خبراء البرنامج: الشيخ هادي العقيل الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة شيماء عبد العزيز أستاذة علم النفس الاجتماعي من العراق
بسم الله الرحمن الرحيم حضرات المستمعين الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع.
في حلقة اليوم أيها الأحبة سنتناول موضوعاً وللأسف كثيراً ما نجده منتشراً بين الناس وخاصة في الدوائر الرسمية وفي نفس الوقت طالما سبب إحراجاً شديداً للبعض نتيجة عدم تمكنهم من الإيفاء او الإلتزام به، إنه بصراحة إخوة المستمعين موضوع الرشوة ونظراً لما لهذا الموضوع من تداعيات وإنعكاسات سلبية خطيرة على المجتمع فسوف نقص عليكم اولاً قصة الست نبيلة التي عجزت عن إعطاء ما طلبه منها بعض الموظفين من رشاوي فضاع حقها وحق أبناءها ثم وكما عودّناكم في حلقات البرنامج سوف نستضيف لحلقة اليوم ضيفين من ضيوفنا الأعزاء وهما فضيلة الشيخ هادي العقيل الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس الاجتماعي من العراق ايضاً وذلك لأجل تسليط الضوء أكثر على مخاطر هذه الحالة ومعرفة موقف الشرع الاسلامي منها كذلك لنتعرف على أهم الحلول الكفيلة لإستئصال هذا الورم الخبيث من جسد المجتمع فتابعونا.
خرجت الست نبيلة في ذلك الصباح البارد وبقلب الأم الكبير راحت تدعو الله ليحقق ماخرجت لأجله وهي متوجه الى دائرة التقاعد العامة للحصول على حقوق لها ولأولادها الأربعة بعد أن قرأت نبأ في الصحف يدعو الى مراجعة الأرامل والأيتام لتسجيل الأسماء وتسلّم فيما بعد رواتب شهرية على مدار السنوات من إستحقاق الزوجة او الأولاد وبحسب الشروط القانونية والشرعية لذلك وما إن وصلت الست نبيلة حتى وجدت جموعاً غفيرة من المواطنين. سألت إحدى السيدات المسنات فعلمت منها أنه يجب أن تذهب الى أحد الموظفين ويدعى عاصي لتتسلم منه الإستمارة الخاصة أولاً وفعلاً راحت تسأل عنه في أروقة الدائرة ولما وصلت اليه بادرته بالسلام وقالت له: صباح الخير ياولدي، كيف يمكن أن أحصل على الإستمارة الخاصة بالأرامل؟
أجاب عاصي دون إكتراث: يمكنك أن تنتظري خارج الغرفة الآن حتى أناديك.
خرجت الست نبيلة والخجل والحيرة قد بانا عليها: حاضر ياولدي سوف أنتظر! لكن أرجوك لاتتأخر في ذلك فيجب عليّ العودة مبكراً.
لم يهتم عاصي لما قالته نبيلة بل كان ينتظر منها أن تخرج. مرت اكثر من ساعة بعدها لم تستطع الست نبيلة الإنتظار اطول فدخلت على الموظف عاصي وقالت له بكل مودة: ياولدي يبدو أنك منشغل جداً ولاأريد أن أضيق عليك أكثر وإنني أراك طيب القلب وستساعدني لأن أعود بسرعة.
قال لها عاصي دون أن يبالي لما قالته أبداً: وماذا تريدين؟
أجابته الست نبيلة: الإستمارة؟ هل نسيتها؟ لكن لابأس عليكم يبدو أنك قد إنشغلت ولاتتذكر ما قلته لي.
نظر اليها عاصي وقال لها: ما دمت على عجل فتعالي وخذي الإستمارة. مدّ يده فتقدمت الست نبيلة خطوتين ثم خطوة اخرى وما إن مدت يدها حتى ردها عاصي بالقول: عليك ايضاً أن تدفعي مبلغاً إزاء هذه الإستمارة.
ترخّت يد الست نبيلة وتراجعت خطوة الى الوراء وقالت بدهشة: هل تريد مالاً مقابل الإستمارة ياولدي؟ من أين أتي لك بالمال، صدقني فأنا لاأمتلك حالياً أي شيء سوى أجرة العودة بالباص فقط.
أحبتي المستمعين لم ينفع كلام الست نبيلة مع عاصي ولم يرق قلبه لها لأن همه الوحيد كان أن يحصل على المبالغ بطريقة من المواطنين وبعد توسلات المرأة المسكينة به خفّض المبلغ وقال لها: طيب أعطي اليوم نصف المبلغ وغداً نصفه الآخر. لكن الست نبيلة أكدت أنها لاتمتلك شيئاً في حقيبتها فهنا قال لها: اذن إنتظري خارج الغرفة حتى اناديك. خرجت المرأة المسكينة وهي تدعو الله أن يفرّج عنها وبقيت واقفة خارج الغرفة حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ورغم ذلك لم يناديها الموظف عاصي أبداً. ولما دخلت عليه مرة ثانية قال لها: إن الدوام الرسمي قد إنتهى وعليك أن تأتي غداً.
أضطرت الست نبيلة أن تعود الى البيت وهي منشغلة البال، كيف ستجمع المال الذي طلبه الموظف عاصي؟ وفي صباح اليوم التالي توجهت مرة أخرى الى دائرة التقاعد وكان معها نصف المبلغ الذي طلبه عاصي ولما وصلت إستطاعت فعلاً الحصول على الإستمارة الخاصة ثم قال لها عاصي: إذهبي بعد كتابة المعلومات فيها الى غرفة رئيس القسم لكي يقوم بالمصادقة عليها وفعلاً ذهبت الى رئيس القسم وعند بابه وجدت جمعاً كبيراً من المراجعين وإجتازت الست نبيلة ذلك الجمع ودخلت. سألها رئيس القسم، قالت الست نبيلة: جئت من عند السيد عاصي بهذه الإستمارة.
قال: اذن هاتيها لتقومي بالإمضاء عليها أمامي. وعندما قامت الست نبيلة بالإمضاء طلب منها رئيس القسم كما طلب عاصي مبلغاً من المال لكي يُنجز معاملتها. إندهشت المرأة المسكينة مما سمعته فقد كان المبلغ باهضاً لها ونزل كالصاعقة على رأسها فردت بكل عصبية: ياسيدي أتعلم بأني أم لأربعة أولاد؟ أتعلم كم هم بحاجة الى النقود؟ أتعلم أني امرأة لاحول لي ولاقوة إلا بالله؟
أحيتي المستمعين إضطرت الست نبيلة العودة الى البيت دون أن تدري ماذا تفعل وتقرر. أتترك المعاملة التي عوّلت عليها كثيراً أم تستمر في إكمالها؟ ولكن من أين ستأتي بالمال الذي يطلبه الموظفون في كل مرة؟ وقبل أن تخرج سألتها إحدى النساء المسنات: ها هل أنجزت معاملتك؟ ومتى ستحصلين على الراتب الشهري؟ مبارك لك فأنت محظوظة!
أجابتها الست نبيلة قائلة: أي راتب شهري تتحدثين عنه ياسيدة فأنا لازلت في أول الطريق ولم انجز معاملتي لحد الآن وربما لم أتمكن من أن أنجزها أصلاً.
سألتها السيدة المسنة: ولماذا؟
قالت الست نبيلة: مادام بعض الموظفين لايشعرون بمآسينا ويطلبون بدون حياء في كل خطوة مبلغاً لإنجاز معاملات المواطنين فلا اعتقد من أنني سأتمكن من إنجازها أبداً.
نظرت السيدة المسنة الى الست نبيلة وقالت لها بتعجّب: أتقومين بإنجاز معاملتك بنفسك؟
ردت عليها نبيلة: وكيف إذن يمكن أن تتم معاملتي؟ هل تتوقعين أن ينجزها الموظف عاصي مثلاً بنفسه ويرسلها أليّ بالبريد على اكمل وجه؟
ضحكت السيدة العجوز وقالت: يبدو أنه لاعلم لك بذلك.
قالت نبيلة: ماذا تقصدين؟
قالت السيدة المسن: ياسيدتي ألم تنتبهي الى الجمع الكبير من المواطنين يقفوا هنا دون أن يراجعوا بأنفسهم الموظفين؟ هناك ياسيدتي شخص يدعى وسيط وهو يأخذ على عاتقه إنجاز المعاملات كافة دون أن تتعرقل أبداً.
تعجبت الست نبيلة وقالت: كيف؟ وهل يعقل أن يقوم هذا الشخص بإنجاز معاملتنا مجاناً ودون مقابل؟
قالت السيدة المسنة: ومن قال لك مجاناً؟ إنه يأخذ مبلغاً باهضاً مقابل إنجاز المعاملة الواحدة.
مستمعينا الكرام مازلنا نتواصل معكم ضمن برنامج من الواقع من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، وهكذا أحبتنا بعد أن تابعنا قصة الست نبيلة وما أصابها من مواقف لايُحسد عليها بسبب الرشاوي التي طالب بها الموظفون ما أجبرها عن ترك معاملتها والإستغناء عنها وعن حقوقها وحقوق أولادها نتوجه الى فضيلة الشيخ هادي العقيل الباحث الاسلامي من العراق لمعرفة رأيه فيما يخص هذه المرأة وما أصابها من حيف وظلم على يد بعض الموظفين وماهو موقف الشرع الاسلامي في هذه الحالة؟ فلنستمع اليه
العقيل: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على خير خلقه محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين
بداية السلام عليكم وعلى مستمعيكم الكرام في مشارق الأرض ومغاربها
بالنسبة الى سؤالكم الذي تفضلتم به حول الرشوة وحكمها في الاسلام وآثارها الوضعية والاجتماعية يمكننا تلخيص الكلام بحديث قد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش" الذي يدور بينهما ويسهل تلك العملية. هنالك آثار شخصية وآثار اجتماعية ممكن أن تطرأ على المجتمع ككل. الله سبحانه وتعالى أراد لنا حفظ كل ما يستدل بالاسلام ويتجه بالمسلم نحو الاسلام في نقاء وسريرة وتفاصيل في كل حياته بشكل سليم وبشكل طيب وفيما اذا إختلطت الأموال المحللة بالمحرمة هذا يعني ضياع الكثير من المفاهيم وكثير من الجزئيات في المجتمع الذي يبتعد وينقلب عن الله سبحانه وتعالى لأن الأموال المحرمة تدخل في الأكل والشرب والحياة والزواج وغيرها من المسائل التي يمكن أن يكون لها إنعكاسات سلبية وبالتالي ضياع الحقوق وضياع العدالة الاجتماعية في المجتمع وإنعكاسها بشكل يؤدي الى مسائل ومنزلقات خطيرة جداً. فالمجتمع الذي لايُحكّم العدالة ولايُحكّم الخير في أمواله وفي اكله وفي شربه علاقاته وفي تجذر الحالة بالأموال المحرمة هذا يعني ضياع لهويته ومسخ لعدالته وحريته وكرامته ويعني أن المجتمع سينزلق ويتقبل افكاراً لايتقبل المسلم وبالتالي ضياع الهوية الاسلامية عموماً.
وبعد أن إستمعنا الى ما قاله الشيخ هادي العقيل الباحث الاسلامي من العراق نتوجه الآن الى الدكتورة شيماء عبد العزيز أستاذة علم النفس الاجتماعي من العراق ايضاً لسؤالها عن الإنعكاسات السلبية التي يتركها إنتشار الرشوة في أي مجتمع من المجتمعات وماهي الطرق الكفيلة للقضاء على هذه الحالة بسبب النتائج السلبية التي يُخلّفها على العوائل المظلومة مثل عائلة الست نبيلة؟
عبد العزيز: الرشوة هي كسلوك نعتبره من السلوكيات الخاطئة والغير مرغوبة إجتماعياً ودينياً فهذا السلوك يعجز عن تكوين قيم إيجابية جديدة هي سلوكيات يسلكها بعض البشر لكن في الغالب ننظرالى سلوك الرشوة بأن الطبقات الفقيرة او الطبقات المعدومة هي التي تقوم بهذا السلوك لكن في الحقيقة لانجدها عند هذه الطبقات اذا اوعزناها بسبب العوز والحاجة والفقر لكن نلاحظها في المجتمعات الراقية التي هي مكتفية مادياً وغير محسوبة على الطبقة الفقيرة فهذا السلوك هو عبارة عن مجموعة من السلوكيات التي تظهر كآفة في المجتمع وأكيد أن هذا السلوك هو آفة من آفات المجتمع الذي يعود مردوده على المادة والطلب الأساسي لهذا السلوك هو الحصول على المال فلما ينشأ هذا السلوك في المجتمع هو بالتأكيد يضارب القيم الأخلاقية داخل ذلك المجتمع فالقيم الأخلاقية عندما تضرب بهكذا سلوكيات وتكون معتومة وغير واضحة في تفسيرها في بعض المجتمعات بين الحلال والحرام وممكن أن يطلق عليها مصطلحات جديدة كمصطلح الربا الذي هو محرم دينياً ونقول إنه إستثمار وعندما نطلق عليه إستثمار يتصوره المجتمع أنه مقبول او توظيف الأموال كما يطلق في المجتمعات لكن في الحقيقة هو ربا او هو رشوة وهو اخذ المال بطريقة غير صحيحة وغير مقبولة لا من الناحية الإجتماعية ولا من الناحية الدينية لهذا نقول إن هذا السلوك هو من السلوكيات التي تضرب مجتمعاتنا خاصة في الوقت الحاضر بسبب المصطلحات الجديدة فهنا القيم الخلاقية في المجتمع او منظومة القيم تضرب وتمحى عندنا السلوكيات الصحيحة والقيم الاخلاقية الصحيحة ويحل محلها قيم اخلاقية غير صحيحة لكن نحن كمجتمعات اسلامية تمحق عندنا أكثر من بقية المجتمعات كوننا ملتزمين بقيم أخلاقية وشرعية يجب أن لانحيد عنها. هنالك قيم لبناء المجتمع ومن هذه القيم هي القيم التي تحافظ على نظافة الانسان من داخله وإعطاء عمله بكل أمانة وإخلاص وعدم الحصول على المال بطرق غير صحيحة وغير مقبولة شرعياً فعلاجنا لهذه الحالة او هذه الآفة في المجتمع هو أن نرجع الى الشريعة الاسلامية ونرى كيفية محاربة الشريعة لمثل هذه الظواهر، تحسيس قيمة العمل لدى أبناءنا، تحسيس الأبناء بلذة العمل الإيجابي الذي يفيد الآخرين ويفيد نفسه منذ الصغر لأن التنشأة تلعب دوراً في السلوكيات لهذا على الأسرة أن توعي كيف تشكل السلوكيات في شخصيات الأطفال لكي لايسلكوا سلوكيات خاطئة نتيجة تربية خاطئة.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا العزيزين فضيلة الشيخ هادي العقيل الباحث الاسلامي من العراق والدكتورة شيماء عبد العزيز أستاذة علم النفس الاجتماعي من العراق ايضاً حسن المشاركة كما نشكر لكم مستمعينا الكرام حسن إستماعكم ومتابعتكم لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم سالمين وفي أمان الله.