التنوع البيئي والمناخي ونوع الأتربة ووجود انواع مختلفة من النباتات والحيوانات، والثقافة وتعدد القوميات واللهجات وغيرها، كل ذلك شكل طرازاً معمارياً منوعاً ينشر في جميع أرجاء ايران؛ طراز معماري يتمتع بسمات بارزة وجماليات رائعة فريدة تميزه عن مثيلاته، وذلك نظراً لوجود بيئة وثقافة وتقاليد تختص بها كل منطقة دون أخرى.
ان أبرز طراز معماري يرتبط بتكييف الهواء في المبنى يتمثل في العبارة الهوائية (بادگير) التي هي عبارة عن أداة تولّد التيار الهوائي، وذلك من خلال تسخيرها الرياح التي تهب خارج المنزل او المبنى ومن ثم الانتقال بها الى الداخل.
يتم تصميم العبارات الهوائية (بادگيرات) وبناؤها بما يتناسب عادة مع حاجة المبنى ومدى استهلاكه من التيار الهوائي. وبالطبع كلما ازدادت ابعاد دخول الهواء من العبارات الهوائية، ازدادت نسبة دخول الهواء الى المبنى، فضلاً عن ان ارتفاع البادجير يؤثر ايجاباً على تحسن ادائه، والسبب في ذلك، هو الاختلاف الكبير في سرعة هبوب الريح في الارتفاعات المختلفة، لانه وعلى القرب من الارض تشير سرعة الرياح الى درجة الصفر، بيد اننا وكلما صعدنا الى مكان اعلى ازدادت سرعة الرياح حتى تستقر في كميتها ونسبتها الثابتة.
هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، نشاهد غباراً اكثر في المحيط المجاور للأرض يقل بالطبع كلما ارتفعنا عن الأرض. فبامكاننا، إذن كلما زدنا مستوى الارتفاع، ان نحصل على تيار هوائي ذي سرعة فائقة ونسبة غبار أقل.
يتم نصب مدخل العبارة الهوائية عادة في الطابق السفلي للمنزل، وذلك من اجل الاستفادة من برودة الجو في هذا الجزء من المبنى اضافة الى تكييف الهواء.
العبارات الهوائية التقليدية تعد نموذجاً رائعاً لفن الهندسة المعمارية، ذلك ان أهالي المنزل يتمكنون في ايام الصيف الحارة من الاستمتاع من جو معتدل داخل المبنى من خلال اعتمادهم على اجراء تصميم مناسب لنظام تكييف الهواء وبدون دفع أي تكلفة للطاقة، بحيث توفر البادجيرات جواً معتدلاً وبارداً في البيوت لإيصال اختلاف درجة الحرارة فيمابين داخلها وخارجها الى 30 درجة مئوية.
نشاهد في كثير من المدن الواقعة في وسط ايران وجنوبها أنواعاً مختلفة من العبارات الهوائية التي تم تصميمها وانشاؤها حسب سرعة هبوب الرياح واتجاهها في المناطق.
طريقة عمل البادجيرات هي بشكل واحد تقريباً، إذ تنتقل الرياح وبعد اتصالها بالجزء العلوي للبادجير الى ممرات معبأة فيه، حيث يمرّ التيار الهوائي هذا بالماء الموجود في داخل حوض الماء ومن ثم يوفر جواً معتدلاً وبارداً للغرف. (وكمثال على ذلك نذكر بادگير حديقة «دولت آباد» بمدينة يزد)، بيد أنه في المناطق التي المناخ فيها رطب، فيعبر التيار الهوائي من داخل ممرات جافة ويكيف الهواء الموجود في الغرفة. (مثل العبارات الهوائية في الموانئ الجنوبية لايران).
تنقسم العبارات الهوائية من حيث واجهتها الخارجية الى عدة أقسام: وأبسط أنواعها العبارة ذات جانب واحد وهي من النماذج الصغيرة جداً والتي يبنونها على أسطح البيوت. في هذه الأنواع من البادگيرات وتحسباً لعدم تعرضها للعواصف والزوابع المروعة الهدامة، يتم بناؤها ونصبها فقط على الجهة التي تحمل معها تيارات هوائية باردة ونسائم معتدلة، ويسدون باقي جهاتها.
وفي بعض الحالات، تبنى العبارات الهوائية على عكس جهة هبوب الرياح العنيفة، وفي الحقيقة تعمل هذه البادجيرات على عملية التفريغ الهوائي ومن ثم تكييف الجو. الطراز المعماري لهذه الانواع من العبارات الهوائية تقليدي وبسيط جداً وتبنى على أسطح المنازل وتمتد الى الفضاء الداخلي للغرفة، حيث تنصب كمدفأة في زاوية من الغرفة وتؤدي عملها وهو تكييف الجو. في اكثر المدن والمناطق الواقعة في محافظة سيستان وبلوجستان وفي أجزاء من مدينة بم يطالعنا هذا النوع من العبارات الهوائية.
أما النوع الثاني من هذه البادجيرات وهي ذات جانبين مزدوجين، لها نوافذ مرتفعة وضيقة ذات فتحة او فتحتين تتصلان حفرة او حفرتين في أسفل الباحة الداخلية للمبنى. توجد نماذج من هذه البادجيرات في مدينة سيرجان وقلما نجدها في كرمان.
اما النوع الثالث من العبارات الهوائية فذات جوانب ثلاثة، فهي تنقسم بدورها الى نوعين آخرين: البادجيرات ذات الزاويا والفتحات الثلاث المتصلة والبادجيرات ذات الجوانب الثلاثة غير المتصلة، وتستخدم هذه الانواع من البادجيرات حسب حاجات المبنى من التيارات الهوائية، إلا أن هذا النوع من البادجيرات لايستعمل كثيراً.
العبارات الهوائية ذات الجوانب الأربعة هي النوع الرابع منها، بحيث يتم تصميمها المعماري وبناؤها بشكل كامل ودقيق. في هذه البادجيرات، تنقسم ممراتها عادة الى عدة أقسام من خلال نصب جدران من الخشب أو الجص او الطابوق. في بعض النماذج من العبارات الهوائية هذه، كان المعماريون يبنون حوض ماء كبيراً نسبيا وجميلاً تحت ممرات البادجير، حيث يمر التيار الهوائي الجاف المحمل بالغبار بحوض الماء هذا وبعد اجتذابه الرطوبة الباردة وازالة الغبار منه، يكيف جو الغرفة في ايام الصيف الحارة.
وفي المناطق التي يتعذر فيها بناء حوض الماء في الطابق الأرضي منها، كان الأهالي ينقلون الماء الموجود في القنوات الى الطابق السفلى، بينما كانت ممرات البادجير تمتد الى هذا الجزء وتمرّ بالماء.
هذه الأقبية كانت محط اجتماع افراد العائلة في ايام الصيف الحارة، حيث يأخذون قسطاً من الراحة ويلتقون ببعضهم البعض. هذا النوع من العبارات الهوائية نشاهده في كل من يزد وكرمان وبوشهر.
اما في محافظة يزد وبعض المناطق الواقعة في وسط ايران، هناك عبارات هوائية متعددة الجوانب (ثمانية الأضلاع وحتى دائرية) تشكل النوع الخامس من البادجيرات.
اما النوع السادس والاخير من العبارات الهوائية فيتم تصميمها وبناؤها بشكل أنابيب اسطوانية منحنية لدخول الهواء منها في هذه البادجيرات، يستخدم المعماريون أنابيب منحنية على شكل الركبة لبناء الواجهة الخارجية بدلاً من شكل المكعبات، غير ان الممرات والأجزاء الداخلية لهذه البادجيرات تشبه الى حد كبير البادجيرات متعددة الجوانب ولا نرى نماذج من هذه العبارات الهوائية الا في مدينة سيرجان.
ومن اللافت القول ان بناء الواجهات الخارجية للبادجيرات وتزيينها بالطابوت او الطوب او الجصّ، يحظى بأهمية وخصائص معمارية فريدة في ايران.