاقية فمن هذا المنطلق هذه الفتاة تنتظر الفترة الزمنية والوقت الذي تخرج فيه عن الأهل حتى تستطيع أن تفعل ما تشاء وتقوم بلبس ماتشاء، هذا ماحدث مع الطالبة الأولى التي خلعت الحجاب ولبست ما تشاء تلك المجتمعات من قد يكون سفور او يكون امور إجتماعية معينة قامت بها في تلك المناطق ولم تحقق ذاتها إلا لما خلعت الحجاب وإرتدت الملابس الغربية والخليعة لكن على خلاف الثانية التي خرجت وإنتظمت وبقت وحافظت على قيمها لأنها تعتبر القيم هي حصانتها وقوتها وثقافتها وهي تشعر بالفخر والعزة بدينها وثقافتها فمن هذا المنطلق لاتريد أن تتجرد من شخصيتها وتتجرد من قناعها ولباسها الشرعي لكن الأولى لم تكن تشعر بتحقيق الذات إلا من خلال التبرّج وبالتالي بعد ذلك تريد أن تخلق نمطاً من التعايش والمسايرة للحياة الاجتماعية فبدأت تسير كما تسير بنات المنطقة التي ذهبت اليها لكن الثانية التي إحتفظت بحجابها تتسم بالأصالة، تتسم بالثبات، تتسم بالثقة بالذات، بالمرونة، بالقوة في الشخصية. يعني أنا أميل الى غرس الثقافة في داخل الانسان يعني هذه الانسانة لو كانت أساليب لطيفة من القناعة والتعامل معها بهدوء لما وصلت الى ماوصلت اليه، أنا أعتقد أن هذه الانسانة هي ممزقة من الداخل، هي لاتريد أن تبقى بهذا الوضع لأن داخلها، ضميرها هو الذي يعذبها الآن لأنها تأتي ببعض السلوكيات ضد القيم الاجتماعية التي تربت عليها. من هنا نريد أن تكون هناك جلسات توعية، تبصير، تخويف من الله سبحانه وتعالى، تطوير شخصيتها في إطار التربية الأخلاقية والقيمية التي تربت عليها بالتالي تبصيرها بنواحي قيمية نفسية اجتماعية وإتاحة المجال أمامها للتعبير عن ذاتها حتى يتم مناقشة وإقناع هذه الفتاة بما هو مضمون في عقلها.
في ختام هذه الحلقة نشكر لضيفينا العزيزين الدكتور علي رمضان الأوسي الباحث الاسلامي من لندن والدكتور فاضل أبو الهيم الخبير الاجتماعي من فلسطين حسن المشاركة في برنامج من الواقع الذي قدمناه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران كذلك نشكر لكم اعزائي المستمعين حسن المتابعة الإصغاء على أمل أن نلتقيكم في حلقات اخرى قادمة إن شاء الله، دمتم سالمين وفي أمان الله.