خبراء البرنامج عبر الهاتف: السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة، الدكتورة اميرة برغل الاخصائية التربوية من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم أحبتي المستمعين الأفاضل في يوم جديد ولقاء جديد مع برنامج "من الواقع" واليوم سنتحدث عن حبال الكذب قصيرة وخيمة العواقب.. وكما اعتدنا في حلقاتنا السابقة سنستضيف أحد علماء الدين والمختصين النفسانيين أو التربويين للإجابة علي التساؤلات التي تطرح... سنلتقي مجددا بعد أن نستمع معا لقصة اليوم...
في ذلك اليوم لم أجد أمامي سوى الكذب للنجاة من غضب زوجي وقد أضعت ذلك العقد الذي أهداني إياه في عيد ميلادي اضطررت للقول أن إحدى صديقاتي استعارته مني دون أن أفكر في الغد وما الذي سيحدث فيه... خرجت الكلمات من فمي تتهاوى مسرعة دون أن تقف ولو لثانية واحدة وتفكر وماذا بعد؟ مر أسبوع كامل على فقدان العقد وكلما بحثت عنه كانت جهودي تذهب في مهب الريح.. حاولت أن اخبره بالحقيقة كذا مرة لكنني أجد نفسي أكذب وأكذب أكثر فاكثر...
اقترحت على احدى صديقاتي أن أضع بدل عقدي عقد آخر مزيف أطلب من الصائغ أن يصنعه لي مقابل ثمن قليل جداً أستطيع تحمله... اعجبتني الفكرة ودون أن أفكر بعاقبتها مضيت فيها وجدت عقدا مشابها لعقدي النفيس ووضعته في مجوهراتي وكأن شيئاً لم يكن... ولكن ضميري كان يؤنبني ويؤرقني وفي كل يوم أشعر بأنني ارتكبت جريمة بشعة لا بد لي من الاعتراف بفعلتي هذه لزوجي فقد اصبحت كاذبة كبيرة ومزورة .. كيف لي أن أسامح نفسي وكيف لي أن أطلب السماح من زوجي؟ وكيف له أن يثق بي بعد الآن؟
كل شيء بقي هادئاً حتى احتاج زوجي أن يبيع بعضاَ من المجوهرات ليسد نفقات إحدى الصفقات وقال أنه سيعوضني بأفضل منها لم أتنبه يومها لكذبتي تلك، حيث أنني لم أتوقع أنه سوف يأخذ ذلك العقد بالذات ليبيعه... مبرراً أن قيمته سوف تسد كل المصاريف.. وفي صباح اليوم التالي أخذ العقد معه دون أن يكون لي علم بذلك ليبيعه... وبعد ساعات اتصل من محل عمله وهو يقول لي أي صديقة من صديقاتك استعارت العقد لقد استبدلته بعقد مزيف إنها سارقة يجب أن تتحمل تبعات فعلتها هذه... وقفت صامتة لا أستطيع أن أجيب بكلمة واحدة حاولت أن أتملص من سؤاله لكنني لم أجد منفذاً لي سوى أنني اتهمت احدى صديقاتي بذلك وأنني سوف أسوي الأمر معها وطلبت منه عدم التدخل حتى أتحدث معها... لكنه لم يصغ لي ولكم أن تتخيلوا ما الذي حدث لتلك المسكينة وزوجها... اليوم صديقتي تلك تتحمل وزر تهمتي الباطلة لها وانا اجلس في مكان لا افعل شيء.
صديقتي رفضت التهمة التي الصقت بها بشدة وبعد بحث طويل استطاعت أن تنفذ وأن تثبت براءتها من التهمة التي وجهت اليها... ولكن زوجي لم يقتنع بحكم المحكمة بأنها بريئة ولم يشك للحظة واحدة أن من فعل تلك الفعلة الشنيعة هي أنا.. ولكي أبرر موقفي بت أكذب الكذبة تلو الأخرى وبدلاً من الخروج من كذبي وخداعي وإظهار الحقيقة أصبحت أغرق في كل يوم بكذبة أكبر.. قولوا لي ما الذي يمكن أن أفعله أنا حائرة أخاف على حياتي الزوجية إن اعترفت بكل تلك الأكاذيب وتلك الأفعال... وإن تركت زوجي يؤذي صديقتي دون أي مبرر وبذلك أكون شريكته بالظلم الذي ينوي القيام به تجاه تلك العائلة البريئة؟
الشعور بالذنب شيء جميل ولكن العمل على التخلص من ذلك الذنب هو المطلوب، صديقتنا تلك بدأت بكذبة واحدة ولو أنها تحملت زوجها في لحظات غضبه كان أجدى وأنفع لها ولعائلتها ولأصدقائها ولكنها فضلت الكذب، فضلت الطريق الخطأ والذي يؤدي الى أسوء المهالك والمتاهات التي تجر صاحبها الى الهاوية لا محالة... فبكذبتها تلك اضطرت الى القاء التهم على الناس فهل يمكن أن يكون طريق الكذب هو الحل المثالي؟ فضيلة الشيخ السيد حسن الكشميري الباحث الاسلامي من قم المقدسة. نرحب بوجودكم معنا... كيف يمكن للنفس البشرية أن توقف ماكنة الكذب تلك التي تؤدي الى الهلاك في معظم الاحيان؟

الكشميري: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطيبين الطاهرين.
الكذب من اخطر القبائح واقبح الصفات وورد النهي عنه كثيراً عن طريق القرآن والسنة والنبوية والتأكيد على جده وهزله لأنه احياناً يبتلى الانسان فيكذب هزلاً او من قبيل المزاح او المطايبة وهنا اذكر جواباً للامام امير المؤمنين سلام الله عليه لما سأله رجل ياابا الحسن ماذا تنصحني بشيء يهمني؟ فقال له الامام امير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: اتق الكذب، هذا الرجل بعد فترة شاهد الامام علي بن ابي طالب قال ماذا صنعت بي ياابا الحسن والله لقد سددت علي ابواب الخطايا كلها! بمعنى ان الكذب والعياذ بالله هو يفتح ابواب الرذيلة ويسهل ارتكاب الجنح للانسان لذلك الامام الصادق عليه السلام سئل ياابا عبد الله: هل المؤمن يشرب الخمر؟ الامام قال: ممكن، قيل: يقتل؟ قال: ممكن، قيل: يفسق؟ قال: ممكن، الى ان قال الرجل المؤمن يكذب؟ قال الامام: لا المؤمن لايكذب ! اذن اعظم مؤشر لسلامة الايمان واعظم مؤشر للانسان بأنه مؤمن اذا ضمن الصدق من نفسه، ان يكون صادقاً، يحتاج للانسان ان يكون شجاعاً وليست الشجاعة في حمل السلاح والدخول الى خنادق القتال فقط، هناك شجاعة اعظم منها وهو اتخاذ القرار الصارم بأن لايكذب الانسان في حياته فأذا اتخذ قراراً واصبح شجاعاً فقد سلك طريق الفضائل. من الرخص التي يستحسن فيها او نقول يقبح فيها الصدق اخبار الرجل بما يكره يعني مثلاً الزوجة وقعت في حرج ولااريد ان تغضب زوجها وتجرح شعوره في اطار اخبار الرجل بما يكره، مثلاً طبيب مؤمن متدين يقرر ويصمم ان لايكذب ولكن جاءه مريض ولما راجعه شخص الطبيب ان فيه مرض خطير لكن لو يصارحه بصدق ربما المريض ينهار هناك ويسقط ارضاً فهنا الطبيب يستحسن ان لايصارحه بالصدق فيقول له لا الامر بسيط وهناك من هذه الموارد كثيرة يمكن للانسان ان لايستخدم الصدق والواقع وانما يعمل تورية او مثلاً هنا في مجال الرخصة للانسان ان لايقول الحقيقة ليقرب بين وجهتين النظر المتباعدتين او ان لايستاء الطرف او ان لايكون الغرض شخصياً وانما الغرض اخلاقياً.
نرحب بالدكتور او الباحث الاجتماعي الدكتورة اميرة برغل الاخصائية التربوية من لبنان. ونشكر لكم حسن الاستماع والمتابعة.. في رأيكم الكريم لماذا يكذب الانسان؟ وهل هناك آلية معينة يمكن معها السيطرة على الكذب وايقافه عند حد معين؟
ثم في حالة هذه القصه أليس ردة الفعل العنيفه للأزواج أحيانا تقف وراء كذب زوجاتهم ؟؟
اذا كيف نوصي بإزالة دواعي الكذب في علاقاتنا وسلوكياتنا الإجتماعيه؟؟
برغل: بسم الله الرحمن الرحيم الكذب عندما يكون الانسان فوق عمر الطفولة يعني هذا العمل يقوم به الانسان عن قصد وعن وعي، يعني عمر تحت السبع او الثمان سنوات نقول من يكذب لايعرف تماماً الموضوع، فوق هذا العمر فهو يكذب عن قصد وعن وعي وان كان راشداً وكبيراً فيعني هذا العمل مقصود فكيف يمكن ان نفسر ذلك؟ نفسر ذلك بأجد سببين اما ان يكون هذا الانسان ليس لديه منظومة قيمية ثابتة فهو انسان ذرائعي يعني يبرر لنفسه ان يفعل اي شيء حتى لو لم يكن اخلاقياً من اجل ان يحصل على مكاسب شخصية وهو تربى هذه التربية وبالعموم تكون عنده نقص في التربية الاخلاقية والتربية الدينية بالخصوص وبالتالي يسوغ لنفسه الكذب من اجل مايجده مصلحة لنفسه وهذا الامر مشكلة واذا كان على نطاق الاسرة وبين الزوج وزوجته وبين الزوجة وزوجها فلايمكن اصلاحها الا بأعادة التربية لهذا الانسان من جديد وتوبته وتغيير منهجه الاخلاقي في الحياة اما السبب الاخر فيمكن ان يكون الانسان لديه منظومة قيمية واخلاقية وهو فعلاً لايحب الكذب وليس وصولياً ولانفعياً ولكن الطرف الاخر الذي يعاشره او الذي يتعامل معه طرف مستبد متسلط لايتفهم لايحاور قاسي في التعامل ويجد الانسان انه لاسبيل في الاستمرار في الحياة بشكل معقول الا عن طريق اخفاء بعض الحقائق وبالتالي يبرر لنفسه اخلاقياً وشرعاً انه مضطر يعني كما يقال انه يبيح لنفسه الكذب على انه من اجل مصلحة اكبر كأن يكون الزوجة زوجها من الذين يتسلطون فعندما تخطأ هي اي خطأ فيعنفها تعنيفاً شديداً او انه ممكن ان يؤذيها بالكلام او بالعنف او بأي شيء وقد اخطأت خطأ معيناً ولانجد انه ممكن ان يتفهمها في هذه الحالة تجد نفسها مضطرة الى الكذب ولانبرر طبعاً هذا العمل ولكن نقول لماذا يضطر بعض الازواج للكذب؟ مثلاً ممكن ان يكون هناك امرأة كثيرة الشك، كثيرة الغيرة، لاتتفهم ظروف عمل زوجها وبالتالي كلما تغيب شيئاً من الوقت اذا قال لها اني كنت في المكان الفلاني يمكن ان تدخل في سين وجيم معه فيضطر لأخفاء بعض الحقائق وطبعاً هذا العمل غير مبرر وهنا الحل في ان يكون هناك حواراً بين الطرفين وان نحمل الطرف المتسلط على ان ينحو منحى متفهماً حتى لايضطر الطرف الاخر اخفاء بعض الحقائق عليه وقد يسمى هذا كذباً او يسمى تقية اذا اردتم طبعاً في كل الاحوال الكذب عمل سيء جداً وهو مستنكر في الشرع وهو غير مباح الا في ظروف ضيقة جداً ومنها فقط حفظ الروح والاصلاح والعلاج لايكون الا بأعادة بناء الانسان على اسس اخلاقية ودينية صحيحة.