خبراء البرنامج: الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذ كمال السيد الباحث الإجتماعي من ايران
أحبتي المستمعين أرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع. في حلقة اليوم سنتناول قصة الزوجة أم نوفل التي كانت دائماً ما تسبب المشاكل لزوجها ولباقي أسرتها لأنها ببساطة كلما كانت ترى او تسمع بأن إحدى زميلاتها او جاراتها قد إشترت شيئاً جديداً كحقيبة او ملبس مثلاً او قامت بتغيير أثاث او ستائر بيتها او طلبت من زوجها شراء تلفاز جديد او مائدة للطعام جديدة او ماشابه كانت تشعر بالغيرة والحسد فتجبر زوجها على توفير تلك الأشياء بكل إصرار رغم علمها ان ذلك سيُثقل كاهل زوجها وسوف يسبب له إحراجات ومشاكل مالية كثيرة. هذه القصة أعزائي وكما ستتعرفون على إنعكاساتها السلبية على أسرة أبي نوفل بإستمرار خاصة عندما كانت تندلع شجارات بين الزوجين ستكون وكالعادة موضوع نقاشنا مع ضيفين عزيزين من ضيوف البرنامج هما سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان والأستاذ كمال السيد الباحث الإجتماعي من ايران.
أحبتي المستمعين أم نوفل ربة بيت لايهمها في حياتها سوى أن تعتني بنفسها وببيتها فقط. ربما يتسائل البعض ويقول قبل أن يعرف الحقيقة: وما الضرر في ذلك؟؟ فالحقيقة حرصها الشديد لم يكن نابعاً من حبها لأسرتها إنما من حبها لنفسها فقط وذلك بدافع الغيرة والحسد من الأخريات من النساء حتى وإن كلّفها ذلك مشاكل مع زوجها فكانت اذا حلّت في يوم ما ضيفة على إحدى جاراتها ورأت أنها قد إشترت شيئاً جديداً عادت وطلبت من زوجها أن يوفر لها نفس الشيء وفي اليوم التالي مباشرة او اذا شاهدت أن إحدى زميلاتها قد إقتنت حقيبة نسائية جديدة مثلاً وإن كان سعرها مرتفع بعض الشيء تعود ايضاً الى زوجها وتطلب منه نقوداً لأجل شراء حقيبة جديدة هي ايضاً وهذا كان بطبيعة الحال يسبب لزوجها حرجاً شديداً نظراً لتواضع راتبه اولاً وللمسؤولية الملقاة على عاتقه كرب أسرة ثانياً.
في يوم ذهبت الى بيت اختها ام حوراء وشاهدت أن أختها قد قامت بتغيير كامل لأثاث البيت من ستائر وسجاجيد وغيرها إنبهرت أم نوفل بتلك الأشياء الجديدة والجميلة، سألتها: بكم إشترى ذلك أبو حوراء وماهي مناسبة ذلك؟
أجابت أختها وقالت: في الحقيقة لاأعلم كم دفع أبو حوراء لشراء الأشياء الجديدة فأنا عادة لاأسأله، أما المناسبة فهي لذكرى زواجنا لذلك فهو لم يكتفي بما إشتراه للبيت فقط، تعالي معي الى غرفتي لأريك الملابس الجميلة وبعض الحقائب التي جلبها لي بهذه المناسبة كذلك وعدني بشراء هدية جميلة لي ولكن لم يُفصح عنها بعد ليجعلها مفاجأة. لاتعرفين ياأم نوفل كم انا سعيدة بزوجي فهو يوفر كل شيء لي دون أن أطلب منه أبداً. فهنا أعزائي المستمعين تولدت حالة الغيرة والحسد عند ام نوفل فحاولت أن تخفي ذلك عن اختها لكنها لما عادت الى البيت جلست دون أن تُنجز أياً من الأعمال البيتية لأن همّها الوحيد كان إنتظار زوجها المسكين.
في أحد المرات إتصلت بها جارتها لتدعوها الى حفلة ستقيمها بمناسبة خطوبة إبنتها وبمجرد أن أنهت جارتها الحديث معها هرعت ام نوفل الى غرفتها وفتحت دولاب الملابس وهنا تذكرت أختها كم تمتلك من الملابس الجديدة التي شاهدها عندما كانت عندها بالأمس، نظرت مرة أخرى الى ملابسها فلم تعجبها شعرت بالإنزعاج وقررت عندما يعود زوجها من العمل أن تطالبه بمبلغ يكفيها لشراء مجموعة جديدة من الملابس تليق بها عندما تذهب الى حفلة جارتها. لما عاد الزوج مساءاً من عمله بادر زوجته بالسلام لكنها ردت عليه بشيء من التثاقل وعدم الإكتراث، إنتبه لذلك زوجها لكنه لم يأبه فقد تعوّد على هذه الأمور منذ تزوج بها أي أنه لن يسأل عن سبب إنزعاجها بل حاول أن ينشغل بأموره الخاصة. نظرت اليه ام نوفل من بعيد وحاولت أن تجد سبباً او عذراً لتقنعه بشراء الملابس الجديدة لها رغم علمها أن هذا لأمر وكالعادة سوف يؤدي الى إندلاع شجار عنيف بينها وبين زوجها لكن هذا لم يكن يهمها مادامت رغبتها فوق كل إعتبار وأخيراً إقتربت أم نوفل من زوجها وقالت: أتعرف ياأبا نوفل بعد غد أي يوم الخميس ستكون خطوبة بنت جارتنا ام مصطفى فقد إتصلت أم مصطفى بي عبر الهاتف ودعتني للحضور في الحفلة التي ستقيمها بهذه المناسبة.
أجاب الزوج بكل هدوءك: مبارك لها ولإبنتها، سوف أتصل أنا بدوري ايضاً بأبي مصطفى لأباركه. هنا لن تجد أم نوفل الفرصة لكي تبادر بطلبها فإستمرت بحديثها وقالت: لكنني متحيرة ماذا سأرتدي ليوم الخميس وأنت تعرف في هكذا مناسبات ماذا يرتدين النساء، يجب أن يشترين شيئاً جديداً مثلاً. وهنا لم يُجبها أبو نوفل بل فضّل السكوت وعدم الرد.
إستمرت أم نوفل في كلامها وقالت: سأحاول أن أذهب الى السوق غداً لكي أختار شيئاً مناسباً يليق بي وبزوجي العزيز أبي نوفل وهنا إنبرى لها زوجها قائلاً: وماهو شأني بذلك ياعزيزتي، أأنا سأرتدي الملابس أم أنت؟
ضحكت زوجته وقالت: بالطبع يازوجي العزيز أنا التي سوف ترتدي وليس انت ولكن الناس حينما يشاهدونني بالملابس الجديدة واللائقة سيقولون: أنظروا الى زوجة أبي نوفل كم هي أنيقة وملابسها جميلة وأن زوجها لايبخل عليها بشيء لأبداً!
لم يُعر أبو نوفل اهمية لهذا الكلام فهو العالم بأن وراء هذه العبارات مبلغاً كبيراً يجب عليه توفيره لزوجته لتلبية رغباتها في الشراء لذلك فقد إستمر منشغلاً بأداء عمله وهنا بدأت الزوجة تشعر بالضجر وراحت تكرر كلامها على زوجها بل باتت تلح أكثر وأكثر لعل زوجها يستجيب ويعطيها المبلغ الذي تريده وهكذا واصلت ام نوفل محاولاتها في كسب ود زوجها وعطفه ليناولها مبلغاً من المال ولما باءت كل المحاولات بالفشل بدأت تتكلم مع زوجها بطريقة أخرى فقالت له: أليس من حقي أنا ايضاً أن أرتدي ملابس فاخرة وجديدة؟ أليس من حقي ايضاً أن أحمل حقيبة أنيقة وغالية الثمن؟ أليس من حقي أن أتفاخر عندما أشارك في حفلة ما او مناسبة ما فأشتري هدية للفتاة المخطوبة تليق بي وبمقامي؟ أليس؟ وأليس؟
هنا صرخ الرجل بإنفعال شديد وعصبية شديدة قائلاً: يكفي ياامرأة، يكفي أرجوك فقد تعبت من طلباتك، تعبت من إهتمامك بمظهرك، تعبت، تعبت، أرجوك أن تشعري بتعبي أنا وما أعانيه من قلة الراتب والقدرة على توفير كل شيء للبيت. قد بات همي الوحيد أن أرضيك وأوفر لك!
وراح الرجل يصرخ ويصرخ بعد أن دمرته زوجته. هذا الصراخ من قبل الزوج لن يُسكت الزوجة بل راحت هي الأخرى تصرخ ايضاً وأصبح الزوجان يتبادلان الكلمات واللوم لبعضما البعض وتطور الأمر وإضطر الزوجة لأن تترك البيت وتذهب الى بيت أبيها بسبب الملابس والنقود.
إذن مستمعينا الكرام بعد أن إستمعتم الى قصة أم نوفل تعرفتم على حجم المشاكل التي كانت تتسبب بها مع زوجها لذلك فقد توجّهنا الى ضيفنا سماحة الشيخ النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله عمّا يراه الدين في هذه الحالة وكيف على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها المادية وكيف عليها أن تترك حالة الغيرة والحسد ومداراة الناس فيما يفعلون او يقتنون وفي هذه الحالة نتسائل ايضاً عمّا جاء في تعاليم ديننا عن هذه القصة وإنعكاساتها السلبية؟ فلنستمع معاً
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين
من دون أدنى شك أن الحسد من أخطر الآفات والأمراض التي تسبب للإنسان الكثير من المشاكل والمآسي والمتاعب والأوضاع الصعبة وتعقّد له حياته أيما تعقيد لذلك التوجيه الديني والأخلاقي دائماً كان ضد الحاسدين الذين يريدون أن يحطموا المجتمع ويحطموا انفسهم ومن ذلك أن الحاسد يصرف كل او جل طاقاته البدنية والفكرية التي يجب أن تُصرف في ترشيد الأهداف الإجتماعية وفي تنمية القدرات والمهارات الذاتية وفي بناء المجتمع وفي بناء الذات في طريق الهدم وتحطيم لما هو قائم بالنسبة الى الآخرين لهذا هو يُبدد طاقاته الشخصية أحياناً دون أن يصل الى شيء. الأمر الثاني أن الحسد هو الدافع لكثير من الجرائم في هذا العالم ونحن نعرف الجريمة الأولى التي وقعت بين هابيل وقابيل؛ هذه الجريمة الخطيرة التي مازلنا نشهد تداعياتها في نوع الإنسان بشكل عام لذلك نرى أن الكثير من العلل تنشأ من الحسد ولعل لهذا السبب شُبّه الحسد بشرارة من النار يمكن أن تُهدد كيان الحاسد او المجتمع الذي يعيش فيه وتعرضه لأفدح الأضرار.
أن أحد العلماء يقول إن الحسد من اخطر الصفات ويجب أن يعتبر من أعدى أعداء السعادة لذلك على الإنسان أن يجتهد لدفعه والتخلص منه وقد وردت الكثير من الأحاديث عن أهل البيت سلام الله تعالى عليهم في هذا المضمار؛ يقول الإمام علي: "صحة الجسد من قلة الحسد" ومعنى ذلك أن الإنسان اذا أراد أن يكون صحيحاً ومعافياً فعليه أن يتخلى عن الحسد. بالإجمال يجب أن نقول أن الحسد من علائم ضعف الشخصية وعقدة الحقارة ومن دلائل الجهل وقصر النظر وقلة الإيمان فنحن نعرف ان هناك الكثير من الناس يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله وعليهم هم أن يشتغلوا ويعملوا ويجتهدوا من أجل أن يصلوا الى ما وصل اليه الآخرون من فضل ومن علم ومن معرفة وحتى من أمور مادية لا أن يتمنوا أن تزول النعمة عن الآخرين فهذا الأمر مرفوض ومنبوذ في الإسلام وكما يمكن أن نقول أن أصل الحسد كما يعبّر الإمام الصادق من عمل القلب والجحود لفضل الله تعالى لذلك على الإنسان دائماً أن يشكر لله وينظر الى من هو دونه لا الى من هو فوقه.
وبعد أن إستمعنا الى سماحة الشيخ صادق النابلسي نتوجه الآن الى الأستاذ كمال السيد الباحث الإسلامي من ايران لسؤاله عن أسباب الغيرة والحسد ومداراة الناس فيما يفعلون ويقتنون عند بعض النساء وهل يتوقف هذا الأمر عندهن فقط أم يتولد عند بعض الرجال ايضاً وماهي النصائح للأبتعاد عن ذلك؟
السيد: برأيي الحسد مرض أخلاقي معقّد جداً في النفس الإنسانية وهو تمنّي زوال نعمة الغير وهذا ناشئ عن أنانية مفرطة جداً ويختلف عن عقدة التفوق على الآخر التي وردت الإشارة فيها حول القصة؛ المرأة عندما تطلب من زوجها شراء أشياء رأتها في بيت صديقتها مثلاً او جارتها هذه عقدة التفوّق على الآخر اما الحسد يختلف عن هذه العقدة، الحسد تمنّي زوال نعمة الآخر وهو على درجات ويختلف عن الغبطة، الغبطة شيء إيجابي. كل الناس يعانون من الحسد على درجات متفاوتة وتبلغ شدة المرض أحياناً الى أن يقتل الإنسان نفسه في بيت المحسود حتى يورطه هذه أعلى درجات الحسد يعني يفني ذاته من أجل إحراق الآخر اما الغبطة فهي تمنّي نعمة أنعمها الله سبحانه وتعالى على الآخرين وهذا شيء إيجابي وناشئ عن إيمان بالله سبحانه وتعالى وأما الحسد فهو ناشئ عن أنانية وتضخّم في الذات ومرض معقّد جداً وهو على درجات؛ كل الناس يعانون على درجات متفاوتة من الحسد، حسد خفيف واحياناً يرجع الإنسان الى نفسه ويحاسبها ويؤنبها على هذه المشاعر السلبية إتجاه الآخر اما ظاهرة أطلقت عليها الغيرة وهي أن تقوم المرأة بالضغط على زوجها لشراء بعض السلع او بعض الأشياء رأتها في بيت صديقتها او زميلتها او جارتها وهذه عقدة التفوق على الآخر وهذا شيء يختلف عن الحسد كلياً وهو لايُعد مرضاً أخلاقياً خطيراً مثل الحسد الذي يصعب علاجه أحياناً وقد يستحيل علاجه. كل هذا يعود الى مشكلة الإيمان والمفروض أن تكون حالة إنسانية يحب فيها الخير لجميع الناس يعني أن يتمنى الإنسان أن تمطر السماء ورداً على بيت داره حتى يأتيه شذى الورد وعبير الورد ورائحة الورد أما أن يتمنى أن تمطر السماء حجارة وحمماً على جاره فهذه قطعاً سوف تؤذيه وتحرق عيونه قبل عيون الآخرين لأنه على مساس تام مع هذا الجار ومع الصديق اومع هذا القريب.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين سماحة الشيخ صادق النابلسي والأستاذ كمال السيد لمشاركتهما برنامج من الواقع الذي قدمناه من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران كما نشكر لكم اعزائي المستمعين حسن المواصلة والى اللقاء.