ضيوف البرنامج: الدكتور الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام من بيروت والأستاذة هدى إبراهيم عيسى الباحثة التربوية من السعودية
أهلاً وسهلاً بكم احبتي المستمعين ونرحب بكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم حلقة اخرى من سلسة حلقات برنامجكم الأسبوعي من الواقع. في حلقة اليوم سوف نقدم لكم واحدة من المشكلات التي تعاني منها بعض الدوائر الرسمية او غير الرسمية وربما نراها حتى في إدارات المدارس او الجامعات، إذن هي مشكلة تتعلّق بالأمور الإدارية والتي تنعكس سلباً على بقية الموظفين وفي بعض الأحيان على المواطنين. هذه المشكلة هي مشكلة الإستبداد الإداري وكما عوّدناكم في حلقات البرنامج سنستضيف إثنين وهما الدكتور الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام من بيروت والأستاذة هدى ابراهيم عيسى باحثة تربوية من السعودية. الآن نستمع معاً الى قصة عاصم وكيف كان يتصّرف مع الموظفين.
عاصم موظف يعمل مسؤولاً في أحد الأقسام التابعة لدائرة النشر والتوزيع وكان حرصاً على منصبه جداً، يخاف إذا جاء موظف جديد أن يُنافسه في يوم على منصبه كما يظن طبعاً فيحاول أن يخلق له بعض المشاكل والعوائق في العمل لكي لايستمر معه خاصة اذا وجد في هذا الموظف المقدرة والكفاءة ما يؤهله لأن ينال على ضوءهما على إعجاب الآخرين وثناءهم وبالذات المدير العام.
في يوم طرق باب القسم الذي يعمل فيه عاصم موظف جديد، دخل الموظف وأدى التحية. سأله عاصم بعد أن ردّ عليه تحيته: تفضل
قال: أنا نادر الموظف الجديد ثم يد يده وأعطى عاصم كتاب التعيين الصادر بحقه.
رحّب عاصم به بطريقة جافّة بعض الشيء على طريقة بعض المدراء ثم أخذ كتاب التعيين وطلب منه أن يجلس ويستريح قليلاً حتى يشرح له طبيعة العمل في القسم وفعلاً بدأ نادر بالعمل بعد أن أنهى عاصم كلامه. إنتهى اليوم الأول وفي صباح اليوم التالي لما وصل نادر وجد عاصماً قد سبقه وأمره على الفور ودون أن يفسح مجالاً بأن يُنجز بعض الأعمال الأخرى قبل أن يتوجّه الى عمله الذي أوكله اليه بالأمس، لم يمتنع نادر بل قام بأداء واجبه على أكمل وجه ثم بعد ساعتين بدأ بعمله المخصص له.
أحبتي بعد أن باشر مادر بعمله قال له عاصم: حاول أن تُنجز عملك بسرعة فلم يتبقى إلا ساعة ونصف الساعة لكي نُرسل الأوراق الى المدير العام لأجل المصادقة عليها وإرسالها من بعد ذلك الى النشر، أرجوك أسرع قبل أن يفوتنا الوقت!
نظر نادر الى الساعة وقال في نفسه: بالأمس أمضيت أربع ساعات كاملة حتى أكملت ما كلّفني به عاصم فكيف أتمكن من ذلك في ساعة ونصف الساعة فقط؟ ورغم ذلك لم يقل نادر شيئاً لعاصم وعاد ينظر الى الأوراق كي لايضيع عليه الوقت ويكون في موقف مُحرج منذ الأيام الأولى لعمله. أحبتي المستمعين هل إكتفى عاصم بهذا القدر من محاولاته في إشغال نادر؟ لا لن يكتفي بل قال: أتعلم يانادر أنا لما كنت مثلك، لأقصد لما كنت موظفاً جديداً كنت دؤوباً جداً والكل يشهد بذلك فقد كنت قادراً على إدارة كل أعمال هذا القسم لوحدي ولكن كما تعلم فالأعمال تزداد يوماً بعد يوم نتيجة التطورات الحاصلة في الحياة فلهذا بدأنا نستعين بموظفين جدد، وراح عاصم يتكلم ويتكلم ويشرح لنادر ماذا كان يفعل وكيف كانت الأمور في السابق والغرض طبعاً أعزاءنا هو تأخير نادر عن عمله وفجأة رنّ الهاتف وإضطر عاصم أن يتوقف عن الكلام ولكنه قبل أن يرفع السمّاعة قال لنادر من جديد: حاول أن تُسرع في عملك يانادر فالوقت قد داهمنا.
أحبتي مرت الدقائق ثم مرت ساعة كاملة ونادر لم يكن قد أنجز عمله الذي طالبه به عاصم وفي هذه اللحظة رنّ جرس الهاتف مرة أخرى، رفع عاصم السمّاعة وقال: ألو نعم أستاذ، نعم حاضر كلها دقائق ويكتمل التقرير، أمرك أستاذ ثم أغلق عاصم السمّاعة ونظر الى نادر وقال له: ها هل أكملت عملك؟ فالسيد المدير قد إتصل الآن وهو يسأل بشأن التقرير!
قال له نادر: أنت تعرف انني بدأت متأخراً فكيف تتوقّع ان أنجز ما طلبته منّي بهذه السرعة؟ وهنا حاول عاصم أن يُظهر غضبه وإمتعاضه فقال له: ماذا تقول ياأخي، حاول أن تُسرع قليلاً فأنا لاأحب الموظف الذي يعمل بيطئ، ماذا سأقول للمدير لو إتصل مرة أخرى؟
نعم أعزائي المستمعين هكذا كان عاصم يتعامل مع أي موظف جديد حتى يُحبط عزيمته ويُقلل من شأنه لذلك طلب من موظف آخر إنجاز العمل بدلاً من نادر فشعر نادر بالإنزعاج والحرج وحاول أن يُقنع مديره بأن يُعطيه فرصة ثانية ليُثبت له مقدرته إلا أن عاصماً كان مُصراً على موقفه ورأيه فهذا ما كان يريده وهذا ما كان يُخطط له دائماً. في هذه الأثناء وبينما كان نادر يتكلم مع عاصم رنّ الهاتف مرة أخرى، رفع عاصم السمّاعة وقال: نعم أستاذ كلها ربع ساعة وسيكون التقرير حاضراً، لا لا، لقد تأخر قليلاً بسبب أحد الموظفين لأنه جديد ولن يُتقن عمله بعد، نعم نعم أستاذ مثلما ترى، سوف أمنحه فرصة اخرى. ثم أغلق عاصم السمّاعة ونظر الى نادر وقال له: أرجو أن تُسرع في عملك في المرة القادمة فالمدير قد إنزعج كثيراً لما علم سبب تأخّر إعداد التقرير. وهنا حاول نادر أن يشرح له ولكن عاصماً رفض الإستماع وإستمر في كلامه قائلاً: سأمنحك فرصة أخرى في مجال عمل آخر ولو تباطئت أيضاً في إنجازه فسوف أضطر لن أطلب من المدير العام أن ينقلك الى قسم آخر.
وهكذا أعزائي المستمعين توضّح لكم كم أن محاولات عاصم كانت قاسية وشديدة بحق الموظف الجديد رغم أنه لم يكن كسولاً ولابطيئاً في عمله وإنما عاصم هو الذي خلق تلك الأجواء التي أوحت للمدير العام بأن نادراً موظفاً بطيئاً في عمله لهذا تسببت تصرفات عاصم المستمرة مع مادر في أن يُقرر المدير العام نقل نادر الى قسم آخر من الدائرة لهذا نتوجّه الى الدكتور الشيخ صادق النابلسي مدير حوزة الإمام الصادق عليه السلام من بيروت لسؤاله عمّا جاء في تعاليم الإسلام الحنيف من إرشادات ونصائح بشأن حب الأخ لأخيه المسلم وبشأن الصدق في التعامل وعدم إستغلال المنصب الإداري في إتخاذ قرارات تضر بالموظفين وتضر بالتالي بالصالح العام.
النابلسي: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين دون أدنى شك القائد في أي مؤسسة من المؤسسات او المدير يتحمل عبئاً كبيراً وهو الذي يدير وهو الذي يخطط وهو الذي يتحمل أعباء كثيرة من أجل أن يعطي صورة حقيقية من هذه المؤسسة على مستوى الفاعلية والإنتاجية والدور والحضور في أي ميدان من الميادين التي تعمل لها هذه المؤسسة لذلك على المدير او المسؤول أن يتمتع بمزايا متعددة وصفات اخلاقية عالية حتى لايؤثر ذلك على سير وأداء هذه المؤسسة، من جملة هذه الأمور ان لايكون مستبداً برأيه بمعنى من المعاني أن يستشير لأنه ماخاب من إستشار، يستشير المعاونين وأن يضعهم في صورة أي مخطط او أي عمل يمكن أن تقوم به هذه المؤسسة حتى لاتصل الأمور الى حائط مسدود او الى فشل في أداء المهام الموكلة الى هذه المؤسسة لذلك يجب أن نعود الى قول رسول الله على مستوى الإستشارة وايضاً الى قول امير المؤمنين: "من إستبد برأيه هلك". الأمر الثاني يتعلق بمحبة الموظفين والعاملين معه لأنه ورد أصلاً "أن الإنسان عليه أن يحب لأخيه مايحب لنفسه" لذلك يجب على الإنسان أن يتعامل مع الموظفين والعاملين بروح المودة والأخوة والطيبة والتعامل الحسن، الإيجابي لأن أي إضرار في نفسية العاملين يؤدي ذلك على سوء أداءهم وإنتاجهم في هذه المؤسسة لذلك عليه أن يكون واسع الصدر، رحب الصدر وان يتعامل معهم بلطف من اجل أن يدفعهم الى العمل بحماسة أكثر وشوق وإندفاع كبير. الأمر الثالث الذي يجب أن أشير اليه أنه لابد أن يكون هناك صدق في التعامل بمعنى آخر أن المسؤول عليه أن يتعامل بشفافية ووضوح وأن يؤدي وظيفته بصدق بحيث لايكون هناك مخاتلة ومخادعة وخيانة لاسمح الله وذلك يجرأ الموظفين ايضاً على نفس الأمر وفي النهاية هذا يؤثر ويضر بصورة المؤسسة وبأداء وإنتاج المؤسسة بشكل كبير لذلك الركون الى الصدق والعودة الى الصدق في جميع التعاملات يفيد كثيراً على المستوى الشخصي والمؤسسة التي يعمل فيها هذا المدير والتي يعمل فيها العاملون والموظفون ايضاً.
أعزائي المستمعين والآن نتوجّه الى الأستاذة هدى ابراهيم عيسى الباحثة التربوية من السعودية لسؤالها عن الأسباب التي تدفع بمثل هؤلاء المدراء لأن يتصرفوا بهذه الطريقة مع موظفيهم دون مراعاة لهم وماهي الدوافع التي تدفعهم لذلك وماهي الطرق والسبل في نفس الوقت لمعالجة هذه الظاهرة التي وللأسف تنتشر كثيراً في مجتمعاتنا.
عيسى: أسباب التعسف الإداري او إساءة إستغلال الوضع الإداري للموظفين قد يكون جهل المدير في كيفية تحقق الهدف على حساب مشاعر الموظفين او قد يكون لئم منه وخوفاً على مصلحته من المنافسة او خوفاً من أن لايحترمه الموظفون في كلا الحالتين اذا كان المدير جاهلاً فيجب توعيته وتوجيه ملاحظة له، إما الموظف يواجه المدير او يستعين بخبراء أعلى منه يعطوه ملاحظة او يوجهونه وقد يأخذ المدير دورات إدارية لتأهيل نفسه. كذلك هناك أسباب اخرى تدفع المدراء الى إساءة المعاملة مع الموظف او إستغلاله للمصلحة الشخصية، احياناً يوظف أقاربه، أحياناً يجب أن يعلي مرتبه، أحياناً يستغل العمل الذي أخذه الموظف ويضعه بإسمه ويحب الشهرة على حساب الآخرين، طبعاً هذا ظلم. تقوى الله بالدرجة الأولى، يستعين بمدراء أعلى منه، ثالثاً يوجه له ملاحظة.
الحل الجيد هو اذا كان عن جهل وليس عن لئم، ممكن ان تنعقد دورات إدارية كيف يحفز الموظف نحو تحقيق الهدف بشكل أنه يصبح المدير له وعي بأن الجو والمناخ المريح للعمل يعطي إنتاجاً اكبر وممكن ان يُدرب المدير على الحوار يعني سياسة وتدريب للإداريين أن لايتعسف في التعامل مع الموظف بالعكس "أنا أربح وأنت تربح" كذلك المدير كيف يحفز الموظف؟ الموظف لايستطيع أن يعطي ويعطي أكثر ماعنده اذا كانت أكثر حاجاته غير متلبية، الحاجة المادية، الأمن، حب الإنتماء، التقدير والأحترام، هذه الحاجات تساعد في تخفيز الموظف وتساعد على الأداء الأفضل. يمكن أن يوجه المدير الى أن يحدد نقاط ضعف الموظفين ويعيد تأهيلهم، يطورهم فالتدريب والتأهيل والتطوير من الإدارات الجيدة يعني اذا كانت المشكلة عن ضعف وعن جهل يمكن ان يوجه المدير الى الإدارة السليمة وكذلك المدير يحتاج الى دورات ادارية إرشادية والحزم مطلوب في كل إدارة وكل مؤسسة. الإمام علي عليه السلام لخص التربية والإدارة في كلمتين الحزم والحدود فلابد الإنسان أن يضع حدوداً ولكن مع مرعاة مشاعر الآخرين وإحترام كرامة الإنسان بدون غهانة ولكن لابد من وضع قوانين وكذلك الظلم غير مستحب والعدل هو المستحب وأقصر طريق الى السماء هو دعوة المظلوم. إذا الإنسان إنهان او ضاع حقه او اُخذ عمله فهذا أسوء شيء، الإهانة من الأشياء السيئة وإستغلال عمل الموظف ورفع اسم المدير أسوء شيء في نظري وأحياناً يوظف المدير او يرفع منهم تابعين له حتى يبقى مهيمناً مسيطراً على الوضع وهذا سيء ايضاً لأن الأصل هو الكفاءة وليست المصلحة الشخصية وبشكل عام اذا لم تنفع كل هذه الوسائل بالخلاصة إما توجيه دعوة الى المدير او توجيهه اوإعادة تدريبه من قبل من هو أعلى منه واذا لم تنفع كل هذه الوسائل تُستخدم السلطة معه.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا نتوجّه بالشكر الجزيل الى ضيفي البرنامج على حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن المتابعة والإصغاء الى برنامج من الواقع الذي قدّمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء والسلام عليكم.