خبراء البرنامج: الشيخ خضر نور الدين الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لحضراتكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم احبتي سوف نقص عليكم قصة الشاب نصرت الذي تعوّد على المُبالغة في الكلام والغلو في حديثه سواء مع الأصدقاء او أفراد الأسرة بحيث لاحظ هؤلاء أشياء مُبالغ فيها ايضاً وراحوا يظنون أنه يتمتع بمزايا وصفات أكبر من حقيقته، هذه الحالة مستمعينا الكرام نجدها منتشرة بين بعض الأشخاص خاصة الشباب لهذا بعد أن تنكشف حقيقتهم يقعون في ورطة ويصبحون عاجزين عن تبرير مواقفهم وتبربر أفعالهم. حول هذا الموضوع اعزائي الكرام إستضفنا لحلقة اليوم ضيفين من ضيوف البرنامج الكرام فضيلة الشيخ خضر نور الدين الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان ايضاً لأجل تسليط الضوء أكثر ولمعرفة أفضل الحلول من الناحيتين الشرعية والإجتماعية ولكن بعد أن نستمع الى قصة نصرت
نصرت شاب في مُقتبل العمر يعمل في مجال الكومبيوتر في محل يمتلكه هو وأحد أصدقاءه، كان دائماً ما يقوم بإستقبال الزبائن ويتعامل معهم فشريكه لم يكن يأتي كثيراً ولم يكن يمتلك الوقت الكافي لذلك أصبح الكل يظن أن نصرت هو صاحب المحل ولوحده، جاءته في يوم إحدى بنات الجيران وهي تحمل لابتوب قد تعرّض الى عطل بسيط، رحّب بها نصرت وقام على الفور بفحصه وماهي إلا دقائق حتى عاد اللابتوب يعمل بصورة جيدة كما كان عليه سابقاً.
أعجب نصرت ببنت الجيران ولما عاد الى البيت تحدّث مع أمه فرحت أمه كثيراً بمشروع الزواج الذي إقترحه إبنها وقامت فقبلته ووعدته بزيارة أهل الفتاة لطلب يدها وفعلاً لم تمضي إلا شهور قليلة حتى تمّ إقترانه ببنت الجيران عُلا.
في يوم عادت عُلا الى البيت وهي حزينة، سألها نصرت مابك يازوجتي العزيزة؟
قالت له: إن أخي في ورطة لايعرف كيف يخرج منها.
قال نصرت: وماهي ورطته؟
قالت عُلا: لقد طلب صاحب البيت من أخي بدل إيجار مُضاعف للسنة واذا لم يدفع له فأنت تعلم أنه يجب أن يترك البيت في هذه الحالة.
قال نصرت: نعم نعم، هذه إحدى المشاكل العصيبة التي يُعاني منها الناس خاصة ذوي الدخول المنخفضة.
هنا قالت عُلا وإبتسامة تملأ وجهها: وأنا بدوري يازوجي العزيز بادرت وطمأنت أخي لكي لايكون مهموماً او حزيناً.
تعجّب نصرت وقال لها: وبماذا بادرت وطمأنتي أخاك ياتُرى؟
أجابت: قلت له لاتقلق، فسوف يجد لك نصرت حلاً بكل تأكيد فهو على علاقة وطيدة مع الكثير من أصحاب الأملاك، ألم تقل ذلك يوماً يازوجي؟ كما أني طمأنته ايضاً وقلت لاتبادلي اذا لم يجد لك نصرت حلاً سريعاً فإنه يعمل تاجراً في السوق الكبير لبيع أجهزة الكومبيوتر يُمكنه أن يجد لك عملاً ويُخصص لك راتباً جيداً حتى لاتُعاني من قلة الراتب فتتمكن بعدها من تسديد بدل الإيجار.
تلعثم نصرت وقال: ولماذا وعدت أخاك بكل هذه الوعود يازوجتي؟
قالت عُلا: لماذا؟ ألست تاجراً تبيع أجهزة الكومبيوتر أم أنني مُخطاة؟
قال نصرت: لا لا انا لاأقول بأنك مُخطأة لكنك لاتعرفين بأني مشغول كثيراً هذه الأيام وأوضاع السوق غير مُستقرة لذلك لاأتمكن من إيجاد عمل له بهذه البساطة.
في يوم ضاقت الأمور بوجه نصرت كثيراً فوارد المحل الذي يعمل فيه لم يعد يسد نفقاته في البيت ولاتكاليف المحل نفسه، من ضرائب ومصاريف اخرى لذلك قرر شريكه أن يفسخ العقد الذي بينهما وأن يبيع المحل وهذا ما أوقع نصرت في مشاكل مالية كثيرة. بطبيعة الحال هذا الأمر لم يبح به امام زوجته بل بالعكس كان يُحاول أن يتظاهر ويُبالغ في كلامه كما في كل مرة بأنه اليوم قد وجد عاملاً يُساعده في المحل لأنه لايمتلك الوقت الكافي للتوفيق بين اعماله المتعددة وهنا كانت زوجته بكل تأكيد تشعر بالفخر والإعتزاز بزوجها لأنها لم تكن تعرف الحقيقة، حقيقة زوجها الذي أصبح عاطلاً عن العمل. في يوم كان زوجها نائماً طرق شخص الباب، نهضت عُلا وفتحت الباب فإذا بصبي يطلب تصليح جهاز كومبيوتر بسيط قد أصابه العطل، تعجّبت عُلا وقالت له: معذرة فزوجي لايقوم بهذه الأعمال البسيطة ثم أنه لايُوافق على تصليح الأجهزة في البيت، يُمكنك أن تذهب الى محله. ثم بعد قليل جاءت امرأة اخرى وهي تحمل جهاز كومبيوتر مُعطّل ايضاً. دُهشت عُلا كثيراً ولما نهض زوجها سألته: اليوم طرق الباب شخصان صبي امرأة وكلا هما كانا يريدان تصليح جهاز الكومبيوتر الذي معه، في السابق ما كان احد يطرق الباب أبداً! هل العامل الجديد الذي جئت به لايُجيد عمله؟ أم أنه غير موجود في المحل؟ أعتقد أنه عليك الذهاب لتتأكد بنفسك.
قال لها نصرت والحرج قد بان عليه: فعلاً الحق معك يبدو أن العامل الجديد لايُحسن عمله، نعم يجب أن أطرده وأتي بغيره.
إستغلت عُلا الموقف وقالت له: نعم أطرده أليس أخي أحق بأن يعمل معك؟
خرج نصرت كالعادة صباحاً مبكراً للبحث عن عمل وقد تأخر كثيراً عن العودة الى البيت. في هذه الأثناء إتصلت عُلا بأخيها وطلبت منه الحضور ليذهبا معاً الى محل زوجها نصرت وفعلاً بعد أن حضر أخوها توجها معاً الى محل نصرت وعندما وصلا وجدت عُلا رجلاً آخر في المحل، سألته: من تكون؟
تعجّب الرجل وقال لها: وأنت مَن تكونين؟
إنزعت عُلا وقالت له بلهجة عنيفة: قلت لك مَن تكون فهذا محل زوجي نصرت، جئت اليه ومن حقي أن أعرف مَن تكون انت؟
قال لها الرجل: ياسيدتي أنا المالك الجديد لهذا المحل واما عن زوجك فقد باع المحل لي هو وشريكه منذ فترة واذا لاتصدقين هذا عقد الإيجار الجديد المُسجّل بإسمي.
نظرت عُلا الى اخيها وعلائم الدهشة والحيرة قد بانت عليها فقالت: زوجي باع المحل؟ وشريكه ايضاً؟ ماهذا الذي أسمعه؟
قال لها الرجل: نعم ياسيدتي لقد إشتريت المحل من السيد نصرت وشريكه.
فقررت عُلا الرجوع الى البيت لتنتظر زوجها حتى تعرف منه الحقيقة وفعلاً عندما عاد نصرت عند المساء كان مُتعباً من شدة السير على الأقدام بحثاً عن عمل يُنقذه فوجد زوجته عُلا بإنتظاره، سألته: أين كنت يازوجي العزيز؟
أجاب كالواثق من نفسه: كنت في العمل يازوجتي وهل هذا يحتاج الى سؤال؟ هيا قومي وأعدي شيئاً نأكله، فأنا جائع كثيراً.
قالت له عُلا: وفي أي محل كنت؟ محل تصليح اجهزة الكوميوتر أم المحل الآخر الكبير؟
قال لها: في الحقيقة كنت في المحل الآخر!
قالت عُلا: وهل ستبيعه هو الآخر؟ أم تنتظر شريكك ربما يُغيّر من رأيه؟
أعزائي المستمعين بعد أن إستمعنا الى قصة اليوم ضمن برنامج من الواقع والذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تبين أن المبالغة في الكلام والغلو فيه أمران حبلهما كحبل الكذب قصير جداً لها فقد توجهنا الى فضيلة الشيخ خضر نور الدين الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله في رأيه عن الشخص الذي يدّعي أشياء هي ليست حقيقية ورأيه في الشخص الذي يُبالغ في كلامه ويُغالي وماهو الفرق بينه وبين الكذّاب وماهو حكم الشرع هنا وبماذا ننصح هؤلاء؟ فلنستمع معاً
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم أولاً من الواضح أن الكذب حرام بل هو من أبشع أنواع الحرام لأنه قاعدة لكثير من الموبقات، واضح من حديث النبي ضلى الله عليه وآله وسلم عندما جاء أحد المؤمنين يستنصحه قال: لاتكذب، قال: ماذا يارسول الله؟ قال: لاتكذب، ثم قال: وماذا يارسول الله: قال لاتكذب.
فكان عدم الكذب أن يكون من سيرة الناس وخيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله لأن الصدق من أهم صفات المؤمن وله أثر كبير على الوضع النفسي والروحي للإنسان. أما في موضوع المبالغة، المبالغة في الحديث سواء كان سلباً او إيجاباً هو خروج عن الحقيقة وهو كذب واضح وبإعتبار فيه إعطاء للحقيقة كما هي قد تؤدي أحياناً المبالغة إعطاء صورة سواء كان الأمر سلباً وقد يدفع هذا بإنسان يسمع عن شخص آخر شيء مُبالغ فيه يعني يأخذ عنه موقفاً سلبياً وهذا امر غير جائز، حتى لو كانت المبالغة إيجاباً قد يؤدي الى أخذ موقفاً إيجابياً قد يكون مبالغة في الحديث عنه وهذا قد يكون سبباً لصدمة بحيث أن الإنسان مع الشخص المُبالغ عنه بالحديث قد يؤدي الى صدمة وبالتالي قد يُبنى عليه فبالتالي تكون فيها مشكلة بالتالي الكذب واضح في حرمته والمُبالغة بإعتبار كونها خارجة عن الحقيقة، فيها زيادة سواء كانت سلباً او إيجاباً فليست بعيدة عن الحرمة حالها حال الكذب بشكل عام وإن كان الكذب أعلى درجة. النصيحة للإنسان المسلم، الإنسان العادي مسلم او غير مسلم، اذا كنت كلما أنت صادقاً مع نفسك وكلما كنت صادقاً مع الناس كنت موضع ثقة أكثر والصورة التي تؤخذ عنك كإنسان صادق فهي صورة تفيدك بأن تكون ثقة الناس وان تكون مصدراً للشهادة الصحيحة فيما اذ طُلب منك ذلك بينما لاتؤحذ بشهادتك اذا لم تكن معروفاً بالصدق. أنا الفت النظر الى حديث قاله النبي صلى الله عليه وآله قبل أن يُبعث بالنبوة وهذا الموضوع كان سبباً في تصديق الناس له، عندما جاءهم النبي ودعاهم الى عبادة الله وترك عبادة الأصنام إتبعه الناس لأنه كان معروفاً بالصادق الأمين. والصادق يعني يؤخذ بكلامه لنه تعوّد عليه الناس ولايمكن أن يكذب بالتالي مايقوله عند الناس يصبح ثقة وهذا امر مهم جداً في بناء المجتمع المتكامل والمترابط والمتضامن، كلما كانت الناس أقرب الى بعضها البعض وكانت الناس تعمل مع بعضها البعض بثقة أكبر لذلك الصدق يعتبر شرط من شروط القيم الإنسانية في ديننا الحنيف وعلى أساس هذا الصدق تعلو المجتمعات او تهبط لأن الفرد جزء من المجتمع، المجتمع الذي يتكوّن من افراد صادقين هو مجتمع أقوى وأقرب من ثقة الآخرين وبالعكس المجتمع الذي يتكون من أفراد غير صادقين يعتبر من المجتمعات الهابطة ومن المجتمعات التي لايعوّل عليها ولايمكن أن يتقدم الى الأمام ويبتعد عن السير التكاملي المطلوب من الإنسان المؤمن على مستوى الفرد او مستوى الجماعة.
بعد أن إستمعنا الى ما قاله فضيلة الشيخ خضر نور الدين الباحث الإسلامي من لبنان نتوجه الآن مستمعينا الى الأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان لسؤالها عن الأسباب والدوافع الحقيقية التي تكمن وراء سلوك البعض بهذه التصرفات ولماذا يلجئون الى المبالغة في الكلام وماهي عواقبها وكيف يمكن معالجتها؟ فلنستمع معاً
نجم: مما لاشك فيه أن المبالغة في الكلام هي عبارة عن ظهور سلوك او إضطراب في شخصية الإنسان سيما اذا كانت هذه المبالغة تشير الى أشياء غير صحيحة وبالتالي فيها الكثير من الكذب وعدم المصداقية الأمر الذي يؤثر سلباً على علاقة النفس مع ذاته ومع الآخرين. من الأسباب التي تدفع بالمرء الى التصرف بمثل هكذا سلوك فيه الكثير من الإضطراب اولاً عدم الثقة بالنفس. ثانياً الخلل في التنشأة الأسرية. ثالثاً قد يكون هنالك نقص ما في شخصية هذا الإنسان فيحاول أن يظهر أمام العالم بانه موجود، بأن الأنا هي الان موجودة على هذه الساحة وبالتالي يحب أن يكون محط أنظار وأن يجلب إهتمام الآخرين له فبالتالي يلجأ الى هكذا سلوكيات وفي كثير من الأحيان قد تؤذي الآخرين وخاصة مَن يتعلق بهذا الكلام الذي يتحدث عنه. على سبيل المثال كانه يستطيع أن يؤمّن عملاً لشاب وهذا الشاب بأمس حاجة الى هذا العمل فيقوم بإعطاء الوعود غير الصادقة ويدفع بالعيش بأوهام الأمر الذي ينعكس فيما بعد على هذا الشاب ويؤذيه وايضاً هنالك نظرة الناس الى هذا الشخص على أنه شخص كاذب. الأسباب اعود وأكررها، بالدرجة الأولى هنالك خلل في شخصية هذا الإنسان قد تكون نتيجة عوامل كثيرة. ثانياً حب الظهور وحب المباهاة وبأنه موجود وهذا ضعف في الأنا فيحاول أن يفرض أناه على الآخرين بطريقة غير سوية وايضاً هناك التنشأة الأسرية التي تلعب دوراً هاماً وتكوّن لدى الطفل او الطفلة الشخصية القوية فيما بعد او أن تدمّر هذه الشخصية عبر معتقدات وعبر عادات وعبر أفكار لاتمت الى الحقيقة بصلة ولاتكوّن لهذا الفرد الأخلاق السوية التي يسعى المرء أن تكون هي الكنز الذي يتمتع به لذلك فأن هذا السلوك هو بالفعل سلوك غير سوي وسلوك غير سليم بالتالي يؤسس في المستقبل على نفسه وعلى الآخرين.
في حلقة هذا اليوم مستمعينا الكرام نشكر لضيفينا الكريمين فضيلة الشيخ خضر نور الدين الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذة نسرين نجم الباحثة الإجتماعية من لبنان ايضاً حسن المشاركة كما نشكرلكم حسن إستماعكم لبرنامج من الواقع والذي قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في أمان الله وحفظه.