السلام عليكم
مستمعينا الأعزاء، كما عوّدناكم في حلقات برنامجكم «من الواقع» أن نقدم لكم بعض الحالات السلبية أو الصفات التي تلازم هذا الشخص أو ذاك، بحيث تتسبب في خلق مشكلة ما مع الآخرين. وهذه الحالات دون شك ناجمة عن دوافع شخصية متراكمة لظروف أسرية أو بيئية أو معيشية. وهي في كل الأحوال ستكون بمثابة عقبة أو عقدة نفسية عند الشخص، سوف تحتاج الى استشارة طبيب متخصص أو باحث اجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى، ستكون هذه المشكلة في مواجهة الشرع وما ينصح به الدين الاسلامي من حلول، لما لنتائج هذه المشكلة من عواقب سلبية تقع على الفرد نفسه، وكذلك على المجتمع. لذا مستمعينا الأعزاء دعونا أولاً نستمع الى قصة «أم ايمان» ومشكلتها في "الحرص الزائد" مع بناتها، و بعد استماع قصة اليوم سنستضيف أحد علماء الدين و أحد الخبراء الاجتماعيين أو التربويين او النفسانيين للاجابة على بعض الاسئلة حول موضوع حلقة هذا اليوم، اذن لنستمع الى قصة اليوم بعد الفاصل الموسيقي.
مستمعينا الكرام، قصتنا اليوم ستكون عن «أم إيمان»، التي توفي زوجها في حادث أليم، فجعلها هذا الأمر أن تشعر بمسؤولية مضاعفة تجاه بيتها وأولادها وبناتها. تبلغ أم إيمان من العمر الأربعين عاماً، كانت تزاول مهنة الخياطة في البيت، لذلك لم يسنح لها الوقت بالخروج إلا قليلاً، نظراً لانشغالها في العمل بسبب ارتفاع تكاليف العيش من جهة، وضرورة تهيأة متطلبات بناتها خاصة في المدرسة، من جهة أخرى.
كانت أم إيمان، حريصة جداً على توفير مستلزمات البيت وشراء المتطلبات الأخرى، وكانت أيضاً من جانب آخر لاتبخل تجاه بناتها بأي شيء، حتى المصروف الخاص بهن كانت تحرص على توزيعه عليهن كل صباح قبل ذهابهن الى المدرسة.
ولكن بالمقابل، كانت أم إيمان، تحاسب بناتها كثيراً لو تأخرن عن العودة الى البيت مثلاً، أو إذا أنفقوا شيئاً دون معرفتها أو موافقتها، أو إذا قرروا استضافة زميلة من المدرسة أو شراء هدية لصديقة ما، وهكذا. فلو صادف أن اتصلت هاتفياً بإحداهن ولم تجب على الاتصال، فتلك الطامة الكبرى. لأن هذا يعني أن حساباً عسيراً ومشادة كلامية شديدة اللهجة ستنتظر إيمان أو أختها أو أخواتها.
ذات صباح، ولما استفاقت الام من نومها، خرجت من غرفتها كالعادة متوجهة الى المطبخ لإعداد الشاي وتهيئة الطعام، ولما أوشكت على إنجاز ذلك، نادت على بناتها، لكي يحضرن ويأكلن ما أعدته لهن. كررت نداءها مرة أخرى، لكن دون جدوى. انتبهت وتساءلت مع نفسها، قائلة: ماذا جرى لبناتي؟ هل يعقل أنهن لايزالن نائمات؟ لإذهب وأوقظهن قبل أن يفوتهن الوقت.
وفعلاً توجهت أم إيمان إلى غرفة البنات، فكانت المفاجأة، حين لم تشاهد لا إيمان ولا أختها، فتوجهت بسرعة إلى الغرفة الأخري، أيضاً لم تر أيا منهن. ازداد قلقها وتوترت أعصابها. لا تدري ماذا تفعل، وإلى أين تتجه. أمسكت بالسماعة واتصلت فوراً بإدارة المدرسة، علّها تجد الإجابة. ولكن ما من مجيب. قالت في نفسها: يا إلهي، ما الذي جرى؟ حاولت الاتصال مرة أخرى بإدارة المدرسة، ولكن أيضاً ما من مجيب.
بعد أن عجزت أم إيمان عن معرفة السبب، قررت الذهاب بنفسها الى المدرسة، وفعلاً استقلت سيارة تاكسي وتوجهت الى المدرسة، والقلق والخوف بدءا يزدادان داخلها. ولما وصلت، دخلت مسرعة للسؤال من أي شخص تصادفه أمامها، أيضاً لم يكن هناك أحد سوى حارس المدرسة الذي بادر بالتحية والسلام، فردت عليه والتوتر واضح على ملامحها: ممكن أن تقول لي ماذا جرى؟ رد عليها الحارس وقال: وماذا جرى؟ أنا أسألك يا أختي الكريمة، ماذا بك؟ قالت له: البنات، أين هن؟ حتى إدارة المدرسة لم ترد على اتصالاتي، أريد أن أعرف ما الذي حصل؟ تبسم الحارس وقال لها: ألم يقل لك بناتك أنهن في سفرة مدرسية اليوم؟ تنهدت أم إيمان قليلاً وصرخت دون أن تشعر بذلك، وأية سفرة مدرسية هذه؟ ومتى قررت إدارة المدرسة أن تأخذ الطالبات في سفرة دون أن أعلم أنا بالأمر؟
أعزائي أحبتي المستمعين، ظلت أم إيمان حتى العصر في المدرسة دون أن تخرج منها، بانتظار عودة الطالبات وبقية أعضاء المدرسة من السفرة المدرسية التي قررتها الادارة دون علمها هي. ولما عادوا، تشاجرت كثيراً مع مديرة المدرسة وحاولت أن تلقي باللائمة عليها، لأنها تسببت في قلقها وانزعاجها دون مبرر. وهنا أجابتها المديرة قائلة: نعم، لقد أخطأت بحقك من جانب، ولكن من جانب آخر، فإن السبب يعود عليك أنت أيضاً، نعم فأنت السبب أنك جعلت بناتك يخفون عنك موعد السفرة المدرسية، وقد طلبت منهن أن يبلغوك بذلك، لكنهن توسلوا بي وقالوا: لو أن أمنا علمت بالأمر فسوف تمنعنا، فهي تحرص علينا كثيراً الى درجة نشعر وكأننا في سجن وليس في بيت.
أعزاءنا المستمعين، بعد أن علمنا من خلال متابعتنا للقصة ان حرص الأم أصبح يمثل قيدا للأولاد و صاروا يشعرون بأنهم في سجن و ليس في بيت نتوجه وإياكم الى سماحة السيد محمد الشوكي الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة ووجهنا له سؤالا انه كيف ننصح الآباء أو الأمهات بطريقة معاملتهم الأولاد وتربيتهم بما يعطيهم حريتهم ويمنحهم شخصيتهم القوية والمستقلة، وبماذا ينصح الدين الإسلامي في هذا المجال؟
العيد: الطمع هو حالة نفسية لدى الفرد تؤدي الى عدم اكتفاء الفرد بحصته بل الرغبة في الاستحواذ على حصص الاخرين او ان يكون نصيبه اكثر من الاخرين وفي الامور التجارية عادة مهما يكتفي الفرد بربح معقول انما يسعى الى استغلال الطرف الاخر ان كان مشتري او متعامل ويمكن ان يسمى الطمع بأنه نوع من الانانية وحب الذات. العلوم الاجتماعية لن تحدد اسباباً معينة لكن حددت اسباباً مساعدة في تكوين هذه النفسية وهي عادة ما ترجع الى السنوات السبع، دعني اقول بين قوسين قد يكون هناك شيئاً من الوراثة وليس لنا دخلاً في هذا الموضوع ولايمكن ان نحكم عليه يقيناً لأن الامور بيد الله سبحانه وتعالى، كيف يصبح طفلاً مولوداً وهو ذا نفسية طماعة ليس ليدخلاً في هذا لكن هناك نماذج تولد وفيها هذا الموضوع لكن نتحدث عن الاشياء المادية التي يمكن ان تنشأ بالتعلم. دعني اقول ان طريقة تربية الاسرة لهذا الفرد تعطينا الكثير في نمو هذه الشخصية. يقول علم النفس الاجتماعي ان واحدة من الاساليب في التنشئة الاجتماعية في الطفل هي فكرة الدلال وتوفير كل مايطلبه الطفل بلا استثناء وعدم القدرة على قول لا لهذا الطفل تؤدي الى تنشئة هذا الطفل تنشئة انانية وطماعة وعادة ما تكون تحب ذاتها اكثر من الشيء المعقول اذن دعوني اقول ان هذه الاسباب ترجع الى الصبى وبعد ذلك يمكن ان تساهم تفاصيل الحياة الاجتماعية للفرد في تكريس هذه الحالة او ازالتها، قد ينشأ الفرد بهذه الطريقة ولكن يعيش حياة اجتماعية معينة او يهدد نفسه او يتعلم بطريقة معينة وخصوصاً الاسلام الذي يربي هذه النفس على عدم الانانية وايثار الاخرين اذن يمكن ان يتغير هذا الفرد اما تأثير هذه الشخصية على الفرد وعلى المجتمع فأن على صعيد الشخصية فهذه الشخصية تعيش بمشاعر القلق وعدم الارتياح لأنها دائمة النظر والطمع في مالدى الاخرين وايضاً هذه الشخصية من الانماط التي لاتنظر الى الاشياء بنظرة انسانية وانما تنظر الى الاشيائ بنظرة مادية هذا على صعيد الفرد واما على صعيد المجتمع فأن مثل هذه الشخصيات لايمكن التعويد عليها في المشاريع المجتمعية لأنها تنظر الى مصالحها الشخصية اكثر من مصالح المجتمع ولاتتجرد من مصالحها الشخصية الا بأرادة رب العالمين، هذا مالي والله اعلم.
وبعد أن استمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ سماحة السيد محمد الشوكي الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة، نتوجه الآن الى الاستاذ الباحث في الشؤون الاجتماعية الدكتور هاشم الحسيني الباحث الاجتماعي من لبنان، وسألناه عن انعكاسات الحرص الزائد من قبل الآباء أو الأمهات على تصرفات وسلوكيات الاولاد، خارج البيت وداخله.
الحسيني: من الطبيعي ان هذه الام التي فقدت زوجها وتولت مسؤولية رعاية بناتها ان تكون قلقلة للغاية عليهن وان تخشى على مصيرهن من اي امر خارجي قد تعتبره مهدداً لحياة العائلة. ان هذا الوضع يقع في اطار مايسمى بالحرص الشديد والحماية المفرطة على الاولاد، طبعاً هذا شعور مقبول عاطفياً انما هو شعور مجحف بحق الاولاد تربوياً بأعتبار ان هؤلاء الاولاد قد اصبحوا في سن يجب ان يشعروا من خلاله بأنهم قد كبروا يعني ان يمسك الطفل او الولد بزمام ذاته بعمر معين ولايجوز ان نضغط عليه على نحو يجعله كما سبقت الاشارة، يشعر وكأنه في سجن وهذا لايعني ان الرقابة يجب ان تلغى وان العلاقة بين الاهل والابناء يجب ان تحذف انما يجب ان يسود هذا الواقع الامر المنطقي بحيث ان الولد تترك له حريته في التصرف وفي التعبير وفي بناء علاقات خارجية مع اترابه، مع اصدقاءه انما ضمن حدود على ان تكون هذه الحدود غير مطلقة طبعاً والامور تحل في معظم الاحيان بالنقاش، يجب ان تتحلى الام المسؤولة في مثل هذه الحالة التي نبحثها ان تتحلى بالتفهم، ان تدرك ان اولادها او بناتها لم يعدن بعد الان اطفالاً وان لهن حقوقاً وان هذه الحقوق ينبغي الاعتراف بها من قبل الاهل وليس مقبولاً ابداً ان تعمد الى قهرهم وعلى كل حال اذا استخدمت هذا الاسلوب القمعي اذا صح التعبير هذا لن يؤدي الى نتيجة، هذا سيخلق ردود فعل تجعل هؤلاء البنات في وضع رافض رفضاً تاماً لوصاية الام وينقطعن بشكل نهائي عن تقبلها حتى في بعض الامور التي يمكن ان يقبلن بها فسوف يرفضنها لمجرد انها صادرة عن الام فهذا التصرف التسلطي له محاذير كبيرة وينبغي ان يتم الامر بتفهم وليس فقط بتفهم انما بأعتراف بمعنى التفهم العملي، اعتراف بأن هؤلاء البنات لهن الحق في ان يتصرفن ليس كما كن في الاعمار السابقة، في اعمار الطفولة بل لأنهن اصبحن الان بنات شبه راشدات وينبغي ان يستمتعن بنوع من الحرية التي تجعلهن يشعرن بأنه تغير الامر بالنسبة اليهن وبالنسبة الى علاقاتهن الاجتماعية وكذلك بالنسبة لموقعهن من الام فليست بعد الان الامر الناهي كما يقال وكما تشير عليهن ان تخضعن ويقبلن، التفهم يجب ان يكون من قبل الطرفين وبطيبة خاطر بمعنى ان لاتشعر الام انها فقدت زمام الامور ولايشعرن هن بأنهن مرفوضات من امهن طالما انهن لسن خاضعات لها وبالتالي يجب ان تمارس حياتها على النحو الذي يفرضه الواقع الجديد، الواقع العمري الجديد الذي يترتب عليه واقع اجتماعي جديد ايضاً.
في الختام، نتمنى لكم مستمعينا الكرام، ان تكونوا قد تمتعتم بالاستماع الى قصة اليوم، على أمل أن نلتقيكم من جديد في حلقات أخرى قادمة، الى اللقاء والسلام عليكم.