ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ جعفر عساف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتور زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان
المحاور: نرحب بكم أحبتنا المستمعين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونلتقيكم في برنامجكم الإسبوعي من الواقع. موضوع حلقة اليوم موضوع تتكرر حالاته كثيراً بين الأصدقاء خاصة في مجال العمل او في السوق، إنه موضوع الإستدانة. وموضوع الإستدانة موضوع غالباً ما يؤدي الى مواقف مُحرجة لو تأخر تسديد المبلغ عن موعده المحدد وأحياناً يؤدي الى مشاكل كبيرة لو تعمد بعض الأشخاص الإستدانة دون سبب او دون الحاجة الى ذلك بتاتاً ثم يُخلفون وعدهم. قبل أن نترككم لمتابعة قصة خالد ومشكلته في الإقتراض نذكركم بأننا سنكون مع لقاء ضيفي البرنامج سماحة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان والدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان لتسليط الضوء أكثر على تداعيات هذا الموضوع وماهي الحلول والآراء المطروحة بشأنه؟ فكونوا معنا
أحبتي خالد شاب في مقتبل العمر، نجح في إكمال دراسته الثانوية لكنه لم يتوجه الى إكمال دراسته الجامعية بل كانت وجهته صوب العمل في السوق، كان يعشق التجارة كثيراً ورغم بدايته البسيطة في مجال العمل إلا أنه إستطاع أن يُثبت جدارته في البيع والشراء وصار إسمه ذائع الصيت كثيراً سواء بين التجّار الآخرين او بين زبائنه الذين يرتادون محله لكنه وللأسف قد تعوّد ومنذ كان طالباً في المدرسة على الإستدانة فيحاول أن يقترض مبلغاً من المال من أي صديق يواجهه في ذلك الصباح، مرة نجده يقترض من زميله حميد ومرة من رائد ومرة من كريم ولو إعتذر الأصدقاء عن إقتراضه مبلغاً ما نراه لايصبر أبداً بل يذهب الى حارس المدرسة ليُسلم عليه أولاً بكل تودد وإحترام حتى يتمكن من إقناعه والحصول على المبلغ الذي يريد فهو بصراحة لم يكن دائماً بحاجة الى النقود خاصة وأنه كان طالباً في المدرسة إلاّ أن هذه الحالة كانت ترافقه دون ان يستطيع التنازل عنها حتى ولو تسببت له في بعض المرات بإحراج ومشاكل مع الاخرين.
في يوم وكان خالد عائداً من عمله صادف أمامه جيرانه أبا ياسر، سلّم عليه فرد عليه أبو ياسر التحية وسأله: مابك ياخالد؟ أراك متعباً مهموماً اليوم.
نعم اعزائي المستمعين فقد كان خالد متفنناً في كسب عطف الآخرين وإيهامهم بأنه مسكين وأنه بحاجة الى مساعدة الآخرين له حتى ينال مايريد دون عناء. فرد خالد على جاره أبي ياسر بأسلوب المساكين وقال: الحقيقة أنني في مشكلة كبيرة ولاأعرف اين اولي وجهي! سأله أبو ياسر على الفور: وماهي مشكلتك ياجاري العزيز؟ قال خالد: مشكلتي مادية وأبحث عمن يساعدني وانا في ورطة لاأعرف ماذا أفعل ولمن ألجأ. شمّر أبو ياسر على الفور عن ساعديه وقال له: كيف تكون في ورطة مادية وأنا جارك موجود، قل لي كم المبلغ الذي تريد؟ هيا بسرعة قل؟ وفعلاً أعزائي المستمعين إستغل خالد الموقف وطلب من أبي ياسر مبلغاً كبيراً بعض الشيء ووعده أن يُرجعه له بعد أقل من أسبوعين.
مرت الأيام وخالد لم يفكر طبعاً بإرجاع المبلغ لأبي ياسر لأنه بصراحة ما كان يمتلك ليسدد ما بذمته خاصة وأن المهلة قد إنتهت وعليه تسديد المبلغ، فماذا يفعل؟ فكر خالد بأن يصطاد شخصاُ آخر ليقترض منه ليسدد ما بذمته لأبي ياسر وفعلاً وهو في طريقه الى السوق مر بمحل الحاج صلاح، رد صلاح عليه السلام ووقف قليلاً أمام محله. إندهش الحاج صلاح من وقفته، سأله: ماذا بك ياخالد؟ وكالعادة قام خالد بدور المسكين محاولاً كسب عطف صاحبه، تشكّى قليلاً ثم قال: آه ه ه .... وقعت في ورطة مادية كبيرة، عليّ تسديد المبلغ الى الشركة التي أتبضع منها وأنت تعرف ان وضع السوق غير جيد ولاأدري ماذا أفعل وفي هذه الأثناء وصل أبو فاطمة وأبو مرتضى صديقان آخران لخالد في السوق ولما عرفا بوضع خالد قررا المشاركة مع الحاج صلاح في مساعدته وإعطاءه على الفور مبلغاً من المال.
وهكذا مستمعينا الأعزاء نجد أن خالداً تعوّد من الإستدانة من أي شخص يُصادفه أمامه سواء كان محتاجاً أم غير محتاج لذلك فقد أصبح مديوناً للعديد من الأصدقاء ولما كان يحين موعد تسديد المبلغ لأحدهم يحاول أن يقترض من شخص جديد ليقوم بالتسديد وهكذا ولكن ياأحبتي هل تسلم الجرّة في كل مرة؟ الجواب طبعاً لا! في يوم وقع خالد في المأزق الذي ما كان ينتظره أبداً ولم يكن يخطر بباله لأنه كان كثير الثقة بنفسه معتقداً أن الاخرين غير قادرين على كشف لعبته، لعبة أن يستدين ويُسدد او يُسدد ويستدين فقد شاع خبره بين الجميع وإنكشفت ألاعيبه وصار شأنه على كل لسان وهنا كان اول من إنتبه لأمره الأصدقاء الذين وقعوا في الفخ وأقرضوه مبالغ من المال لذلك فقد تجمعوا كلهم وإتفقوا على أن يذهبوا الى بيته وفعلاً توجهوا الى بيت خالد، طرقوا بابه. فتح خالد الباب ولما وجد ذاك الحشد من الأصدقاء أمام بيته عرف أن أمره قد إنكشف وماذا سيحل به.
المحاور: مستمعينا الكرام بعد أن إستمعتم الى قصة خالد وعرفتم مدى مساوئ أن يقترض الإنسان مالاً من الاخرين ويكون بعدها عاجزاً عن التسديد خاصة اذا كان بحاجة ماسة للإقتراض ولأجل إلقاء المزيد من الضوء على هذه الحالة سألنا سماحة الشيخ جعفر عسّاف الباحث الإسلامي من لبنان عما جاء في تعاليم الدين الإسلامي من مبادئ وأخلاق علينا إتباعها وبالتحديد مايخص موضوع الإستدانة او الإقتراض حتى لانسقط في فخ المشاكل وأحياناً في فخ المحرمات فأجابنا مشكوراً:
عسّاف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
بعد ما تفضلتم به من عرض لهذه المشكلة الإجتماعية التي تتعلق بالتجارة وهي تتمحور بأن الأخ خالد قد وقع في خسارة وعجز في التجارة وأخذ يستدين من الناس وبدلأ من أن يتاجر بهذا المال هو يسدد الديون المتوجبة عليه للناس؛ صحيح أن التجارة مستحبة ومرغّب فيها والإسلام حث الناس على التجارة وإعتبر أن التجارة من الأمور المستحبة وتؤتي برزق واسع وكبير للإنسان ولكن الخسارة في التجارة ايضاً يجب أن تكون في الحسبان، مع الأسف أن بعض التجار او من يمارس مهنة التجارة ومن يريد أن يبقى دوماً في تطور وفي حالة ربح دائم في التجارة لذلك هناك بعض التجار الذي لايتوقع الخسارة ولايحسب للخسارة حساباً، عندما يقع الإنسان في خسارة يمكن أن يغير قواعد تجارية التي يعمل بها كما يغير بعض الأمور التجارية التي يعمل بها والأمر طبيعي جداً فإن الإنسان عندما يتكيف مع الخسارة في التجارة يمكن أن ينطلق من جديد، وكم من التجار الكبار الذين نسمع أنهم يقعون في خسائر متعددة ثم ينطلقون الى تجارات متعددة ومتنوعة او يغيرون قواعد التجارة القائمين عليها ومن ثم يمكن أن يستفيدوا من تجارات أخرى لذلك أنطلق مما تقدمتم به الى المسئلة الشرعية في هذا الأمر لأقول أن الأخ خالد عندما يأخذ المال من الناس ويفي به ديون التجار او بعض الديون التي عليه، أقول أن الأخ خالد عندما يقترض المال من الناس تارة يقترضه بعنوان أنه يريد أن يتاجر بهذا المال وان تكون هناك تجارة بينه وبين الناس يعني الإقتراض من الناس على أن يتاجر بهذا المال وتارة لا، يعطى المال من الناس والناس يقرضونه المال بشكل مطلق ولايحددون له الإقتراض على إنه للتجارة لذلك اذا كان المال المأخوذ من الناس او المقترض من الناس كان قد أشترط أن تكون هناك تجارة بينه وبين المقرضين فلايجوز له أن يأخذ هذا المال ولايتاجر به ويفي به فقط ديون الناس وإن كان المال الذي يأخذه بعنوان قرض مطلق من دون أن يحدد له وجهة معينة فهو حر التصرف به ويمكن أن يفي به ديون الناس الآخرين. هنا أقول إن الناس يتحملون مسؤولية شرعية وايضاً يتحملون مسؤولية أموالهم لأن الناس عندما يعطون المال للتجار لكي يقرضوهم إياها يجب أن يتنبهوا ويلتفتوا الى أن المال الذي يؤخذ منهم بأي عنوان يؤخذ؟ واين سيصرف؟ واين ستكون وجهته لأن المسئلة ستكون واسعة والتاجر ليس ملزماً بهذا الأمر. لذلك الأمر متوجهاً الى اصحاب الأموال الذين يقرضون الأخ خالد وينبغي عليهم أن يحددوا ماذا يريدون بهذا القرض، هل يعطوه بشكل مطلق لكي يتصرف به كما يشاء او أن هذا المال فقط الى التجارة. وأمر أخير أن الإنسان الذي يأخذ المال بغض النظر عن اي طريقة يأخذ بها المال من الناس أن الإنسان الذي يأخذ فقط المال ليسدد الديون فإنه سيبقى في دوامة القروض المتتالية والتي ستوقعه في عجز أكبر.
المحاور: وبعد أن إستمعنا الى ماقاله الشيخ جعفر عسّاف نتوجه الى الدكتورة زينب عيسى المستشارة في علم النفس من لبنان لنسألها عن أسباب هذه الحالة وماهي مخاطرها الإجتماعية وبماذا تنصح ضيفتنا العزيزة صاحب المشكلة خالد وأمثاله للتخلص منها؟
عيسى: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين
سيدي الكريم بعد عرضكم لقصة السيد خالد وكيفية إستدانته وغرقه في الديون والإتجاه الى الديون ليحل مشكلته، يمكن القول قبل التعليق على هذه الحالة أن أقول بشكل عام حول المال ووضع المال في الحالة الوجودية المعاشة عند الناس، التجربة المالية يمكن القول إنها مظهر من مظاهر العمق والأصالة في سايكلوجية الفرد والجماعة فهي ليست مجرد موقف إقتصادي يمر بنا بمقدار ماهي خبرة وجدانية معيشية نوجهها بصورة دائمة ومستمرة في حياتنا اليومية وفي العادة يعتبر سلوك الدين مظهر من مظاهر الضعف المالي وقلة إنعدام الدخل وهو سلوك كثيراً مايؤدي بصاحبه الى الإرهاق والمجاهدة كما أن الفرد قد يلجأ الى الإستدانة اذا ماتعرض لضغوط مالية مثل السيد خالد ويلجأ الى الدين رغبة من المدين في تحقيق مكاسب مادية كبيرة وتحقيق مستوى من الرفاه الإقتصادي والإجتماعي على أن المال يأخذ على مستوى التحليل النفسي العديد من المعاني والرموز السايكلوجية أهمها بإختصار شديد الإحساس بالأمن، الشعور بالقوة، الحب، الإحساس بالحرية هذا بشكل عام وقع المال في الوجدان الإنساني أما بالنسبة الى حالة السيد خالد للأسف ماحصل مع خالد هنا نجد شخصاً عجز عن ادارة المال الذي إستدانه بسبب ما حيث أدى هذا العجز الى ضعف المهارات الخاصة في التعامل مع المال وبالتالي نقص القدرة على ادارة هذا المال الى نسق غير منتظم وهذا بطبيعة الحال أدى الى المزيد من المشكلات الإقتصادية والى مزيد من الدين فنجد خالداً يبالغ في سلوك الدين بسبب الشعور بالإحباط المادي الذي لايقوى على تحمله او مواجهة آثاره النفسية والإقتصادية والإجتماعية وبالتالي عدم قدرته على ضغوطه المالية التي تعرض اليها مما دفعه الى سلوك الدين الذي يرى فيه خالد أنه يحقق له وظيفتين أساسيتين، أولاً القضاء على الشعور بالحرمان فيلبي من خلال الدين بعض حاجاته المادية، ثانياً من خلال الإستدانة مرة اخرى يساعده على الإبتعاد عن مصدر الإحباط الذي يتعرض له من خلال التفكير في كيفية سداد الدين. ويمكن القول وأنا أتكلم عن خالد بأن يمثل له الضغط المالي وكثرة الإستدانة من الآخرين لسداد الدين هذا الموقف يمثل قوة دافعة لسلوك الإحتيال والنصب والتضليل وعلى مستوى آخر قد يؤدي الى حالة من الإضطرابات النفسية والى حالة من القلق والتوتر فالمدين هنا كان هنا عندما اخذ الدين خالد، كان له توقعات وسياسات وتصورات شخصية حول ما سيؤول اليه وضعه المادي لاحقاً لكن للأسف تعرض الى فشل لعدم قدرته في تيسير أموره، هذا الفشل أدخله في خيبات أمل وفي صراعات وفي ضغوطات مالية مما أدى الى زيادة تراكم الإحباطات والتي بدورها أدت الى تفاقم مشاعر القلق والتوتر وهذه المشاعر تتفاقم اذا كان خالد لايتمتع بالنضج النفسي، هذا النضج الذي بدوره يمثل القدرة على التقدير الموضوعي للأمور ويساعد على حسن وزن الأمور والتكيّف الفعال مع مقتضيات الواقع فهذه حالة تمثل حالات كثيرة في كل المجتمعات الإنسانية التي نواجهها ونعيشها حالياً.
المحاور: في ختام حلقة اليوم نشكر لضيفينا الكريمين حسن مشاركتهما كما نشكر لكم مستمعينا حسن الإستماع الى برنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى اللقاء ودمتم في أمان الله.