خبراء البرنامج عبر الهاتف: الشيخ الدكتور علي العلي الاستاذ الجامعي من مدينة قم المقدسة، الاستناذة زينب جمعة الباحثة التربوية والاجتماعية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم أعزائي في لقاءنا الجديد مع برنامج "من الواقع" واليوم سيكون محور قصتنا حول عادات سيئة تتحول الى مرض وربما مرض خطير يدمر حياتنا وحياة من حولنا.. فقصتنا اليوم تحمل في طياتها معاناة من لا يستطيع أن يقف أمام رغباته الجامحة في تصرف معين قد يكون رغبة في البكاء أو تكون رغبة في الضحك في غير موقعه أو رغبة في الخروج عن المنطق. اليوم نتحدث عن ربة أسرة لا تستطيع أن تقف أمام رغبتها في التسوق والتسوق الشره وبدون مبرر أو داع.. كونوا معنا لنستمع الى قصة اليوم أولا، وسنعود معكم وكما هو معتاد سنستضيف أحد علماء الدين و المختصين النفسانيين او التربويين للإجابة على بعض التساؤلات التي تطرح سنلتقي مجددا بعد استمعانا لقصة اليوم...
مر صباح اليوم كالجحيم عليّ.. لقد ثار ثورة عارمة حين فتح الخازنة وتساقطت الأشياء أمام قدميه كل في جعبته حتى أنها لم تفتح بعد مكدسة في الخزانة، اشتاط غضباً وبدء بفتح بقية أبواب الخزانة والحال هو في كل مرة يجد الخزانة معبأة بالعلب المليئة بالمواد التي نحتاج والتي لا نحتاج اليها وكأننا على وشك أن نفتح متجراً كبيراً وإن بيتنا أصبح بما يشبه المخزن الكبير وقد تكدست فيه الأغراض والحاجيات... بدء ينثر الأغراض هنا وهناك وهو يصرخ ارحميني ارحميني.. طفح الكيل.. ماذا أفعل؟؟ هل أغلق الابواب وأجعل من بيتك سجناً لك.. لكي تشعري بي... قولي لي ماذا أفعل؟.. لم يعد بمقدوري تحمل عبء كل هذا؟ طفح الكيل؟.. صراخ وصراخ وصراخ.. لم أكن أسمع منه شيئاً سوى كلمات فارغة لم أستطع هضمها!! كلمات تمر على مسمعي بين الحين والآخر... كلمات لم تجد لها طريقاً لمسامعي ولعقلي...
وبعد خروجه لملمت العلب المتناثرة هنا وهناك وتمنيت لو أشتري خزانة كبيرة أخرى لكي أرزم بها مشترياتي وتمنيت لو كان لدي طاقة الإخفاء وأخفيها عن الأنظار بالأمس كان في المحال الكبير على ناصية الشارع يعرض خاتم جميل جميل جداً وياللأسف كان المحل مقفلا في ساعتها وعندما عدت بعد الظهر وجدت الخاتم قد بيع تألمت كثيراً من هي صاحبة الحظ التي استطاعت شراء ذلك الخاتم.. المشكلة الكبرى اليوم أن هناك مزاد علني أنا لا أملك المال، لم يترك زوجي درهماً واحداً لي لقد تعمد أن يتركني بدون مال.. منذ شهر كامل وهو يفعل ذلك.. لقد بدء بشراء ما نحتاجه بنفسه ويرفض إعطائي المال، هل يعقل ذلك كيف يفعل ذلك؟.. هل هو حق مشروع لديه؟..... لا أدري..
أشكر الله أن لي صديقات كثر وكل يوم يأتي الدور على واحدة منهن لكي أقترض المال منها.. ولكن كيف يمكنني أن أسدد كل هذا الدين؟؟ لا يهم سوف أجد الحل والحل السريع.. المهم الآن علي أن أفكر ممن اقترض المال اليوم؟؟ وجدتها سوف أذهب مع سارة الى المزاد العلني وهناك أطلب منها المال.. ما هي إلا ساعات وقد أخذت مكان الصدارة في المزاد العلني كل شيء عُرض كان رهيب وجميل كيف لي أن أمسك نفسي من شراء تلك الحاجات.. جلست أنتظر قدوم سارة.. ولكنها لم تأت.. وسرعان ما ابتدء الإعلان عن شراء كرسي هزاز... استطعت أن أمسك نفسي أمامه كان جميلاً ورائعاً.. ولكنني انتظرت سارة تأتي لكي أستطيع أخذ المال منها، ولكنها لم تأتِ... وذهب الكرسي وجاءت المرآة ذات الزخرفة الجميلة المرصعة بالأحجار الكريمة وكأنها تحفة فنية.. تناديني وتقول اشتريني أنا لن أكون لغيرك.... أمر متعب أن أجلس في ذلك المزاد ولا أستطيع أن أشتري شيء.. أين أنت يا سارة؟؟ أين أنت؟؟!!
من المؤسف أن لا أملك المال لكي أشتري كل تلك الأشياء التي عرضت ولكنني تدبرت أمري فقد كتبت تلك الصكوك على نفسي بالمناسبة عرض الخاتم الذي اعجبت به واشتريته، صحيح أن احداهن حاولت أخذه مني لكنني كنت أشطر منها واشتريت الخاتم.. نعم إنني كتبت تلك الصكوك على نفسي.. ولكنني وقبل أن يحل موعدها أكون قد سددت كل المبالغ وتكون كل مشترياتي في بيتي ملكي أنا وحدي.... عدت الى البيت وأنا أشعر بالفخر والإمتنان من نفسي لقد حققت نصر كبير على كل من في المزاد واستطعت أن اشتري معظم ما عرض صحيح أن المبلغ كبير قليلا ولكنني سأتدبره سأتدبره أنني مطمإنة من ذلك....
عندما وصلت الى المنزل اتصلت بسارة لكي أعرف لماذا لم تأت؟ اجابتني ببرود تام وهي تقول لي: في الحقيقة أنني لا أملك المال الكافي للذهاب الى المزاد!! آسفة لم استطع إخبارك قبل ذلك.. وكأنها تعمدت فعل ذلك معي.. اتصلت هنا وهناك اتصلت بأخي توسلت به لكي يقرضني بعض المال لكي أسدد تلك الصكوك ولكنه رفض رفض وبشكل صارم وهو يقول لي لقد طفح الكيل وأصبحت تصرفاتي هذه لا تطاق وأنني خرجت عن السيطرة.... ماذا يقصد بذلك وما معنى أنني خرجت عن السيطرة.. هل استحق كل ذلك؟ ما الذي فعلته كل ما في الأمر أنني أحب أن أشتري وأشتري وأشتري... لسنوات طوال حرموني من أن اشتري أبسط حاجاتي.. وحين تزوجت بدء زوجي بإعطائي المال لكي أتسوق.. وحين تسوقت للمرة الأولى كانت هناك متعة ما بعدها متعة، اشتريت كل ما وقعت عليه يداي.. صحيح أن زوجي يومها ضحك كثيراً وهو يقول هل أنت مجنونة ماذا نفعل بكل تلك الاشياء؟ والواقع أن كلامه كان صحيحاً ففي اليوم التالي رميت معظم مشتريات في مكب النفايات..
مرت الساعات مسرعة وأنا أحاول أن أحصل على المال لكي استرد الصكوك التي كتبتها على نفسي كيف لي بالخروج من هذه الورطة التي وقعت بها.. لو صارحت أخي وأخبرته بموضوع الصكوك ربما كان يمكن أن ينقذني من هذه الورطة المسألة انني أعرف رأي أخي بي فهو يقول دائماً أنني متهورة وتصرفاتي كلها لا تعجبه. علي أن أتصرف بسرعة كبيرة لكي أخرج من هذا المطب الذي وقعت فيه.. ذهبت الى خزنة مجوهراتي لعلي أستطيع بيع شيء رغم أن قلبي لا يطاوعني على ذلك ولكنني فوجئت بأن زوجي قد وضع رمز سري جديد للخزانة.. اتصلت به وطلبت منه أن يعطيني الرقم الجديد ولكنه رفض وبشكل قاطع... وقال عندما يعود الى البيت سوف يعطيني ما أريد بنفسه..
اليوم أنا في ورطة كبيرة علي أن أفعل شيء سريع كل من حولي فقد ثقته بي وربما عرف الجميع أن لدي هوس كبير في التسوق لا أستطيع السيطرة عليه وبدءوا بمحاربتي، أنا اليوم في ورطة كبيرة على الرغم من ان استدنت المبالغ كبيرة من صديقاتي ولكنني اليوم تجاوزت كل حدود وكتبت تلك الصكوك على نفسي هذا أمر خطير وأخشى إن قلت لزوجي شيء قد تصبح حياتي الزوجة على المحك وإن أخبرت أخي قد يجن جنونه وربما يخرج عن سيطرته كما في السابق، الأمر أصبح معقد بالنسبة لي ولا أعرف ما الذي أفعله؟
الأمر خرج عن السيطرة لدي بطلتنا كما تتصور وهي التي ورطت نفسها ومن حولها واليوم تبحث عن مخرج ولا تبحث عن علاج ينقذها وينقذ من حولها؟؟
كما اعتدنا اعزائي المستمعين استضفنا في حلقة اليوم سماحة الشيخ الدكتور علي العلي الأستاذ الجامعي من مدينة قم المقدسة و بعد أن عرضنا عليه قصة اليوم سألناه ما هو حكم الشرع في مثل هذه الحالة وما هو الوصف الحقيقي لهذه الحالة هل هي نوع من التبذير او مرض يستوجب المعالجة ؟
العلي: بسم الله الرحمن الرحيم هنا عندما ندخل الدائرة التشريعية في هذا الامر كفقه وكرأي فقهي نجد ان الفقه يستطيع ان يفرزها من جهة انه تحت بوابة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والانتظام في طبيعة تعامل الفرد مع معطياته ومع ممتلكاته فيكون هنا اقصى مايطبق ان يكون في دائرة الاسراف من هنا يدخل التشريع كحكم رادع وكحكم وقائي من ان تتفشى مثل هذه الظاهرة فتصبح مدعاة ان يكون المجتمع بهذا الاسلوب، هنا نأتي الى هذا العلاج فيكون تحت بوابة الاسراف وهناك احكام متعلقة بالاسراف من ضمنها انه نرى هل لها اهلية في هذا التعاطي مع اموالها وماتمتلك او ان نعطيها بحدود معينة هنا يدخل دور الاسرة في هذا الامر او ولي الامر سواء كان اباً او زوجاً او غيره فيتدخل ليحد من هذا التفشي وهذا التبديد غير المبرر لما تمتلك، هذا الردع مع الاستمرار سوف يؤدي في النتيجة مع ارتفاع الوعي في مثل هذا المثال او الشخص المنصب عليه سيؤدي الى ان تتجنب ان تتصرف بهذا التصرف فنبدأ بحد معين من السلطة المالية لها على الشراء وشيئاً فشيئاً يكون لديها الوعي بأنها تبدأ تنقي بدقة ماتشتري فتتخلص تدريجياً ولكن بحكم تشريعي وهذا لايعني ان الشريعة فقط تقدم هذا الحل، هي الدائرة التنظيمية على مستوى التشريع التي تأتي من الفقه لكن لابد ان تأتي من علاجات اجتماعية وعلاجات اخرى حتى تكون المنظومة كاملة يعني الفقه اعطى الحد الفاصل وهو ان تكون مسرفة اذن لابد ان يكون هناك قوامة على تصرفاتها المالية واعطاءها دائرة اضيق في التحرك من سلطتها على المال فيأتي العلاج النفسي مدعوماً بالحكم الشرعي فيكون هناك حد معين في ان يرتفع وعيها في التعاطي مع ماتمتلك من مال فيكون انتقاءها ادق، طبيعة شراءها ادق فسيكون هناك انتظام في جميع هذه الامور وتدخل في دائرة الانسان السوي الذي يتعاطى مع ممتلكاته بحرص وبتدبير، هذا في الاطار العام لربما في الرؤية التي يمكن ان نفسر فيها دائرة التشريع في الاطار العام.
شكرا لسماحة الشيخ على اجابته على أسئلتنا وكما اعتدنا في الحلقات السابقة أن نبحث عن حلول مع احد الباحثين الاجتماعيين واستضفنا في حلقة اليوم الاستاذة زينب جمعة الباحثة التربوية و الإجتماعية من لبنان و بعد عرض القصة عليها سألناها برأيها ما هي الأسباب والدوافع لوصول تلك المرأة الى تلك الحالة ؟ وهل يمكن لزوجها أو أخوها أن يخرجها من تلك الحالة وما هي الطرق التي يمكن استخدامها باختصار؟
جمعة: بسم الله الرحمن الرحيم هذه المشكلة اذا كانت مشكلة مستفحلة يمكن ان تصنف لمسئلة الادمان على التسوق واصبحت للاسف مشكلة موجودة بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية والاسلامية ولهذه المشكلة نوعين من الاسباب، النوع الاول اسباب اجتماعية اقتصادية والنوع الاخر من الاسباب هي اسباب نفسية، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي هناك عدة متغيرات جديدة طرأت على مجتمعاتنا اهمها وجود الوفرة المادية عند بعض الطبقات الاجتماعية يعني لم يكن هناك تسوق اذا لم تكن هناك اموال موجودة بشكل كبير، النوع الاخر او السبب الاخر هو تغير انماط البيع والشراء يني وجود اليوم مايسمى بالمول الكبير، المراكز التجارية الكبيرة والضخمة والتي تقدم خيارات كبيرة وهائلة امام المشتري، ثالثاً حملات الاعلانات المستمرة يعني تقدم الاعلانات بشكل كبير ورابعاً تحول مجتمعاتنا العربية والاسلامية من مجتمعات انتاجية الى مجتمعات استهلاكية على النمط الغربي فكل الناس يسعون ويركضون وراء الاستهلاك والمشكلة الكبرى هنا برأيي هي التغير في القيم يعني اصبح الانسان بدلاً من ان تكون القيمة العليا للانسان في علمه او في اخلاقه، الانسان رجل كان او امرأة اصبحت القيمة العليا فيما يملك هذا الانسان. فيما يتعلق بالاسباب النفسية، الاسباب النفسية تدخل في الحالات الفردية لكل شخص هي اولاً وجود الفراغ الكبير في حياة المرأة يعني لايوجد شيء مهم تملأ وقتها به، ثانياً معاناة هذه المرأة من قلق واحباط وتوتر يجعل من التسوق يبدو وكأنه نوع من العلاج الذاتي لتسكين القلق والتوتر الذي يعتمل في داخلها، ثالثاً يمكن ان تكون المشكلة لديها منذ الطفولة وتتمثل في الحرمان العاطفي وعدم حصولها في سن الطفولة على الاشباع العاطفي والتقدير المطلوب اذن الادمان على التسوق قد يكون بداقع عن ضغوط قد يتعرض لها الانسان او تتعرض لها المرأة او نتيجة المعاناة من قلق او احباط كما ذكرنا يعني السبب من قيام الشخص بالشراء المرضي لايكون بدافع الاحتياج وهي طريقة للخروج من مشكلة او مأزق تعرض له او وسيلة يحاول التكيف بها مع الموقف الذي يسبب له الضيق، كيف يكون العلاج الفعلي لهذه المشكلة؟ اولاً ان يعي المشكلة وان يعترف بها، ثانياً لابد من احتضان العائلة لهذا الشخص يعني سواء الزوج او الاهل المحيطين بهذه المرأة لأن التأنيب والذم واللوم المستمر قد يدفع بهذه المرأة الى الاستمرار في سلوكها الخاطئ، اولاً يجب ان تشعر هذه المرأة بأهميتها كشخص، كأنسان وليس كمستهلك يشتري الماركات والملابس الغالية والخ فأذا لم تنفع هذه الامور افضل في هذه الحالة استشارة طبيب نفسي او متخصص نفسي ربما كانت تعاني من اكتئاب او قلق مرضي وقد تحتاج الى علاج متخصص بالادوية وفي كل الاحوال لابد ان يتم التعاطي مع هذه المرأة بتفهم وبتأني، لايجب ان تعطى اموال بشكل كبير، يجب ان يكون مقدار المال الذي يعطى لها مقدار كافي فقط لأحتياجاتها بالاضافة الى الامور الاخرى التي ذكرتها.
في الختام لا يسعنا الا أن نشكر كلاً من الشيخ الجليل الدكتور علي العلي الاستاذ الجامعي من قم المقدسة والأستاذة زينب جمعة الباحثة التربوية والاجتماعية من لبنان، على مشاركتهم معنا في لقاء اليوم الى اللقاء في موعد جديد.