وللعالم والفلكي الإيراني الشهير ابي ريحان البيروني تعريف للنوروز، يقول فيه انه اليوم الأول من شهر فروردين، ومن هنا عرف باليوم الجديد، ذلك انه مقدمة للسنة الجديدة، وما يلي ذلك اليوم من تلك الأيام الخمسة هي للفرح والسرور.
والذي يبدو ان الآريين، وهم العنصر الذي ينحدر منه الإيرانيون، وبعد ان هاجروا الى الهضبة الإيرانية، قد قسموا العالم الى قسمين، يبدأ كل منهما بانقلاب، وان احتفالي النوروز والمهرگان او المهرجان هما بداية لهذين الإنقلابين، فإحتفال النوروز يقام تزامناً مع الإنقلاب الصيفي، فيما يقام احتفال المهرجان مع الإنقلاب الشتوي.
نعم الإيرانيون يقيمون النوروز ويكرمونه، انه رسم عريق لديهم، وقد امتدت يد التغيير اليه على مدى الآلاف من السنين، بيد انه مع هذا لم يبل ولم يندثر، ولقد حظي هذا العيد من قبل الأقوام والمذاهب المختلفة في إيران بالتأييد، ومن هنا فإن النوروز اليوم هو من اكبر مظاهر الوحدة لدى الشعب الإيراني، وان اختلفت قومياته واديانه وثقافاته وألسنته.
وبعد ان اشرقت شمس الديانة الإسلامية على ارض إيران، تعامل هذا الدين بوداعة مع سائر الأديان والعادات والتقاليد ومنها عادات الإيرانيين الدينية، الأمر الذي جعل تلك العادات لا تندثر او تزال من المجتمع بالكامل. على ان دخول الإيرانيين شيئاً فشيئاً في الإسلام قد حد من اتساع نطاق تلك العادات، ومن بعد ذلك وشيئاً فشيئاً تغلغلت بين فئات الناس الأساطير والقصص الغريبة الى جانب الإعتقادات الإسلامية.
ومرت الايام والسنون تترى، وكان ان بدت بعض العادات والتقاليد في تناقض واضح المعالم مع عادات كانت مألوفة في الزمن الغابر، هنا كان الإيرانيون يسعون لإستعادة عاداتهم العريقة في قالب شخصيات اسلامية، وبعبارة اكثر وضوحاً يمكن القول. ان الإيرانيين قد خلطوا السنن الإيرانية بالسنن الإسلامية، وكانت النتيجة ان بقي عند المسلمين الإيرانيين، من بين كم هائل من عادات الفها الإيرانيون في عصور ما قبل الإسلام عيد النوروز.
ان النوروز هو الإحتفال الوحيد الذي بقي من العصور الخوالي، مقروناً بالعظمة والمراسيم العديدة، وتتجلى هذه العظمة ها هنا وهناك في تراث إيراني خالد من امثال آلار تخت جمشيد، حتى النتاجات الأدبية والفنية المتعددة والتي تتوزع على اللغتين العربية والفارسية.
ومن اقدم واعظم المصادر التاريخية التي تناولت النوروز وعاداته كتاب الآثار الباقية، لأبي ريحان البيروني العالم الإيراني المتوفي في عام ٤٤۰ هجري قمري حيث كتب البيروني في كتابه ذاك يقول: "السنة عند الفرس على اربعة فصول، وكان لهم في كل فصل من تلك الفصول عيداً ومن بين هذه الأعياد، عيد اليوم الأول من فروردين او عيد النوروز وهو عيد عظيم جداً لأنه عيد احياء الطبيعة، ويقال ان بدء خلق العالم كان في ذلك اليوم".
ويحظى النوروز في الإسلام باحترام. ولا فرق هنا بين المذهب الشيعي ومذاهب السنة، وقد وردت في النوروز العديد من الروايات والأحاديث عن ائمة الشيعة (عليهم السَّلام) وفي كتاب، السماء والعالم، نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) حديثاً عن الإمام السادس لأئمة اهل البيت اي الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) حول النوروز.
والذي يستفاد من هذا الحديث ان آدم (عليهم السَّلام) قد خلقه الله في بداية شهر فروردين، وان ذلك اليوم اي النوروز هو يوم مبارك، يطلب الناس فيه حاجاتهم ويحققون فيه آمالهم، ويزورون فيه الملوك والسلاطين ويكسبون فيه العلم ويتزوجون ويسافرون ويتعاملون.
في ذلك اليوم المبارك، يشفى المرضى من امراضهم ويولد من يولد بيسر وسهولة وتزداد فيها الأرزاق وينقل المجلسي كذلك حديثاً آخراً بشأن النوروز ينسب الى سابع ائمة الشيعة اي الأمام موسى بن جعفر (عليهم السَّلام)، ويدلنا هذا الحديث ان النوروز يوم عريق جداً، وفي النوروز اخذ الله تعالى الميثاق من عباده ان يعبدوه وحده ولا يشركوا في عبادته احداً ويؤمنوا بالأنبياء والمرسلين (عليهم السَّلام) ويطيعوهم.
والنوروز هو اول يوم اشرقت فيه الشمس وهبت فيه الرياح وازهرت على الأرض فيه الأوراد، وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو اليوم الذي حطم ابراهيم (عليهم السَّلام) فيه الاوثان، وهو اليوم الذي حمل فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السَّلام) على كتفيه كي يزيل من على الكعبة اصنام قريش.
ان الإسلام لم يعارض النوروز، بل انه ذهب الى ابعد من ذلك حيث ايد هذا العيد، واستمر تكريم النوروز في العصر الإسلامي، وتجسد ذلك في رغبة لدى الإيرانيين شديدة في الحفاظ على تراثهم العريق ومنه النوروز.
يقول برتولد اشبولر وهو خبير الماني كبير في الدراسات الإيرانية: "من بين الاحتفالات القديمة عند الإيرانيين، احتفال السنة الجديدة، وبعد ان دخل الإسلام إيران وامتد الى نطاق اوسع من شبه القارة الهندية حتى شمال افريقيا، فسح المجال امام النوروز كي يضحى متداولاً لدى شعوب واقوام اخرى غير الإيرانيين".
ويشهد لنا التاريخ ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السَّلام) وقادة الإسلام كانوا يعظمون النوروز، ومن بعد الإسلام لبس النوروز حلة جديدة، حيث زينته السنن الإسلامية وزادته عظمة وبهاءاً.
وفي كتابه زاد المعاد يشير العلامة المجلسي الى الدعاء الذي يقرأ في لحظة تحويل السنة الشمسية وبداية النوروز ويذكر انه جاء في الكتب المشهورة وغير المشهورة قراءة هذا الدعاء كثيراً وهو:
"يا مقلب القلوب والأبصار يا مدبر الليل والنهار يا محول الحول والأحوال حول حالنا الى احسن الحال".
على ان قراءة مثل هذا الدعاء او قراءة القرآن او حتى اداء الصلاة في لحظة تحويل السنة وبدء السنة الجديدة، ان دل على شىء فإنما يدل على إسلامية النوروز، لا بل ان البعض يرى كذلك ان العبارات العادية التي تقرأ حين تحويل السنة او بدء العام الجديد مأخوذة من نصوص قرآنية واحاديث وروايات دينية جاءت في اوثق المصادر الشيعية مثل كتاب، تهذيب الأحكام، لشيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (رحمه الله).
لحظة تحويل السنة، محاطة بهالة من القدسية الدينية، حيث يتواجد الناس في ذلك الوقت في الأماكن المقدسة والمشاهد المشرفة، فأهل شيراز مثلاً يفدون على مرقدي شاه چراغ، احمد بن موسى بن جعفر (عليهم السَّلام)، وعلي بن حمزة.
اما في مشهد المقدسة فيتوافد الناس على الروضة الرضوية المطهرة، للزيارة والصلاة والدعاء في المساجد المحيطة بالعتبة الطاهرة لثامن ائمة الهدى، الأمام ابي الحسن على بن موسى الرضا عليه آلاف التحية والثناء، وفي مدينة قم المقدسة يبدأ المسلمون الإيرانيون عامهم الجديد الى جانب القبة الملكوتية لكريمة اهل البيت (عليهم السَّلام) السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها) ويتوجه الناس في طهران الى مرقد السيد عبدالعظيم الحسني في مدينة الري ضواحي العاصمة طهران.
النوروز الإسلامي امر بديهي في إيران لأن الأكثرية الساحقة من شعبها من المسلمين. لكن اتباع الاديان الأخرى لا يقل اهتمامهم بالنوروز في إيران عن المسلمين.
فالنوروز اليوم عيد لكل الأديان والشعوب المتأثرة بالثقافة الإيرانية، انه يرى واضح المعالم في افغانستان وباكستان وطاجيكستان والهند ودول آسيا الوسطى وبلاد القوقاز والمناطق التي يقطنها الأكراد في تركيا والعراق وسوريا ويستفاد من الروايات الإسلامية ان النوروز هو اليوم الذي هبط فيه الأمين جبرائيل بالوحي الالهي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانه يوم الولاية الكبرى والأمامة العظمى يوم الغدير الأغر، وهو اليوم الذي سيظهر فيه حجة الله في ارضه صاحب العصر والزمان (عجَّلَّ الله فرجه).
صلاة عيد النوروز
صلاة عيد النوروز تشتمل على قراءة سورة الحمد وسور اخرى، مثل سورة القدر وسورة الكافرون وسورة التوحيد، وسورة الفلق وسورة الناس، وهذه الصلاة تشبه كثيراً الصلاة التي وردت في اعمال يوم الجمعة واعمال يوم عيد غدير خم، الثامن عشر من شهر ذي الحجة.
ومع الأخذ بنظر الإعتبار استحباب قراءة سورة القدر في صلاة عيد النوروز، يمكن القول ان هذا العيد وكسائر الأعياد الإسلامية الاخرى مقرون بنزول البركات الإلهية.
كما ان التأكيد على قراءة سورة الكافرون وسورة التوحيد والمعوذتين، اي سورة الفلق وسورة الناس، يمكن ان يكون فيه دلالة على الدعاء وطلب درء الشرور والسيئات عن النفس.
دعا عيد النوروز
يبدأ الدعاء الخاص بعيد النوروز بالصلاة والسلام على الرسول الأكرم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الله الطيبين الطاهرين والأوصياء وجميع الأنبياء والرسول (عليهم السلام).
ومما جاء في هذا الدعاء "هذا الذي فضلته وكرمته وشرفته وعظمت خطره" وهذا النص مع شىء من التغيير قد ورد في دعاء خاص بشهر رمضان شهر نزول القرآن.
وفي نهاية الدعاء الخاص بعيد النوروز نقرأ "اللهم .... ما نقدت من شيء فلا تفقدني عونك عليه حتى لا اتكلف ما لا احتاج اليه يا ذا الجلال والأكرام" ويلاحظ في هذا النص الدعائي كلام حول الفقدان وضياع الأشياء، وهو ما يدعو الى التأمل، ذلك انه روي ان عيد النوروز كان ذلك اليوم الذي عثر فيه النبي سليمان بن داوود (عليهما السلام) على خاتمه بعد ان كان قد فقده.