ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الإسلامي من طهران والأستاذة خولة القزويني الباحثة التربوية من الكويت
أهلاً وسهلاً بكم أحبتي الكرام نرحب بكم في برنامج من الواقع الذي نقدمه من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. موضوع حلقة اليوم أعزائي سيكون عن المشاكل التي يسببها أصدقاء السوء او رفاق السوء الآخرين ومثلما عوّدناكم في كل حلقة من حلقات البرنامج أن يكون بصحبتنا ضيفان من ضيوفنا الأعزاء وهما لحلقة اليوم سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الإسلامي من طهران والأستاذة خولة القزويني الباحثة التربوية من الكويت وذلك لتسليط الضوء على موضوع رفاق السوء وتأثيرات رفقة السوء السلبية على أصدقاءهم سواء في المدرسة او في العمل او في أي مكان آخر كذلك إنعكاسات ذلك على المجتمع. تعالوا معنا أعزائي المستمعين لنتابع قصة الشاب عمّار وكيف سقط ضحية لرفاق السوء ومن بعدها سنكون طبعاً مع ضيفينا فكونوا معنا.
عمّار طالب مجتهد في المدرسة كثيراً وكذلك في البيت فمثلما يؤدي واجباته المدرسية بشكل منظّم ايضاً هو ولد مطيع ومهذب، لايخالف أباه ولا أمه. إعتاد لما يعود من المدرسة أن يفتح حقيبته المدرسية ويُخرج دفاتره وكتبه ثم يبدأ بالقراءة والكتابة وبعد ساعة او ساعتين يكون قد أنهى كل الواجبات والدروس التي طلب المعلّم أداءها. يتوجّه بعدها الى حديقة المنزل، يقص الأوراق الميتة للأشجار ويرفع أوراقها المتساقطة من على الأرض ثم يبدأ برش الأشجار بالماء وكل أركان الحديقة. في يوم بعد أن أكمل واجباته ودروسه المدرسية وبعد أن أنهى تنظيف الحديقة ورش الأشجار بالماء فتح باب الدار ووقف ينظر الى الشارع. في هذه الأثناء مرت سيارة كانت تسير بسرعة جنونية ثم فجأة توقفت، إنتبه عمّار اليها فإذا به يُشاهد أصدقاءه، نعم هم أصدقاءه في المدرسة، نمير وقصي ولؤي. لما توقفت السيارة عادت الى الوراء قليلاً أخرج قصي رأسه من النافذة وبأعلى صوته وسط الشارع قال: ياعمّار ألا تأتي معنا؟
أخرج لؤي رأسه ايضاً من نافذة السيارة الخلفية: ياعمّار غيّر ملابسك وتعال بسرعة، والله سوف تندم لو لم تأتي معنا!
غمرت الفرحة قلب عمّار وشعر بنشوة تسري في عروقه، أشار لهم بالإنتظار ثم تقدّم نحوهم وسأل قصي لما وصل اليه: أين أنتم ذاهبون؟
أجاب قصي: الى حفلة أحد الأصدقاء
قال: وأي صديق؟
قال قصي: إنه سمير صديقنا في المرحلة الإعدادية الأخيرة، يريد أن يقيم حفلة بمناسبة قُرب تخرجه من المدرسة.
نظر اليهم عمّار ثم فكّر قليلاّ وقال لهم: إنتظروني. وقال لهم: إنتظروني فسأعود على الفور فقط أقول لأبي ثم أغيّر ملابسي.
ضحك الجميع وقالوا له: ما دمت ستقول لأبيك فسوف لن تأتي!
أجابهم عمّار: لا لا أرجوكم، قلت لكم سأغيّر ملابسي بسرعة لأئتي معكم
قال له لؤي: إذن أسرع ولاتتأخر
مرت الأيام وقد تعوّد عمّار على الخروج مع أصدقاءه بعد أن وجد في ذلك متعة كان يفتقدها بعض الشيء فالخروج مع أصدقاء يمتلكون سيارة تنقلهم الى أي مكان دون عناء وتذهب بهم الى الأماكن الجميلة كالمنتزهات والسينمات بإستمرار بالإضافة الى الجولات الطويلة بين أحياء المدينة وشوارعها قد أخذ منه هذا الأمر وقتاً كثيراً وكان ثميناً في نفس الوقت فإبتعد عن دراسته وإبتعد عن عنايته بالبيت كما ألف ذلك. إنتبه الأب لحالة إبنه وتوجّه الى زوجته وقال لها: بدأت أقلق كثيراً بشأن عمّار فمنذ سمحت له بمرافقة هؤلاء الأصدقاء تغيّرت طباعه وتصرفاته حتى لم أعد أراه كثيراً في البيت.
قالت الزوجة: والله ياأبا عمّار أنا ايضاً بدأت أقلق وكلما أردت أن أحدثك بشأنه لكنني كما تعلم دائماً منشغلة لهذا أقترح عندما يعود الى البيت أن تسأله وتعرف منه اين يذهب وأين يقضي أوقاته. وهنا إزداد توتر الأب وإزداد قلقه ثم نظر الى الساعة فوجدها في تمام السابعة فقرر عدم الخروج بل الإنتظار لعودة إبنه ولما تجاوز الوقت الثامنة لم يصبر الأب على الإنتظار اكثر فتوجّه للوقوف عند باب الدار وأخذ يُراقب الطريق وفي هذه الأثناء كان عمّار وأصدقاءه كالعادة يجوبون شوارع المدينة بسيارتهم الخاصة.
المشكلة احبتي المستمعين لم تكن تكمن في التجّوال بالسيارة او الذهاب الى المنتزهات فقط بل كانت إحدى الأفعال غير اللائقة التي يرتكبها أصدقاء عمّار هي ملاحقة الفتيات ومضايقتهم سواء بالكلام او بالقيادة اللصيقة لهم، كذلك كانوا يمارسون نوعاً من المزاح فيسرقون شيئاً بسيطاً من بعض المحال التجارية ويهربون بسيارتهم بأقصى سرعة خوفاً من الإمساك بهم بهذا فقد شاع سوء تصرفاتهم بين رجال الشرطة في المدينة وأصبح نوع السيارة التي يقودونها ومواصفاتها مثبتة لدى دورياتهم. في إحدى المرات سرق قصي ولؤي علبتي سكائر وتوجّه مسرعاً الى السيارة التي كان يقودها ثالثهم نمير، بطبيعة الحال كان عمّار جالس في السيارة ايضاً، في هذه الأثناء مرت بهم سيارة الشرطة وإنتبه رجالها اليهم فقد قال أحدهم: أنظروا الى تلك السيارة الحمراء التي نبحث عنها، نعم إنهم الأربعة الأشقياء الذين تسببوا في حوادث مرور كثيرة وسرقات من بعض المحال التجارية ولما طلب رجل الشرطة بمكبّر الصوت من نمير أن يتوقّف رفض نمير ذلك وبدأت المطاردة في شوارع المدينة.
أعزائي كان الأب لازال واقفاً عند باب الدار ولم يهدأ باله بل كانت كل دقيقة تمر تزيد من توتره وتزيد من إنفعاله، دخل البيت وقال بغضب: يا أم عمّار لقد بدأت أقلق كثيراً لتأخر إبننا، والله ما تعوّد ذلك إلا بسبب هؤلاء الأصدقاء.
ردّت عليه زوجته: حاول أن تهدأ يارجل وإستعذ بالرحمن فكلها لحظات وسوف يصل عمّار.
قال لها: لاأعتقد فهذه المرة قد تأخّر كثيراً وفجاة رنّ جرس التلفون وكانت المصيبة، توجّه الأب بسرعة ورفع السمّاعة، قال والخوف والقلق يبدوان عليه: ألو تفضّل!
سأله شخص مباشرة ودون أن يتأخر: هل هذا منزل السيد توفيق والد السيد عمّار؟
إرتبك حال أبي عمّار وأجاب: أ أ و و ومن أنت؟
قال له: أنا ضابط شرطة المركز أرجو ان تتفضّل الى مركزنا فإبنك قد إرتكب جرماً، عليك الحضور لو سمحت.
وهكذا مستمعينا الأعزاء فقد تسبب هؤلاء الأصدقاء بإيقاع الأذى بعمّار وعائلته بالإضافة الى المشاكل الكثيرة والإعتداءات والسرقات التي لحقت ببعض الناس نتيجة سوء أفعالهم.
وبعد أن إستمعتم أحبتي الى قصة عمّار وكيف سقط في فخ أصدقاء السوء الذين أبعدوه عن بيته بعدما كان طالباً مُجدّاً وولداً ناصحاً لذا نتوجه الى ضيفنا العزيز سماحة الشيخ أبي جهاد الشيبي الباحث الإسلامي من طهران لسؤاله عمّا جاء في تعاليم إسلامنا الحنيف كيف يجب أن تكون تصرفاتنا إزاء الآخرين بل كيف علينا إختيار أصدقاءنا والإبتعاد في نفس الوقت عن السيئين منهم؟ فلنستمع معاً
الشيبي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدين، رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقوا قولي وإجعل لي وزيراً من اهلي أشدد به أزري"، الإسلام العظيم في قرآنه الكريم وفي سنته النبوية الشريفة يحظنا كثيراً على موضوع إنتخاب الرفيق الصديق، في هذه الحياة المتلاطمة بأنواع التجارب والإمتحانات والإختبارات ولو إستقرأنا القرآن الكريم نجده يقول "بسم الله الرحمن الرحيم ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"(سورة النحل۱۲٥) "فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"(سورة فصلت۳٤). الصداقة في جانبها الإيجابي تؤدي الى المحبة الصادقة بين الصديقين وفي جانبها السلبي تؤدي الى مطبات الخسران والندامة وجاء في الحديث الشريف "المؤمن بركة للمؤمن وحجة على الكافر"، "المؤمن مرآة أخيه المؤمن"، "الجار قبل الدار"، "الصديق قبل الطريق"، فلابد للإنسان أيها الأحبة أن يعرف أين يسكن ومن يصادق ويماشي لأن الأخيار من الأصدقاء لايختارون إلا الأصدقاء الخيرين والأشرار من الناس يحاولون دائماً إستغلال الصداقة لإيقاع الآخرين في شباك الشر والجريمة والعدوان كما مكر إبليس بأبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام وتسبب في خروجهما من الجنة عندما اظهر لهم محبته وتلبس بمختلف انواع اللبوسات من أجل موضوع الأكل من الشجرة والله تبارك وتعالى يقول على مثل هؤلاء الأصدقاء والشيطان كان رئيساً لهم "إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً". وقد حاول هذا الشيطان ايضاً مع أبينا إبراهيم الخليل عندما أراد ان يقدم الخليل إبنه قرباناً لله تعالى رماه سيدنا إبراهيم الخليل بسبع حصيات وطرده لكي ينجو من مكره فصارت نسكاً في تاريخ البشرية الصالحة، رجم الشيطان في مراسم الحج سنوياً دليلاً على أصدقاء السوء الذين يحاولون الإيقاع بالإنسان بمختلف الطرق وشتى السبل والوسائل فعلى الإنسان العاقل والشاب البالغ ان يعرف من يصادق ومن يماشي ومن يرافق. وفقنا الله وإياكم الى أصدقاء الخير وجنبنا وإياكم عن أصدقاء الشر والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
والآن نلتقي بالأستاذة خولة القزويني الباحثة التربوية من الكويت لسؤالها عن سبب إنحراف هؤلاء الصبية ومن هو المسؤول عن ذلك؟ وكيف يمكن معالجة سوء أفعالهم؟ فلنستمع اليها
القزويني: العامل التربوي هي الأسرة، النواة التي تُخرج الأبناء سواء كانوا صالحين او غير صالحين. الأسرة هي التي تزرع القيم الأخلاقية والدينية وتحرص على متابعة ومراقبة الأولاد وبالتالي تحافظ على هذا الجيل، لكن واضح من خلال هذه القصة ومن إستقرائي لهذه القصة أن هناك خللاً في قيم هؤلاء الشباب وليست هناك روادع ولن يتربى الأبناء على أن هناك روادع دينية، روادع اخلاقية، أدبية، إجتماعية فمن الواضح أن يكون العامل الرئيسي او السبب الرئيسي أن هناك خللاً داخل الأسرة او عدم المتابعة لأن عدم المتابعة او الخوف من العقاب او الخوف من تبعات أي عمل سيء او سلوك سيء له تبعاته. فمن دون وجود روادع ومن دون وجود توجيه طبيعي أن ينحرف الأبناء في هذه السن الصغيرة إضافة الى ذلك أحياناً قد يكون هنالك توجيه وتربية ولكن هناك محرضات من خارج الأسرة، من البيئة مثلاً إذا كان هذا الإبن في المرحلة العمرية التي تسمى المراهقة، الولد المراهق يتأثر أكثر بالأصدقاء من الوالدين فنلاحظ ان الصحبة قد تؤثر وقد يكون للولد قيم ومبادئ لكنه ينزلق، ايضاً وسائل الإعلام تروج بعض السلوكيات على أنها سلوكيات عادية جداً، طبعاً يدسون السم في العسل وأنا أتابع بعض المسلسلات التي تعرض في الخليج او الأفلام الأمريكية القائمة على المغامرة ونوع من الرجولة، أنه مثلاً يدخن او أن يطارد الفتيات او أن يقود السيارة بسرعة جنونية كأنه نوع من مفاهيم الرجولة يعني هناك مفاهيم خاطئة وهذه المفاهيم مزروعة داخل الأبناء حتى لو كان الأبناء تربوا تربية صالحة لأنه نخرج في النهاية كما يقول الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه أن هناك عدة عوامل تساعد في خلق الشخصية وفي تربية الأبناء، البيئة، التلفزيون، الشارع، المدرسة. اذا كانت عوامل إيجابية وتحافظ على هذه البذرة نكون قد حافظنا على الأبناء أما اذا لم يكن هنالك توجيه، توجيه على التلفزيون، رقابة على الإعلام، رقابة في المدرسة بالتالي ينزلق الأبناء في طريق السوء، في ممارسة الفواحش. إضافة الى الثقافة الغربية فهذه الثقافة الغربية تسبب خللاً في موازين الشباب يعني المفاهيم الآتية من الغرب مفاهيم خاطئة، الفضائيات المفتوحة كلها عوامل تغذي هذه الجوانب.
في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين حسن المشاركة كما نشكر لكم حسن المتابعة لبرنامج من الواقع الذي قدّمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم في أمان الله.