خبراء البرنامج: الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية والدكتورة زينب عيسى الأخصائية في علم النفس من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا في كل مكان طابت أوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
موضوع حلقة اليوم مستمعينا الكرام سيكون حول بعض العادات والتقاليد القديمة التي كانت ولازالت تشكل مصدراً للمشاكل العائلية وعلى وجه التحديد للفتيات، من ضمن هذه العادات اعزائي الكرام إصرار الأم او الأب بل وتمسكهما بضرورة زواج البنت الكبرى قبل الصغرى او الأصغر منها أي عدم الموافقة على زواج البنات الأصغر لو تأخر زواج أختهم الكبرى لأي سبب معين يمنعها من ذلك ولهذا الموضوع المهم والحساس جداً والذي طالما أثر كثيراً على الحالة النفسية للأخوات اللاتي ينتظرن زواج أختهن سنحاول بعد سماع قصة اليوم تسليط الضوء أكثر بعد أن نجري إتصالنا المباشر مع كل من سماحة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية والدكتورة زينب عيسى الأخصائية في علم النفس من لبنان فتابعونا.
أحبتي الكرام منال شابة في مقتبل العمر تعرضت وهي طفلة صغيرة الى حادث بسيط لكنه تركاً أثراً واضحاً او خدشاً على وجهها وبمرور الأيام أصبح تأثير هذا الخدش يشكل عبئاً ثقيلاً عليها لأنه على حد قولها إنه أثر قد مزّق كل أوراق فرحتها وشتت كل إحتمالات تأهلها ودخولها القفص الذهبي الذي طالما إنتظرته بشغف كل البنات وكذلك الرجال على حد سواء لأن كل من كان يتقدم اليها من الشباب يجد في ذلك الخدش او العاهة في وجه منال مانعاً قوياً للإرتباط بها. هذا العبء أعزائي المستمعين لم يكن تأثيره على منال وحدها إنما كان تأثيره على أخواتها كذلك إن لم نقل إنه كان أشد عبئاً وأشد قساوة عليهن.
نعم اعزائي الكرام فأخوات منال وإن كنّ أصغر منها سناً إلا أن القسمة والنصيب كما يقال كانت تطرق أبوابهن لأكثر من مرة خاصة الأخت الأصغر من منال وهي عفاف والتي إصطدمت في أكثر من مرة برفض الأبوين لأي شاب كان يريد الزواج بها سواء كان من الأقارب او من الجيران او من قبل أحد الزملاء الشباب في الكلية. في يوم دخلت عفاف البيت وعلائم البهجة والسرور بدت واضحة عليها، صاحت بأخواتها فتجمعن حولها.
سألتها سميرة: مابك ياعفاف؟ زفي لنا خبر فرحتك بسرعة هيا قولي.
قالت عفاف: اليوم طلبت يدي أستاذتي في الكلية الست نادرة لإبنها البكر عصام!
إحتضنت سميرة أختها عفاف وكذلك إحتضنتها فاطمة، في هذه الأثناء دخلت الأم عليهن ورأت الفرحة مرتسمة على وجوههن وهن يتحدثن بشوق ووله فيما بينهن.
إقتربت الأم أكثر وسألت: ماذا يجري ألا يمكن أن أشارك بناتي حبيباتي فرحتهن؟
أجابت الصغرى فاطمة بكل فرح: ياأمي اليوم تقدم لإختنا عفاف شاب جميل ووسيم ومن عائلة معروفة جداً، إنه إبن الست نادرة أستاذة عفاف في الكلية.
قطّبت الأم حاجبيها وإلتفتت الى عفاف وقالت: كم مرة قلت لك ولأخواتك أن لازواج إلا بعد أن تتزوج أختكن منال!
نعم اعزائي الكرام بعد الذي قالته الأم ساد الأخوات صمت حزين وترقرقت اعينهن بالدموع وإنقبضت قلوبهن. رفعت عفاف رأسها وقالت لأمها: ولكن ياأمي الى متى سنبقى بدون زواج؟ وما ذنبي أنا أن يؤجل زواجي بسبب أختي منال؟ لاأجد في ذلك حقاً ولاأجد فيه عدالة، لقد طفح الكيل ياأمي ولم يبق من الصبر شيء فينا!
قالت ذلك عفاف ونهضت بعدها ثم توجهت الى غرفتها وهي تندب حظها وتبكي. نظرت الأم الى بناتها ثم نظرت الى نفسها وما سببته من موقف مؤلم لبناتها فحاولت أن تصلح ذلك ببعض العبارات لإدخال الفرحة في قلوب بناتها ولكن دون جدوى.
عند المساء وكالعادة تجمّع أفراد الأسرة لتناول الطعام بحضور الأب الذي كان قد عاد تواً من عمله وما إن شرع بالأكل حتى قال لزوجته: اليوم مر بي صاحبي أبو علي وطلب أن يزورنا بعد صلاة العشاء.
سألته زوجته: ألم يقل لك ماذا يريد من زيارته؟ وهل سيزورنا لوحده أم مع أسرته؟
قال لها: لاأعرف بالضبط فنحن يجب أن نستقبله في كل الأحوال. وفعلاً بعد صلاة العشاء طرق أبو علي الباب وكانت برفقته زوجته ومعهما إبنهما البكر علي. خلال ذلك بدأت علامات الإستفهام ترتسم على وجوه أسرة أبي منال. ياترى ماهو سر الزيارة؟ هل يكون لطلب يد إحدى بنات أبي منال؟
نعم علي كان مرافقاً لأبيه وأمه ولايمكن في هذه الحالة إغفال معنى هذه الزيارة ولم تمض بضعة دقائق حتى اعلن أبو علي في رغبته ورغبة إبنه في الإقتران بإبنة أبي منال سميرة. سادت الفرحة كثيراً أجواء الأخوات، طبعاً عفاف وسميرة وفاطمة إلا منال وأباها وأمها وكالعادة فقد بدت ملامح الرفض على وجه الأبوين اللدين نظرا الى إبنتهما منال التي هي الأخرى عقدت حاجبيها فنهضت وهرعت الى غرفتها دون أن تستأذن الحاضرين. لم تتمالك ام منال نفسها من شدة الإنزعاج وما إن رأت غضب وإنزعاج إبنتها حتى أشارت الى زوجها بالرفض فرد بدوره أبو منال على طلب ضيفه أبي علي وقال له: يا أخي العزيز أبا علي نحن يشرفنا ويسعدنا أن يقترن إبنكم الموقّر بالزواج بإحدى بناتنا لكنني أرى أنه من الواجب أن تتزوج إبنتي الكبرى قبل ذلك. نظر أبو علي الى أم علي ونظرالى إبنه علي، لايعرف ماذا يجيب وماذا يقول إلا أنه أصر مرة أخرى على طلب يد سميرة بناءاً على رغبة إبنه علي وحبه في ذلك إلا أن الرياح لاتأتي بما تشتهي سفن عائلة أبي علي أبداً فخرجوا منزعجين بسبب إصرار أبي منال ايضاً على الرفض مبدين إنزعاجهم من هذه العادات والتقاليد التي حرمت إبنهم علياً وحرمت الشابة سميرة من الإقتران ببعضهما والزواج بما سمح به وأوصى به الاسلام.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج من الواقع يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أيها الكرام بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم وتعرفنا على حجم ماأصاب كلاً من عفاف وسميرة من آلام داخلية وهموم وشعور بالإحباط نتيجة تقيّد الأب والأم بتلك العادات التي تفرض ولازالت عند بعض العوائل بزواج الكبرى قبل الصغرى نتوجه الى سماحة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية لسماع رأيه بما أوصى به القرآن الكريم وما يراه الشرع الاسلامي في هذه الحالة وهل أن زواج الصغرى قبل الكبرى هو من فروض الاسلام أم أنه من الفروض البعيدة عن ذلك والبعيدة حتى عن الإنسانية والمنطق؟ فلنستمع معاً
عباس: أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وهو المعين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
لو تأملنا في جملة التوصيات الاسلامية لرأينا أنها دائماً تريد أن تكسر جملة من العادات التي تنشأ في المجتمعات وتصبح بعد ذلك مقدسة من المقدسات ولعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما تزوج من زينب إبنة جحش كان يريد أن يكسر هذه العادة التي كانت منتشرة عند العرب بحيث أن المرأة المطلقة او زوجة المولى لايصح ولايجوز التزوج بها. هنا رسول الله على عظمته أراد أن يكسر هذه العادة بنفسه ولم يوحي لأحد من خلص أصحابه بأن يتصدى لكسر هذه العادة العربية والعادة الجاهلية. في واقع مجتمعاتنا العربية لاسيما فيما يتصل بالمرأة هناك الكثير من العادات التي ينبغي أن نسلط الضوء عليها حتى تأخذ المرأة حقها في الحياة وحقها من الوجود، من ضمن هذه العادات على سبيل المثال أن الأبوين دائماً مايسعيان الى أن تتزوج الكبرى أولاً قبل أن تتزوج أخواتها الصغريات وربما هنالك جملة من الموانع الطبيعية والظروف الطبيعية إما لمرض الكبرى على سبيل المثال او الحالة الجمالية مثلاً عند الكبرى فهنا لايصح على الأبوين أن يقطعوا رزق الأخوات الصغيرات وإنما يجب علينا أن نكون على يقين من أن رزق الله اذا ساقه الى العباد فإذا وصل الى هذا الانسان إن وصل اليه هذا اليوم او وصل غد او بعد غد المهم على الأب أن يدرك أن جملة من هذه العادات ربما تؤثر على باقي بناته الصغار فضمن هذه الظروف الطبيعية ينبغي على الأبوين أن يناقشا هذه المسئلة بحالة من الرياضية وبحالة من الشفافية بأنه مَن جاءكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوجوه حتى لو كان هذا الرجل المتقدم قد جاء الى الأخت الصغرى ولها اخت كبرى لم تتزوج. بإعتقادي أن الانسان اذا أوكل أمره الى الله سبحانه وتعالى فإن الله عزوجل يأتي له بالنصيب فلماذا نحن نؤخر هذه الأخوات عن مسيرتها الطبيعية والوجودية في الحياة والكون بحجة أن أختها الكبرى لم تتزوج الى الآن ولم يتقدم اليها أحد. بإعتقادي الأخت الكبرى ايضاً ينبغي أن تتمتع بحالة من الشفافية مع اخواتها الصغار ولاتحمل الهم ولاتلقي باللوم على اخواتها الصغار وكما أنه من حق الأبوين أن تتزوج الكبرى ولكن اذا أتيحت الظروف. الأخت الكبرى ينبغي أن تتمتع بشفافية بحيث لاتوحي لأخواها الصغار بأنهن لايصح أن يتزوجن. لايجوز أن نتحجر بجملة من هذه العادات وإنما نناقش الأمور بحالة من الشفافية وبحالة من الرياضية ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق بناتنا جميعاً الى أن يبنوا حياة أسرية سعيدة ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
أيها الأفاضل بعد أن إستمعنا الى ماقاله الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية نتوجه الان الى الدكتورة زينب عيسى الأخصائية في علم النفس من لبنان لسؤالها عن إنعكاسات رفض الأب او الأم زواج الأخوات قبل أختهن الكبرى وماهي النتائج والتداعيات على نفسية هؤلاء الأخوات وكيف سينعكس ذلك على طبيعة علاقتهن فيما بينهن وهل من نصائح نوجهها الى الآباء والأمهات بشأن ذلك؟ فلنستمع معاً
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
سيدي الموضوع الذي طرح أنه نجد بعض العادات عند الأهل مَن يؤخر زواج البنات حتى يتم تزويج الأخت الكبرى في المنزل وهذه عادة لم نسمع بها في الاسلام. الاسلام يحث ويقول اذا جاءكم الأكفاء فإنكحوهم او مَن ترضون دينه فزوجوه فهذا الأمر لايحدد زواج الكبرى عن الصغرى او الصغرى على الكبرى فكل فتاة لما تسمح لها الظروف وتأتي الظروف الموضوعية وتتوافر الظروف الموضوعية للزواج كالسن والوضع المهني والإقتصادي والعلمي، كل هذه الظروف اذا ما توفرت وتقدم شاب الى خطبة فتاة على الأهل أن يزوجوا الصغرى ولاينتظروا اذا كانت الكبرى في المنزل لأن في هذا الأمر ردود فعل عن تأخير زواج الفتيات الصغيرات في البيت فيمكن الفتاة الصغيرة أن تكون تحب هذا الشاب ولها نظرة معينة فيه فهنا نؤدي الى الفتاة الى بعض السلوكيات اللامقبولة او الى سلوك منحرف لايُرضى عنه فهنا يكون دور الأهل هم الذين أخذوا بالفتاة الى الأعمال السيئة. أؤكد وأركز أنه مهما كانت الأسباب اذا كانت هناك فتاة كبيرة في البيت لأن لايؤذوا الفتيات الأخريات ويؤخروا زواجهن وهذا غير مقبول لاعرفاً إجتماعياً ولادينياً فأتمنى من الأهل أن ينظروا الى هذا بموضوعية حتى لايرموا ببناتهم في التهلكة ويمكن الفتاة الكبيرة لم يأت اليها الظرف وجاءت الفرصة المناسبة للصغرى الآن وبعد وقت او بعد سنوات يكون ضاع العمر ويكون هماً آخر وأدوا بالعنوسية الى إبنتهم الصغرى، فغير مسموح بهذا الفعل.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين سماحة الشيخ عبد الغني عباس الباحث الاسلامي من السعودية والدكتورة زينب عيسى الأخصائية في علم النفس من لبنان حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن الإستماع الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى حلقات أخرى قادمة إن شاء الله دمتم في أمان الله وحفظه.