ضيوف البرنامج عبر الهاتف: السيد جعفر فضل الله الاستاذ في الحوزة العلمية من لبنان والاستاذ فيصل ابراهيم الاخصائي النفساني من السعودية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبائي وأعزائي المستمعين، نرحب بكم في حلقة من حلقات برنامج "من الواقع" قصتنا اليوم تتحدث عن الحرمان والذي يعاني منه معظم الناس عندما تحرمهم الحياة او ظروف معينة من أمر مهم وما يترتب عليها من تبعات وتراكمات على صحة الإنسان النفسية والجسدية... وكما هو الحال في كل حلقة من حلقتنا سنستضيف أحد علماء الدين وأحد المحللين الاجتماعيين والتربويين او النفسانيين لايجاد منافذ وحلول تساعد صاحب المشكلة في الخلاص ومتابعة مسيرة الحياة... نتمنى أن تسترعي انتباهكم فمعاً لنستمع الى قصة اليوم والتي تحمل عنوان الحرمان... وسنعود بعد انتهاء القصة...
تذوقت طعم الحرمان منذ كنت صغيرة عندما حرمت من والدتي ورأيتها تعاني سكرات الموت في الفراش.. يوم موتها شعرت بأنني وحيدة في غابة مليئة بأشجار عالية وكثيفة وتختبئ الحيوانات المفترسة خلف تلك الأشجار... كنت حينها صغيرة جداً ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى وجدت نفسي مع الأم البديلة كما قيل لي أنها أمي الثانية وإن أبي تزوجها لتكون أماً لي والحقيقة انها في البداية كانت أماً حقيقية ولكن بعد أن انجبت طفلها الأول تغير كل شيء، أصبحت امرأة أخرى قاسية... لسانها فض... في كل مرة تثور في وجهي وتعاملني بقسوة لم أكن أفهم لماذا تغيرت معي هكذا....
تجرعت الويلات معها حتى أصبحت خادمة لها ولأبنائها كل ذلك كان يحفزني لانجح في دراستي واتفوق وعندما فشل ابنها في الدراسة ولم يجد طريق النجاح في المدرسة كانت انا الملامة، وأنني لم ابذل جهداً لاساعدها وعقابي كان جلوسي في المنزل وترك الدراسة ومساعدتها في اعمال المنزل وتربية الاولاد، وهنا شعرت أنني أدخلت في سجن كبير وأغلقت أمامي باب كبيرة حديد صوتها لا يزال في أذني عندما اوصدت في وجهي... كنت في كل سنة أرى في عيني كيف يستعدون إخوتي للدخول الى المدرسة وأرى أمهم كيف تجهزهم بوسائل المدرسة وفي كل صباح أحضر لهم الفطور وأعد لهم كل ما يحتاجون وعندما يخرجون أبدء بالتنظيف وتحضير غذائهم وكل ما يحتاجون وعندما يعودون من المدرسة كنت أجلس معهم وأساعدهم على أداء واجباتهم ولكن قلبي كان يشتعل ناراً وروحي كانت تطير الى المدرسة حنيناً وشوقاً... لذلك قررت أن أجلس منتصف الليل وأن أعوض كل ما فاتني من درس وأدرس كل كتب أخوتي....
مرت أيام وأشهر وليالي وأنا على هذه الحال، لم يكن كتابي وقلمي ودفتري يثير اهتمام أحداً لذلك كنت مستمرة حتى... جاء يوم وفاة والدي في حادث سير عندها حرمت من الحياة ذاتها أصبحت تحت رحمة امرأة لا تعرف الرحمة أبداً يتيمة الأبوين لا أحد يشعر بي... أعاني الأمرين حرمت من أبسط حقوقي كإنسانة في الملبس والمأكل والمنام وكل شيء بحجة أن راتب أبي لا يكفي وعلي أن أتدبر أمري... هنا طلبت من أحد عمامي مساعدتي.. ولو تعرفون ما هي المساعدة التي ساعدني بها... جاءني خاطباً لإبنه... ولم تمض أشهر قليلة حتى أصبحت في بيت عمي وهذه المرة لست البنت الكبرى بل زوجة الإبن الاكبر... حينها لم يتجاوز عمري الرابعة عشر...
يوم زفافي رأيت مناماً وكأنني أشبه زرعت وسط شوك شقت طريقها بصعوبة حتى استطاعت أن تجد طريقها لأشعة الشمس وعندما وصلت جاءت غمامة سوداء وغطت كل شيء من فوقها... المهم مضت ومضيت أنا أحياها كما يرغب الآخرون وليس كما أرغب أنا دخلت في دوامة أخرى من الحياة، حرمت من حقوقي الطبيعية، سكنت في غرفة صغيرة وسط عائلة كبيرة، أعمل من الصباح وحتى المساء وعندما يعود الزوج من العمل وأطلب منه شيء، يصرخ في وجهي ويقول اصمتي يا امراة أريد أن أنام، وفي الصباح يقول لي أطلبي من أمي... وعندما أطلب من أمه تصرخ في وجهي وتقول وما دخلي أنا وهكذا تعلمت أن أكتم أبسط رغباتي في الحياة....
مرت سنة ولم أرزق بطفل وبدأت رحلة البحث عن طفل بين طبيب وطبيب ودجال وآخر والنتيجة ذاتها... ولم تمض ثلاث سنوات حتى وجدت امرأة أخرى تدخل حياتي لأذوق نوع آخر من المعاناة والحرمان هذه المرة كانت زوجة أخرى لزوجي لتنجب له الأولاد وأكون أنا الخادمة في المنزل... وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى أنجبت طفلها الأول... كان جميلاً جداً أحببته عندما رأيته.. ولأن والدته تعسرت ولادتها توفيت بعد ولادته بدقائق معدودة وهي تطلب مني أن أرعى ولدها الصغير.. تألمت كثيراً لهذا الصغير فقد والدته كما فقدتها أنا.. وبمرور الأيام أصبح هذا الصغير قطعة من قلبي وروحي.... كبر بين يدي كنت أحميه من كل شيء... مرت الأيام والأيام والصغير يكبر بين ذراعي.... ولأن زوجي لم يكتف بطفل واحد قرر الزواج من امرأة أخرى... حينها تذكرت معاناتي مع زوجة أبي... دخلت في دوامة وأنا أتألم أخاف على الصغير أن يعاني ما عانيت...
لقد تجرعت مرارة امرأة أخرى في حياتي وتعلمت كيف أعيش مع تلك المرارة ولكني لن أتجرع مرارة أن تكون زوجة أب لإبني... نعم إنه إبني إبني أنا... لن أسمح لأحد أن يسلب منه الحياة... لأن أجعله يعاني من مرارة الحرمان التي عانيت منها.. ولكن ما هو الحل؟ أنا نفسي مغلوب على أمري والكل يوجهني في الحياة، ما الذي يمكنني فعله لهذا الصغير... لذلك طلبت من زوجي أن يجعلني المسؤولة عن هذا الطفل والى الأبد وأن يبعد عنه كل المعاناة وأن يوافق له على الزواج مرة أخرى دون قيد او شرط... لكنه طلب مني أمر صعب!! طلب مني أن أبيع كل ما تركه لي والدي وأعطيه إياه لقد ترك أبي لي مبلغ في البنك وحصة صغيرة في منزله.. هذا ما عرفته بعد أن تزوجت بسنوات...
علي أن أضحي بما هو ضمان لي في مستقبلي، مقابل أن أنقذ هذا الصغير من الحرمان الذي تجرعته... إن تركني زوجي في قارعة الطريق ما الذي أفعله دون شهادة أو عمل ودون مال وإن كان يسير وقليل... وفي كل الأحوال يمكنه سلبي الصغير في أي وقت يريد... ما الذي أفعله لكي أنقذ هذا الصغير من معاناة مررت بها وتجرعتها ما الذي أفعله؟؟
نعم أحبتي المستمعين كنا معاً عندما كانت تسرد تلك الفتاة قصتها، حيث أن المسكينة وجدت نفسها في ذلك الصغير وهي تريد تنقذ هذا الصغير ولكن كيف هل يكون الإنقاذ على حساب الضمان الوحيد الذي تملكه في الحياة... ولكي نكون على بينة من الأمر وكما اعتدنا في الحلقات الماضية استضفنا سماحه السيد جعفر فضل الله الأستاذ في الحوزة العلمية من لبنان، وبعد أن أسمعناه قصة اليوم سألناه : هل تعتقد أن من حق الزوج سلب زوجتها ممتلكاته مقابل أن تبقى ترعى هذا الصغير ؟
وبما أنها تجرعت اليتم، فهي تحاول أن تحمي يتيم مما رأته في حياتها.. ولكن هل يجوز أن تحمي الآخرين على حساب حياتها هي؟
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم المرأة كما الرجل شخصية قانونية مستقلة بنظر الشرع والاسلام، ليس من حق احد ان يفرض عليها اي شيء في نفسها او اتجاه ما تقوم به للاخرين مما لم يفرضه الله سبحانه وتعالى عليها او لم تفرضه هي على نفسها بمقتضى شروط عقد من العقود ولاسيما عقد الزواج الذي هو عقد على الزوجية بين الطرفين الذي يقوم على اداء كل من الزوجين ان يمكن نفسه من الاخر من الناحية الجنسية وان ينفق الرجل على المرأة فيؤمن لها المسكن والملبس وما الى ذلك مما يليق بشأنها اما سائر ذلك حتى تربية اولادها هي وليس تربية اولاد الاخرين لايجب على الزوجة ان تقوم بذلك بل هو مسؤولية الرجل لأنه هو رب العائلة وهو ينبغي ان يؤمن الاحتياجات العامة لأفراد الاسرة لذلم عندما نلجأ الى الحقوق لاان نقول الحياة الزوجية ينبغي ان تصبح شركة تدار براتب شهري وما الى ذلك بل ان تكون مليئة بالمودة والرحمة وبذكر الله وبطاعة الله وببذل كل منهما من عنده ومن نفسه للاخر فمسئلة الحقوق نلجأ اليها عندما تصبح هناك مشكلة في هذا المجال ونحن نقول ان الزوج لايحق له ان يفرض على زوجته ان تعطيه من مالها وتنفق على البيت ولا ان تربي له اولاده ولاان تقوم بأشياء لم يفرضها الله سبحانه وتعالى عليها، مايستحقه الرجل على المرأة هي ان تمكنه من نفسها بمقتضى عقد الزوجية وان تدير امورها بالمعروف وبالتي هي احسن اما سائر ذلك فلايجب شيء عليها اتجاهه ولذلك نقول ان هذا الانسان عليه ان يدرس النقاط والحاجة لدى زوجته في تنمية عقلها وفكرها وروحها وان لايثقل عليها لأن الاثقال على النفس يؤدي الى ان تضعف النفس وحتى تصبح غير قادرة على اداء واجباتها حتى الدينية منها، علينا ان نتقي الله سبحانه وتعالى فيما نفرضه على الاخرين لأن الاخر قد يرضخ تحت الامر الواقع وما يفرضه عليه ولكن في النهاية يبقى ان الله سبحانه وتعالى هو يرى ويسمع ويمكن ان يعاقبنا على كل ما نقوم به من ظلم للاخرين في مجال الحياة الزوجية او خارج الحياة الزوجية.
نشكر سماحة السيد جعفر فضل الله علي ما تفضل به.
أحبائي وكما هو الحال في كل مرة استضفنا في حلقه اليوم الأستاذ فيصل ابراهيم، الأخصائي النفسي من السعودية وبعد سماعه للقصه سألناه :
معاناة الحرمان التي واجهتها هذه المرأة، هل كان يمكن أن تخرج منها بكل بساطة لو أنها كانت تملك الإرادة القوية ؟؟ وهل أنها تستطيع أن تخرج من معاناتها القادمة وهي واقعة تحت خوف أن تحرم من الصغير وأن يحرم الصغير حق الحياة وتحرم من الضمان الوحيد الذي تملكه في الحياة بكل بساطة؟
ابراهيم: طبعاً هي كونها امرأة بحد ذاته ضعف لأن المرأة بشكل عام اقل قدرة من الرجل على المواجهة او تحتاج في الغالب الى حماية رجل او الى الشعور بالامن وجو من الاستقرار. الظروف التي عاشت فيها هذه المرأة كانت ظروف خانقة بالتأكيد وسببت لها شعور ومخاوف ويمكن انعكست الان في خوفها على هذا الطفل، هل كان بأمكانها ان تتجاوز هذه المرحلة، هل كان بأمكانها ان تحسن ظروفها؟ نحن نقول نعم الازمات التي عيشها اي شخص ممكن ان تفرز ثلاث استجابات، واحدة من هذه الاستجابات التحدي والشعور بالرغبة للتفوق يعني عالم النفس ادلر مثلاً كان يتكلم عن الاعاقات وعقد النقص والشعور بالدونية وكيف تصنع الدافعية للانطلاق والنجاح والتفوق والرغبة في الوصول الى كمالات افضل بالمقابل هناك اناس كثيرين ايضاً امام الازمات وامام المشكلات التي تواجههم في حياتهم يشعرون بالضعف ويستسلمون للاضطهاد، الدنيا بشكل عام دار بلاء مهما كانت يعني الغنى بلاء والفقر بلاء ومهما كان المرء بحاجة الى تجاوز هذه الصعوبات والشعور بالنقص مثلما يقود بالشعور الى الرغبة بأن لايتكرر، هل هذه المرأة شعورها او رغبتها في حماية هذا الطفل جيد او لا؟ طبعاً هو ينطلق من مشكلات حصلت لها في السابق يعني في علم النفس نسميها بالاسقاطات يعني الاخرين مهما حموا الافراد لم يبقوا معهم ابد الابدين وهي تحتاج الى املاكها، تحتاج الى سيولة تقاوم الحياة ولكي تستطيع ان تكون قوية قادرة على حماية هذا الطفل وعلى حماية غيره ايضاً من الاطفال، عادة سلوك الضحية يكرر المأساة، الجاني يكرر اضطهاد الضحية اذا وجد التمكين، واحدة من اسباب التمكين هي ماقد تعمله هذه المرأة يعني حينما تساوم لاتقف صلبة ضد هذه المساومة وضد استغلال التلاعب بمشاعرها ومشاعر الاخرين او العزف على وتر عقدة النقص لديها او عقدة مأساة الحياة التي عاشتها في السابق ان تتكرر لدى هذا الطفل او لدى غيره.
في ختام حلقة اليوم لا يسعنا الا أن نشكر ضيف البرنامج سماحة السيد جعفر فضل الله من لبنان و الأستاذ فيصل ابراهيم من السعودية.... أحبائي نستودعكم الله والى لقاء آخر في "من الواقع"...