بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم مستمعينا الأعزاء في كل مكان، نلتقيكم من جديد في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم «من الواقع»، الذي نقدمه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
حلقتنا أحبتي المستمعين لهذا الأسبوع، سنتناول فيها موضوع "غطرسة الآباء". هو في الحقيقة من المواضيع التي لا زالت وللأسف سائدة في عصرنا الحاضر، وبالتأكيد أنها تشكل عقبة أمام الأبناء في حياتهم اليومية، وربما تشكل في بعض الأحيان عقبة أمام الزوجات أيضاً. ذلك أن بعض الآباء لازالوا يعيشون أجواء التسلط وفرض القوة، بل يعشقون التشدد والغطرسة، لمبرر ودون مبرر. وكما عوّدناكم مستمعينا الاعزاء بعد استماع قصتنا لهذا اليوم سنستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء الاجتماعيين أو التربويين أو النفسانيين للإجابة على بعض اسئلتنا حول موضوع غطرسة الآباء.
في ذلك الصباح الجميل حين رنّ جرس المدرسة، وقف الجميع، أساتذة وطلبة، وبدأوا يرددون النشيد الصباحي.. فكان المنظر يبعث على النشاط والحيوية، ويشيع في النفوس التفاؤل بيوم جديد. همس فاضل بأذن زميله حسن، وقال له: أنظر الى أمير فحاله ليس بجيد اليوم. أمعن حسن بصديقه أمير، فوجده تائهاً شارداً في تفكيره لايدري بحاله، حتى أنه لايقرأ النشيد مع الآخرين. ولما عاد الطلبة الى صفوفهم، سأل حسن صاحبه أمير ماذا بك؟ قال له: هه، لا شيء، وهل تلاحظ شيئاً غريباً عني. قال له حسن: أو تظنني لاأرى حزنك أو لاأشاهد دموعك في عينيك؟
انتبه أمير لنفسه، وكأنه كان يعيش حلماً ثم استفاق منه، وماذا تشاهد بعد، ها ؟ قال له صاحبه حسن: أنت يا صديقي غير مرتاح اليوم. وطوال وقوفنا في ساحة المدرسة لما كنا نقرأ نشيد الصباح، كنت أنت في عالم آخر. ولما استمع أمير لقول صاحبه حسن، لم يتمالك نفسه فبكى. ثم بكى.. احتضنه حسن وقال له: ما بك يا صاحبي؟ اشتد حزن أمير وشرح شيئاً من معاناته في البيت. تعجب حسن من أمر صاحبه، وقال له: كيف يمكن أن يفعل بك أبوك هذه الافعال؟ لا.. هذا لايمكن. وبعد أن اكتمل الدرس، توجه حسن إلى استاذه المسؤول وشرح له قصة زميله أمير. فطلب منه الأستاذ أن يأتي بأمير حالاً.
حضر حسن الى غرفة الاستاذ وبصحبة زميله أمير، ولما دخلا، قال لهما الاستاذ تفضلا، تفضلا إجلسا. ثم سأل من أمير عن قصته، فقال: أبي، نعم إنه أبي، دائماً ما يحاول أن يضربني أو يشتمني أو يعيّرني أمام زملائي وأصدقائي، ولأسباب تافهة، بالأمس كنت ألعب وزملائي الكرة، وعند عودتي وقبل أن أصل البيت، كان أبي ينتظرني عند الباب، ولما شاهدته عرفت أنه ماذا سيفعل بي. وهنا سأل الاستاذ، أمير، إن كان أبوه يعامله بهذه القسوة له فقط، أم لبقية أفراد العائلة؟ أجاب أمير: لا، فأبي يعامل الكل بهذه الطريقة. إنه متشدد كثيراً، قبل يومين قام بتكسير أواني المطبخ أمام والدتي بسبب أنها سمحت لخالتي بزيارتها دون أن تأخذ الإذن منه.
وقبل فترة قصيرة أيضاً، صرخ بوجه أختي الكبيرة لأنها طلبت منه شراء هدية لصديقتها التي تزوجت، ولما رفض ذلك، قررت أختي شراء الهدية بنفسها دون أن تقول له، ولما علم بالأمر، أخذ الهدية منها وبعثرها على الأرض، وراح يدوس عليها بقدمه بكل قسوة.
تعجب الأستاذ من أقوال أمير، وطلب منه أن يشرح له أكثر، لكي يستطيع أن يتخذ له إجراء مناسب بحقه أو لعله يستطيع أن يقف بجانبه بطريقة أخرى إن اقتضى الأمر.
وهكذا، بعد أن علم الأستاذ بقصة أمير، قرر أن ينقل القصة الى مدير المدرسة بالتفصيل. ولما علم المدير بقصة أمير تفاجأ كثيراً وقال: هل يعقل أن نجد آباءا متغطرسين كهذا في يومنا هذا؟ أين تعاليم الاسلام التي نشأنا عليها، وأين القيم والمبادئ التي تعلمناها في حياتنا؟ فسأل الاستاذ المدير عن الحل المناسب لأمير. لأن تصرفات والد أمير أصبحت تؤثر كثيراً على حياة أمير الدراسية، وما عاد بقادر على الاستمرار في مواصلة واجباته المدرسية وهو على هذا الحال. فكانت إجابة المدير أن يعرض القصة على الباحث الاجتماعي المسؤول عن حل مشاكل الطلبة.
أعزاءنا المستمعين، بعد أن عرفنا قصة صديقنا أمير، وقبل أن نستمع إلى رأي الباحث الاجتماعي. نتوجه أولاً الى سماحة الشيخ احمد الوائلي الباحث الاسلامي من لندن حيث سألناه عما يراه الشرع في هذه الحالات، وما هي الآيات القرآنية التي نهت الآباء عن غطرستهم سواء مع أبنائهم أو مع زوجاتهم. وكيف يمكن الحد من تصرفات هؤلاء الآباء؟ لنستمع إلى ما قاله ضيفنا الكريم:
الوائلي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى اله الطيبين الطاهرين
الموضوع حقيقة من المواضيع المهمة والتي ابتليت بها الامة وهذا عادة الاضطهاد وغطرسة الاباء ليس في زمن الاسلام انما كان قبل الاسلام وجاء الاسلام وحدد الكثير من الامور في الحياة ووضع لها برنامجاً وعالج الكثير من المشاكل الاجتماعية ومن المشاكل الاجتماعية المهمة هي هذه المشكلة مشكلة غطرسة الاباء طبعاً هذه لها اسباب كثيرة من هذه الاسباب اولاً نحن كمجتمع اسلامي لاتزال تحكمنا بعض العادات والاعراف الجاهلية التي هي موروث جاهلي جاءت للامة وبقيت عند الامة فكانت تمارس هذه في زمن الجاهلية واستمرت هذه والاسلام وضع لها حلولاً لذلك لما نقرأ الرسالة العملية لكل المراجع اذا ضرب الاب ابنه واحمر يكون عليه دية معينة واذا صارت زرقاء له دية معينة واذا صارت سوداء دية معينة اذن الشارع المقدس حدد عدم غطرسة الاباء ومن الامور التي جعلت ايضاً الاباء يتغطرسون كما نعرف ان الانسان ابن بيئته ولذلك نرى ان الكثير من البلدان الاسلامية لم يحكمها الاسلام انما حكمتها بعض الانظمة العلمانية هذه طبعاً فيها الدكتاتورية مما اكتسب الاباء هذه الصفة من الحكام فبدأوا يتعاملون مع ابناءهم بهذه الطريقة والغطرسة. هذه طبعاً لها سلبيات كثيرة من ضمن هذه السلبيات المردود على الابناء، الولد او البنت لم تكن عنده الشخصية عندما يمارس عليه الاضطهاد يعني احياناً الاضطهاد الجسدي واحياناً الاضطهاد الفكري عندما يكون للولد او لبنت رأي فالاب لايسمح له او كما هو متعارف عندما يجلس الاب ويكون هناك ضيوف ويدخل الولد يطلب من ابنه ان لايتكلم داخل المجتمع مما تولد عنده عقدة تسمى عقدة الحقارة ان الانسان لايستطيع ان يعبر عن رأيه في الكثير من الحالات لذلك الاسلام حدد هذه الحالات ولنا في رسول الله صلى الله عليه واله اسوة حسنة كيف كان يتعامل مع الزهراء عليها السلام، كان اذا دخلت عليه يقوم من مقامه ويجلسها في مكانه هذا يعطي احتراماً للابن وللبنت، كيف يتعامل الانسان مع ابناءه ومع ذريته بأسلوب من الاحترام حتى تتولد عند الابناء وعند البنات الشخصيات.
اعزائنا المستمعين وبعد أن استمعنا الى رأي سماحه الشيخ احمد الوائلي استضفنا الدكتوره شيماء عبد العزيز، استاذه علم النفس الاجتماعي من العراق وسألناها عن الحلول اللازمة لمثل هذه الحالات، وكيف على الآباء أن يتصرفوا مع أبنائهم؟ فاجابت مشكورة:
عبد العزيز: طبعاً هناك طريقة يتعامل بها الاباء هي طريقة خاطئة ان ينظر الى ابناءه انه في مثل زمانه او في مثل الوقت الذي تربى فيه هو فيحب ان ينقل كل ثقافته وتربيته التي مشى عليها ابويه على ابناءه على اساس انها التربية الصحيحة التي نشأ هو عليها وهذه بالنسبة للواقع خطأ لأن الجيل يختلف والوقت يختلف والفرق في العمر بين الاب والابن فرق شاسع والتكنولوجيا في زمن الاباء غير التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال والانفتاح على العالم لذلك يجب ان تكون هناك علاقة تفاهم، علاقة حوار، علاقة فهم مشكلة الابناء من قبل الاباء حتى يصل مع الابن الى حلول صحيحة تعترض الابن اولاً من الانحراف، من ترك المدرسة، اللجوء الى اصدقاء سوء واللجوء الى ولي الامر الذي يحل مشاكله فلما يرى الاب صدره غير واسع لأستقبال الابن وفهم مشاكله فسيبحث في خارج البيت عن اصدقاء واحياناً تكون اغلب الاصدقاء سلوكيات خاطئة لذلك يتعلم هذه السلوكيات الخاطئة فتؤدي به الى الانحراف، الى الادمان ونعاطي المخدرات كل هذه يتعود عليها الطفل لما يبحث عن شخص يحل مشكلته ولايجد الصدر الرحب من الاب ليحل المشكلة لهذا نحن دائماً نوصي الاباء ان يكونوا اصدقاء لأبناءهم ولاينظرون الى انهم اصحاب سلطة وهو اب والابن هو المطيع الذي يجب ان ينفذ اوامر الاب بكل حذافيرها، يجب على الاب ان يكون صدره واسع وان يكون فكره افهم ان ابنه نشأ في وقت غير الوقت الذي نشأ هو فيه وان يكون هناك حوار بين الاب والابن ويكون الاب هو مصدر الثقة لأبنه فعندما يكون الاب مصدر ثقة وكاتم الاسرار فلن يبحث في الخارج بديلاً عن الاب لحل مشكلته لهذا سنحافظ على الابن ونعده اعداداً صحيحاً للمستقبل. طبعاً علاقة السوء مع الابن اكيد ستكون هناك علاقة مع زوجته فيها توتر وفيها تشنج فهذا التوتر والتشنج والمشاجرات دائماً تحصل امام الابناء فتصبح عند الابن ردة فعل اتجاه اباءهم فتتولد كراهية قد لاتتضح في الوقت الحاضر لذلك نرى حجود الابناء للاباء بسبب التربية الخاطئة في مرحلة عمرية مهمة وهي مرحلة الطفولة والمراهقة فمعاملة الاب لأبناءه في هذه المرحلة ستنعكس اثارها السلبية لي في الوقت الحاضر لأن هناك حاجة من الطفل او المراهق للاب من الدعم المادي او المعنوي لكن ستظهر هذه الاثار السلبية في السمتقبل.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا الأعزاء، نتمنى أن نكون قد وفقنا في طرح مشكلة الصديق أمير، وكيفية علاجها.. وما هي الطرق الصحيحة التي على الآباء أن يتقيدوا بها إزاء أبناءهم.. الى اللقاء وفي أمان الله.