ضيوف البرنامج: سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الاسلامي من لبنان والدكتورة شيماء عبد العزيز الاستاذة في علم النفس من العراق
المحاور: السلام عليكم أيها الأعزاء في كل مكان نرحب بكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران ونقدم لكم برنامج من الواقع، عنوان حلقتنا لهذا اليوم سيتضمن موضوعاً غاية في الأهمية إن لم نقل إنه غاية في الخطورة ذلك لأنه يتعلق بمستقبل أولادنا وحياتهم. نعم فكثير من الآباء يُهملون أولادهم دون رعاية ودون مراقبة في نفس الوقت لتصرفاتهم وسلوكياتهم خاصة في السن التي نُطلق عليها سن المراهقة اذن فموضوع حلقتنا اليوم سيكون عن المراهقة وسن البلوغ هذه السن الحرجة التي يمر بها أولادنا وكيف علينا أن نهتم بها لذلك نستمع أولاً الى قصة الشاب فؤاد وكيف أخطأ أبوه في تربيته ومن ثم نتوجه سوية لمعرفة رأي ضيفي البرنامج، أولاً سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان والدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس من العراق حول هذا الموضوع فكونوا معنا
أحبتي المستمعين تعوّد فؤاد وحسين أن يذهبا برفقة بعضيهما يومياً الى المدرسة ولايعودا إلا سوية فلم يتفرقا أبداً لكن فؤاداً وبعد العودة مع زميله حسين يذهب إما لممارسة لعبة كرة القدم مع اولاد المحلة او يقضي بعض الوقت خارج البيت ثم يعود عندما توشك الشمس على المغيب وهنا لم يكن يُشاركه حسين في ذلك أغلب الأحيان. في يوم عاد والد فؤاد من عمله وسأل زوجته عن إبنهما فؤاد فقالت له: ألا تعلم يارجل أن إبنك وبعد عودته من المدرسة يقضي بعض الوقت مع أصدقاءه ثم يعود؟ وبعد اكثر من ساعة عاد فؤاد الى البيت فسأله أبوه: أين كنت ياولدي؟ أجاب فؤاد: كنت مع أصدقائي ياأبي. فقال الأب: وحسين صديقك هل عاد ايضاً الى البيت؟ أجاب فؤاد: لا ياأبي هو لم يأتي هذه المرة. قال الأب: ولماذا لم يأتي معك؟ أليس هو صديقك المُقرّب اليك؟ أجاب فؤاد: نعم لكنني أعتقد أن أباه بدأ يصحبه هذه الأيام الى النادي الرياضي لذلك لم يعد يلعب معنا خاصة بعد العودة من المدرسة. لم يُبالي الأب لما قاله إبنه فؤاد عن صديقه حسين ولم يعر أهمية للموضوع فقال لزوجته: ياام فؤاد، يا أم فؤاد أنا ذاهب لإنجاز بعض الأعمال وسوف أعود عند تناول طعام العشاء.
في أحد الأيام كان الأب عائداً الى البيت فصادف في طريقه جاره أبا حسين، تبادل التحية والسلام وتسائلا عن أحوال بعضهما وهنا تذكّر أبو فؤاد ما قاله إبنه فبادر بسؤال جاره أبي حسين عن سبب منع ولده من اللعب مع الأولاد في زقاق المحلة خاصة بعد العودة من المدرسة فالأولاد بحاجة الى اللهو واللعب قليلاً؟ رد عليه أبو حسين وقال: ياأخي ياأبا فؤاد أنا لم أمنع إبني من اللعب لكني بدأت أحرص أن يكون برفقتي خاصة في هذه الفترة من عمره وأنت ايضاً يجب عليك أن تنتبه جيداً الى إبنك فؤاد ولاتظن أن إفساح المجال له باللعب دائماً او الإبتعاد عن انظارك طويلاً هو عمل صحيح. تعجّب أبو فؤاد من قول جاره فقال لأبي حسين: وماذا تقصد يارجل؟ هل تظن أن الأولاد في هذا العمر قادرون على فعل شيء يضر او يُسيء لاسمح الله؟ قال له صاحبه: يا أبا فؤاد الأولاد الآن في سن حرجة هي سن المراهقة لذلك علينا الإهتمام بهم كثيراً ومراقبتهم، فهل تعلم اين ولدك الآن؟ وماذا يفعل؟ ربما لاقدّر الله إنه بصحبة أصدقاء سيئون او ربما هو الآن في مكان لايليق به أن يتواجد فيه. ردّ أبو فؤاد على صاحبه: لقد أقلقتني جداً ياأخي أوَ تظن أن إبني ربما يفعل أشياء او يقوم بمصاحبة أشخاص او ماشابه ذلك وأنا لاأعلم به؟
ترك أبو فؤاد صاحبه أبا حسيناً بعد أن إستأذن منه وعاد مُسرعاً الى البيت، طرق الباب. فتحت له زوجته الباب، سألها: أين الولد؟ قالت: لقد خرج مع أصدقاءه فور عودته من المدرسة. فسألها: ألم يقل لك أين هو ذاهب؟ هزّت الزوجة رأسها: لاأعلم! ولكن ماذا بك يارجل؟ ليس من عادتك أن تقلق بهذه الطريقة على فؤاد، إنه حتماً يلعب الكرة او ذهب الى الحديقة الكبيرة. قال الأب: الحديقة الكبيرة؟ الساعة الآن قاربت السابعة وإبنك لازال خارج البيت، متى يقرأ دروسه؟ إستغربت الأم من تصرفات الأب فهي لم تتعود منه هذا الحرص وهذا الإهتمام. خرج الأب مُسرعاً الى الحديقة الكبيرة يبحث عن إبنه، كانت أعصابه متوترة جداً على غير عادته ومع إستمراره بالبحث أخذت أعصابه تتوتر أكثر فقد أقلقه صاحبه أبو حسين او ربما نبّه الى شيء كان هو غافلاً عنه. وبعد أكثر من نصف ساعة على البحث وجد الأب إبنه ولكن!
لما شاهد فؤاد أباه نهض من مكانه بسرعة والخوف والإرتباك قد تملّكه دون إرادته، لايعرف بماذا يُجيب وماذا يقول؟ نعم مستمعينا الكرام فقد كان فؤاد بصحبة بعض الأصدقاء يُدخّنون السجائر ويستهزؤون بالمارة، لم يعرف حينها الأب ماذا يفعل؟ هل يضرب إبنه؟ هل يكتفي بتوبيخه؟ هل يمنعه من الخروج بعد ذلك؟ لايدري ماذا يفعل، لكنه تأكد من أن كلام صاحبه أبي حسين كان في محله.
المحاور: اذن اعزائي بعد أن إستمعتم الى قصة الأب وولده فؤاد نتوجه الآن الى سماحة الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان لسؤاله عن اهمية العناية والرعاية سواء للأولاد او البنات خاصة في مرحلة المراهقة وما خطورة الأمر لو ترك الأبوان اولادهم دون إهتمام او رعاية وماهي وجهة نظر الإسلام في ذلك؟ فلنستمع اليه
النابلسي: أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
في الواقع هذه المرحلة قد تكون من اعقد المراحل التي يمر بها الانسان إذ نحن امام كائن جديد لايريد أن يكون طفلاً بل رجلاً ولابنتاً بل انثى ناضجة، نحن امام انقلاب عاطفي جسدي، امام تغيرات نفسية فيزيائية بحيث تبدأ سيماء الرجولة والانوثة على هذا الكائن الجديد والذي يهمنا على مستوى التربية الاسلامية أن نقول أن هناك في الواقع قيماً ثابتة تنشأ تلقائياً داخل النفس تجسيداً للحديث النبوي الذي يقول "ما من مولود الا يولد على الفطرة" لكن من يشكل هذه القيم ويعطيها بعدها السلوكي والافعالي هو التوجيه الخارجي وهناك من المراهقين من يتقبل هذا التوجيه فينشأ مستقيماً وهناك من لايقبل فينحرف ويشذ عن تعاليم الفطرة وهنا مسؤوليت الاهل مسؤولية مهمة جداً ومسؤولية المربين ايضاً في استخدام وسائل متعددة لدفع هذا المراهق للالتزام بقواعد وقوانين وخط الفطرة كأن يكون المربي الاب او الام هم القدوة او إستحضار قدوة للمراهق او من خلال التلقين والتعليم والتدريب او من خلال المصادقة كما ورد ايضاً " الصديق من صدقك لا من صدقه" بحيث يصبح هذا الاب وهذه الام صديقاً لهذا المراهق، يتحسس آلامه وآماله وتطلعاته ويناجيه الكثير من أحاديثه وأفكاره. ايضاً هنا مسؤولية على الاهل على ضرورة تهيئة البيئة النفسية والاجتماعية بحيث يشعر المراهق بالامان والثقة والاحترام والتقدير، الاهل يحترمون إبنهم المراهق، لايفعلون أفعالاً تعاكس السلوك القويم والسلوك المطلوب مع هذه الحالة الجديدة مع هذا الكائن الجديد لذلك هناك من يعمل على إعطاء هذا الاحساس. الواقع أن المشكلة بعض الآباء يعملون على إستخدام السلطة الابوية كأن يقومون بقمع هذا المراهق بنتاً او شاباً عن التعبير عن أفكاره، عن التعبير عن احلامه، عن مكنوناته، عما يختلج في داخله والواقع هذا اسلوب خاطئ لذلك نحن امام هذا الكائن الجديد يجب أن نتفهم واقعه، نتفهم أحلامه، نتفهم تطلعاته ويجب أن نعمل على أن نتكيف مع هذه الظروف الجديدة التي يعيشها هذا المراهق وأن نعمل على تدريبه وتلقينه وتوجيهه التوجيه السليم الذي لايصدمه ولايتعارض بقسوة مع تطلعاته وأحلامه لكن علينا أن نهذب هذه الافكار ونوجه هذا السوك بأتجاه حسن، بأتجاه أن يبقى في خط الفطرة وهذا مايؤكد عليه الاسلام في كل حركة المراهق في هذه الفترة الحساسة والمعقدة.
المحاور: بعد أن إستمعنا الى ماقاله الشيخ صادق النابلسي الباحث الإسلامي من لبنان نتوجه الآن الى الأستاذة الباحثة الإجتماعية الدكتورة شيماء عبد العزيز الأستاذة في علم النفس من جامعة بغداد لسؤالها عن دور مراقبة الأولاد في هذه السن الحرجة وماذا على الأبوين عمله؟ فلنستمع اليها
عبد العزيز: من مراحل عمر الانسان التي يمر بها هي أهم مرحلتين، مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة. مرحلة المراهقة التي تقع بين مرحلتين، بين الطفولة وبين مرحلة الرشد يعني يصبح الطفل راشد او بالغ هذه المرحلة وهي مرحلة صعبة ومرحلة التغيرات. هذه التغيرات الفسيولوجية والنفسية والجسمية والجنسية كلها تحصل في هذه الفترة لذلك نقول أن هذه المرحلة من أصعب المراحل التي يمر بها الانسان تصاحب تغيرات جنسية ظاهرية وتغيرات فسيولوجية داخلية. المراهق والمراهقة لايتغير فقط عليهم الشكل مثلاً ظهور اللحى عند الذكر، نعومة الصوت عند الانثى، خشونة الصوت عند الذكر ايضاً تغيرات إنفعالية وأخلاقية تصاحب هذه المرحلة لهذا نؤكد على أولياء الامور أن يتعاملون مع هذه المرحلة بحذر لأن المراهق في هذه الفترة لايتقبل النصيحة بعد أن كان في إنصياع كامل لأوامر الاب والام تصبح جماعة الاقران أكثر تأثيراً به من تأثيرات الام والاب لهذا يجب أن ننبه الام والاب دائماً أنه كيف يتعاملون مع هذا المراهق وهذه المراهقة داخل المنزل، ايضاً لاننسى أنه ليس الاب والام فقط يحسون بهذه التغيرات عند الابن او البنت ويساهم معه في التربية ايضاً التكنولوجيا الحديثة تساهم في بناء، وتلعب دور في بناء شخصية المراهق والمراهقة مثل الانترنت، القنوات الفضائية، الموبايل كل هذه لها تأثيرات قوية على تربية وتنشأة الابناء داخل الاسرة خاصة المراهق والمراهقة لهذا هذه المرحلة الانتقالية الحرجة نسميها دائماً تكون مرحلة خطرة إذا لم ينتبه لها الام والاب وكيفية التعامل بحذر مع المراهق وأن يراقبوا المراهق والمراهقة عن بعد وغير مباشرة بحيث ينفر سلطة الاب والام. لما أوجه المراهق والمراهقة بالقوة او بالعنف، أمنعه من أشياء هو يحب أن يمارسها سيكون مردودها سلبي على شخصية المراهق ويبدأ ينفر من البيت ويخرج خارج البيت ويبحث عن الاخرين لأخذ النصيحة وحل مشاكله، الاب يكون صديق للمراهق والمراهقة أن يتقبل مشاكل المراهق والمراهقة وأن يكون صدراً واسعاً لسماع هذه المشاكل لأن أكثر المشاكل عند الانسان تواجهه هي في مرحلة المراهقة وخاصة المشاكل الجنسية والميل الى الجنس الاخر التي لايتقبلها مجتمعنا او لاتتقبلها العائلة، ان يقيم المراهق علاقة مع الجنس الاخر، أن يتعرف على الجنس الاخر وينصدم بحالة من الممنوعات والصد والرد العنيف مما يجعله يبحث عن هذه الاشياء خارج البيت بدون علم الام والاب. ننصح أن يكون الاب والام هو الصديق الوحيد للمراهق وأن يلجأ اليه في وقت المشكلة بدلاً من أن يبحث عن الاخرين خارج المنزل، يمكن أن يكونون اصدقاء سوء او موجهين سوء بالتالي نخسر هذا المراهق لأن سهولة الانحراف في هذه المرحلة من أسهل المراحل أنه ينحرف المراهق في هذه الفترة.
المحاور: اذن مستمعينا الأعزاء فإن مرحلة المراهقة هي من أعنف المراحل التي تمر في حياة الإنسان حين تتغير مشاعره وطريقة تفكيره ومادام هذا الكائن الجديد يعيش وسط أجواء بيئية مختلفة ومتعددة منها السيء والرديء ومنها ماهو جيد ومفيد فهنا يظهر دور الأبوين بشكل أكثر أهمية من ذي قبل في توجيه أبناءهم وفق تعاليم الإسلام التي نشأنا عليها ووفق عاداتنا وتقاليدنا لكي لاينخرط هؤلاء المراهقون في دروب الضياع والإنسياق للسلوكيات المتدنية والخطيرة التي لاتؤدي بأولادنا وبناتنا إلا الى الفشل في حياتهم وربما ينعكس ذلك على أخلاقهم ويصبح الفشل عاقة نفسية تؤثر كثيراً على الإنسان نفسه كما تؤثر على المجتمع.
المحاور: في ختام حلقة اليوم نشكر اليكم حسن إستماعكم لبرنامج من الواقع الذي قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران كما نشكر لضيفينا الكريمين حسن المشاركة. الى حلقات قادمة إن شاء الله نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.