خبراء البرنامج: الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من السعودية والأستاذة زينب عيسى الباحثة التربوية ومستشارة علم النفس من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع، في حلقة اليوم أعزاءنا المستمعين نسلط الضوء على النتائج السلبية التي يُخلّفها إنصراف الأبوين عن تربية الأبناء بسبب إنشغالهما بحياتهما الخاصة تاركين الأبناء لقمة سائغة بيد أصدقاء السوء او ذوي النفوس الضعيفة الذين ينتهزون هكذا فرص فيكيدون المكائد للأبناء من خلال إشراكهم او توريطهم في أنماط حياتهم الشاذة والبعيدة كل البُعد عن تعاليم إسلامنا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة. أحبتي المستمعين الأكارم سوف نستضيف وكما عوّدناكم في كل حلقات البرنامج ضيفين من ضيوفنا الأعزاء وهما الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من السعودية والأستاذة زينب عيسى الباحثة التربوية ومستشارة علم النفس من لبنان لأجل تسليط الضوء أكثر على موضوع حلقة اليوم فتابعونا.
أحبتي تعوّد رياض ومنذ كان شاباً في بيت أبيه على العيش ببذخ والتمتع بحياته مثلما يريد دون ان يُحاسبه أحد او يُعاتبه فكان يختار أصدقاءه ويخرج معهم الى أماكن عدة ولايعود الى البيت إلا بعد منتصف الليل ولما تزوّج بأبنة عمه لم يتغير نمط حياته أبداً فقد كانت زوجته تُشاطره السهر والخروج ليلاً. مرّت السنون وهما على هذا الحال حتى بعد أن رزقهما الله سبحانه وتعالى بالأولاد ولما كبروا بدأوا يشعرون بفراغ كبير فلا الأب كان يُبدي إهتمامه بهم ولا الأم كانت تمنحهم شيئاً من حنانها او عطفها لذلك صارت الصدفة وحدها هي التي يتم خلالها اللقاء بين أفراد الأسرة اوعندما بعض الأحيان يطلب أحد الأبناء نقوداً من الأب او من الأم او يكون في مشكلة ما. بالمقابل ونتيجة الفراغ الكبير الذي خلّفه الأبوان كان من الطبيعي أن يتعرف الأولاد على أصدقاء متعددين حالهم في ذلك حال الأبوين لذلك فقد صار خروجهم ايضاً شيئاً عادياً وباتوا يقضون معظم الأوقات بصحبة هذا ومرافقة ذاك بل أحياناً كانوا يقضون الليل حتى صباح اليوم التالي عند بعض الأصدقاء ولهذا السبب بدأت علاقاتهم مع هؤلاء تزداد متانة وتزداد قوة ولكن لم يكن أولاد رياض على علم بما كان يُخطط له هؤلاء الصدقاء ولا على علم بما كانوا يتعاطوه او ما يُمارسوه من سرقة احياناً وذلك من اجل توفير المبالغ الكافية لشراء المخدرات او الإنفاق على سهراتهم وهكذا وقع الأولاد ودون أن يُدركوا في ورطة كبيرة حتى جاء اليوم الذي طالب فيه الأصدقاء أولاد رياض بالسهر وقضاء بعض الوقت في بيت أبيهم.
قال أحد الأصدقاء لأمين الأبن الأكبر لرياض عليك في المرة القادمة أن تدعونا الى بيت أبيك حتى نقضي بعض الوقت.
أجابه أمين: ولكني لاأعرف متى سيصطحب أبي أمي الى الخارج، أقصد لاأعرف في أي ليلة.
قال له صديقه: لابأس عندما تعرف أنهم مدعوون الى إحدى الحفلات التي تعوّد عليها عليك إبلاغنا.
وفعلاً بعد أيام معدودات كان رياض وزوجته يستعدان للخروج الى إحدى الحفلات ولما إنتبه الى ذلك أمين شعر بالسعادة فإنتظر حتى خرجا ثم قام بالإتصال بجميع أصدقاءه ودعاهم الى البيت وماهي إلا أقل من ساعة حتى وصل الكل.
نعم اعزائي الكرام عند حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل توجه الزوجان الى البيت وفي الطريق إستوقفت رياض دورية للشرطة، سأله ضابط الشرطة بعض الأسئلة ثم سمح له بعد ذلك بإكمال المسير وبعد أن أوشك على الوصول إستوقفته دورية للشرطة أخرى وايضاً سأله الضابط بعض الأسئلة وتركه ليُكمل مسيره، تعجّب رياض من الحالة وقال لزوجته يبدو أن أمراً خطيراً قد وقع لذلك رجال الشرطة يبحثون عن أمر ما او شخص ما !
سألته زوجته: وما هو الشيء الخطير برأيك؟
أجابها رياض: لاأعرف بالضبط ولكن من خلال الأسئلة التي وجهها لي رجلي الشرطة عرفت أن هناك عصابة قد سرقت منزلاً كبيراً في الحي الذي نسكنه.
إنتاب الزوجة وللمرة الأولى قلق غريب وطلبت من زوجها أن يُسرع في العودة الى البيت ولما وصلا كانت المفاجأة.
أحبتي المستمعين كان واقع المصيبة شديداً على الأبوين أي رياض وزوجته عندما إكتشفا أن بيتهما هو الذي تعرّض للسرقة حين شاهدوا حشداً من رجال الشرطة عند البيت وهنا تسائل رياض مع نفسه: يا ألهي لمَ هذا العدد الغفير من الشرطة؟ ولمَ تقف سيارة الأسعاف ايضاً؟
فما كان منه بعد أن أوقف سيارته إلا أن ترجّل منها بكل سرعته وراح يسأل من أحد رجال الشرطة الواقفين: أرجوك قل لي ما الذي جرى؟
سأله رجل الشرطة: ومَن تكون؟
قال رياض: أنا صاحب هذا البيت، هل حصل شيء؟ أرجوك قل لي بسرعة!
نظر رجل الشرطة اليه وقال له بكل هدوء: للأسف ياسيدي فإن بيتك قد تعرّض للسرقة على يد إحدى العصابات وللأسف أن هذه العصابة ايضاً كانت على صلة وثيقة مع اولادك!
تعجّب رياض وإندهش كثيراً مما سمع وقال لرجل الشرطة: أولادي؟ ما الذي تقوله؟ واين هم اولادي الآن؟
أجابه قائلاً: ولداك بخير، أما امين أبنك الأكبر فهو في حالة خطرة وسوف ننقله الى المستشفى، لقد تعرّض الى بعض الطعنات بالسكين على يد أحد هؤلاء الذين كانوا يسرقون بيتك.
والآن أعزائي المستمعين بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم ضمن برنامج من الواقع والذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران منوجه الى سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من السعودية لسؤاله عمّا يراه الدين في تقصير الأبوين وخاصة الأب تجاه أولاده وعدم رعايته لهم وتسببه لما جرى لهم ولبيته ايضاً وماهي النصائح التي ذكرها الشرع الإسلامي بهذا الخصوص، فلنستمع معاً.
الحجاب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "ياأيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقوها الناس والحجارة". إنطلاقاً من هذه الآية المباركة وعندما يصغي ويستمع المستمع الى قصة رياض وماحدث له من إهمال في تربية أبناءه لاحظنا أن الأساس بدأ من والدي رياض وكذلك هو وزوجته التي كانت تُشاطره في الرأي ولم تولي أبناءها التربية الصالحة. ماهي النتيجة؟ النتيجة مجتمع غير صالح، مجتمع فاسد يسعى الى الفساد في الأرض وهذا الفساد يؤثر ليس فقط مثلاً على الجيران او المجتمع بل يؤثر على الأبوين كما سمعنا في القصة. عندما نأتي الى الشرع الإسلامي، الى الدين الحنيف نلاحظ أن آيات قرآنية كثيرة، أحاديث نبوية وروايات عن الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أكدوا على الأبوين أن يُربوا أبناءهم تربية صالحة لأن الأب اذا رحل عن الدنيا والأم رحلت عن الدنيا إنقطع من عمله إلا من ثلاث او أربع أشياء ومن جملة هذه الأشياء "ولد صالح يدعو له"، لاحظوا قيمة الصلاح في المجتمع ولكن اذا لم يُربّى الأب وأنا أقصد هنا الأبن سواء ذكر كان او أنثى. اذا لم يُربي إبنه تربية صالحة أصبح الدمار في المجتمع وايضاً جلب له العار وجلب له السوء لكن لو ربّاه تربية صالحة، البنت تصبح إمرأة صالحة تضمن له الجنة كذلك الولد الصالح يسر أبيه. ونلاحظ عندما نعود الى قصصنا العربية او تراثنا العربي نجد أن قصة واقعية حصلت للحجاج الثقفي عندما جاء ذلك الصبي ووقف يتكلم بكلام موزون ويُحاجج الحجاج بآيات قرآنية، بفكر نيّر. الحجاج سأل عن والد هذا الصبي فقام شخص رث الثياب، عادي، متواضع، هنا الشاهد، قال الحجاج: نعم الأبن وبأس الأب!
فأجابه الأبن قائلاً: نعم الأب وبأس الجد!
فسأله الحجاج: لماذا؟
مضمون قوله: لأن جدي لن يتعب على أبي ولكن أبي رغم أنه مثلاً كان أمّياً حاول أن يُربّيني تربية صالحة!
هنا ومن خلال هذه القصة لايعتبر الإنسان أن يقول أبي لا يُربّيني فأنا أهمل أبنائي، لا. هو مُلزم أن يُربّي أبناءه تربية صالحة. فنسأل الله عزوجل أن يوفقنا إن شاء الله لتربية أبناءنا تربية صالحة بحق محمد وآل محمد.
مستمعينا الأفاضل بعد أن إستمعنا الى ماقاله الشيخ إبراهيم الحجاب نتوجه الآن الى الأستاذة زينب عيسى الباحثة التربوية والأستاذة في علم النفس من لبنان لسؤالها عن أسباب وتأثيرات ترك الأبوين لرعاية أبناءهم وبماذا ننصحهما بهذا الخصوص؟ فلنستمع معاً.
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قبل الإجابة عن سؤال حضرتكم لابد أن أتوجه بالقول عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
سيدي الكريم فيما يتعلّق بتبادل العلاقة بين الأهل والأبناء ودور الأهل تجاه أبناءهم في التربية والتوجيه. كما تفضلت بعض الأهل والكثير في الوقت الحاضر نرى من الأهل ينشغلون عن أبناءهم لأسباب متعددة إما إنشغال الأب بداعي السفر او عدم القيام بدوره كأب وما يتطلّب منه من توجيه ورعاية وإحتضان لأسرته ومن ناحية الأم أحياناً نجد الأم في الوقت الحاضر بدأت تنشغل تبعاً للحياة العملية في وظيفتها او في مهامها او حتى ممكن أن تكون في المنزل وتنشغل عن أبناءها، لايد هنا أن أتوجه الى الأهل بأن إنشغال الأهل عن أبناءهم لابد له من النتائج النفسية الخطيرة على الأبناء. أولاً على المستوى النفسي بالنسبة للأب على الأبناء، الأب هو صورة للتماهي على المستوى النفسي فالإبن يُقلّد أباه، يتأثر به، يتعلم منه أشياء كثيرة لتكون شخصيته على غرار شخصية والده وكذلك الأم عندما تغيب هناك فقدان وحرمان عاطفي على الأبناء هذا بشكل جداً مختصر. الأبناء في هذه الحالات يتوجهون وينصاعون الى أشياء اخرى ليعوضوا عدم الإهتمام او حتى لاتكون رقابة عليهم فيتوجه الأبناء الى إنحرافات السوء والى الرفاق الغير مرغوب بهم او الى عدم التحصيل المدرسي لأنه لايعطون الأهمية للدراسة لأنهم لايجدون رقيب عليهم او من يوجههم. هنا أنصح الأهل وبإختصار شديد، على الأهل كل كان أم او أب أن يعرف كل منهم دوره لأن حُسن التربية هي من الأسس التي يطلب بها الإسلام والأئمة سلام الله عليهم، حُسن الخُلق، حُسن التوجيه. هناك دور الأبوة الصالحة وللأمومة الصالحة.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من السعودية والأستاذة زينب عيسى الباحثة التربوية والأستاذة في علم النفس من لبنان حسن المشاركة كما نشكر لكم اعزائي المستمعين حسن إستماعكم لبرنامج من الواقع والذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى حلقات قادمة إن شاء الله نستودعكم الله ودمتم في رعايته وحفظه.