خبراء البرنامج عبر الهاتف: السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من قم المقدسة، الدكتورة هدى رزق المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم اعزائي مجددا ونحن نستعد لبدء حلقة جديدة من برنامج من الواقع واليوم سنتحدث عن استغلال الآخرين لنا قد يكون من اقرب الناس لنا وتجاهل وجودنا كبشر يريد أن يحيى حياة كريمة.. وكما اعتدنا في حلقاتنا السابقة سنستضيف احد علماء الدين وأحد الباحثين في الأمور النفسية او التربوية او الاجتماعية ليساعدونا في الاجابة على بعض التساؤلات التي تطرح... سنلتقي مجددا بعد ان نستمع معا لقصة اليوم...
اليوم أتمت الرابعة والأربعون من عمري، قبل عشر سنوات نظرت الى المرآة ورأيت كيف أن سحب بيضاء بدأت تتسلل سمائي وبدء الشيب يتسلل بين خصيلات شعري الأسود.. وشعرت بمرارة مرور العمر وأنا أشبه ما كون بشجرة عقيم تقف على حافة الطريق ليتفيء بظلها كل من اتعبه طول المسير هكذا أنا اليوم... بدأت سنوات حياتي ترتسم شكلها ومسارها عندما مرضت أمي وأصبحت عاجزة عن المشي فكان اول قرار صدر في حقي هو تركي للمدرسة والجلوس في المنزل لكي اخدم أمي واخوتي الكبار واختي الصغيرة وأبي المتصلب..
كلما جاء احد لخطبتي كان الرفض اول وآخر الكلام ليس هناك في البيت من يخدم الجميع الاخوة والاخت الصغيرة المدللة والام المقعدة ليس هناك من يقوم بمقامي.. علي ان اخدمهم جميعاً وفي أسوء الاحوال كانوا يضعون الشروط على الخاطب والشرط الاول هو أن يسكن معهم في المنزل لكي يضمنوا بقائي في خدمتهم طوال العمر... مرت السنين والأيام وأنا كالبيت الواقف.. جاء موعد زواج اخوتي وربما مع وجود زوجة اخ يمكن أن أتحرر وأن أجد لنفسي منفذا صغيراً وأحيى حياة طبيعية كما وهبني الله اياها...
مع زواج اخوتي كان الأمر في اسوء حال حيث اصبحت خادمة بمعنى الكلمة لكل من هب ودب وليس لي حق الاعتراض وكأنني مرتكبة لجريمة كبرى.. كانوا لا يرون احزاني وألمي كإنسانة تعيش وتحيى بينهم.. كانوا هكذا يرونني.. قطعة خشبية او آلة حديدية يمسح بها الأرض كلما رغبوا في ذلك.. في ليالي عمري الطويل كنت أشق طريقاً من النور باحثة عن مخرج ولو صغير ولكنهم يسلبونه مني بأيديهم بمحض وكبرياء وغرور.. وكلما حاولت أن أشتكي حالي لأمي والتي يفترض بها أن تكون أحن من البقية علي أجدها أسوء من البقية فهي لا تفكر الا بنفسها وبحالها فهي تخاف من عاقبة أن لا تجد من يخدمها وأن يقوم بكل متطالباتها... وما زاد الامر سوءاً هو زواج أبي من امرأة أخرى.. وبدأت كل عقد الدنيا تصب على رأسي من أمي وزوجة أبي وزوجات اخوتي واليوم زفاف اختي الصغرى المدللة وأنا انظر بعيني ولا يحق لي البصر... واسمع باذني ولا يحق لي الاستماع.. ولدي لسان ولكنه أخرس أصم لا يجوز له النطق وكل ذنبي أنني كنت الأخت الكبرى..
وفي يوم من الايام خرجت مع أمي الى الدكتور وهناك رأيت احدى رفيقاتي في الدراسة كان برفقتها زوجها وأطفالها الثلاث كان وجهها مفعم بالحياة يشع بالأمل كلما نظرت الى زوجها وابنائها.. وأنا كان وجهي ينطق باليأس وفقدان كل بادرة أمل ولو كانت صغيرة... فالحال كما هو منذ أعوام وأعوام مرت علي وأنا هكذا... أنهض من الصباح الباكر وأعد الفطور وقبل أن أفطر أخرج لشراء احتياجات المنزل واعود لاقوم بأعمال المنزل من تنظيف واعداد الطعام بالاضافة الى واجباتي اتجاه والدتي المقعدة ولا يخفى على أحد ما يكون من واجب....
اليوم فتحت علي ابواب جديدة وكأن الذي مضى لم يكن كافياً عليَ لتفتح هذه الأبواب علي اطواق جديدة تعلق على عنقي... حيث ان زوجة ابي بعد ان تمكنت من ابي مدت نفوذها نحو اخوتي وزوجاتهم وهي الآن الآمرة الناهية في البيت.. فهي لديها اخ غير مسؤول بمعنى الكلمة ولا يتق الله في كل شيء وهي تبحث له عن امرأة منذ زمن بعيد.. هي لم تفكر بي قبل اليوم لأن عمري تجاوز الثلاثين ولكن اليوم وقد أظناها البحث والكل يرفض طلبها لأنهم يعرفون من يكون أخيها وجدت ضالتها فيّ أنا بيت وخادمة وراحة... ورسمت خططها واتهمتني بابشع الاتهامات ووضعتني موضع شك وريبة لدى أبي وإخوتي.. ولأنها المنقذ للعائلة وقد وجدت الحل السريع وهو زواجي وبأسرع وقت ممكن من أول خاطب لي.. وبالطبع كان الخاطب الأول هو أخوها..
اليوم أقف أنا بين نارين النار الأول هو أن يبقى الحال على ما هو عليه وأن تستمر حياتي على وتيرة الروتين وخدمة الآخرين دون ملل أو كلل.. والنار الثاني هو أن أتجرع أن أكون زوجة لرجل لا يعرف الله.. وكيف لي وأنا الضعيفة من مواجهة التيار المعادي لي من زوجة أبي وإخوتي وأمي التي أغراها بقائي في المنزل بعد زواجي من ذلك الرجل.. يا ترى هل هناك حل ثالث أمامي أم أن قدري يحتم علي أن أتحمل استغلال الآخرين لي والبقاء في زاوية ذلك البيت العتيق مركونة والى الأبد... أنا كل ما أريده هو أن يعرفوا.. بأن لي عقلاً يفكر وقلباً ينبض وصدقاً يحكي قصة إنسان يعيش داخل أربعة جدران.
كل منا يمضي في طريقه ويبحث في هذه الحياة عن منفذ له وعن حياة كريمة يحيها وننسى أننا قد ندمر حياة امرء له دور كبير في حياتنا وقد ضحى وعانى من اجلنا ولكننا ننساه وكأن واجبه هو التضحية والعيش في خدمتنا وكأنه خلق ليكون ضحية لنا دون أن نقف ونتأمل لماذا هذا الشخص يبقى على هذه الحال ونحن تمضي حياتنا وتزهو احياناً وتخبو احياناً أخرى ولكنها ماضية ونحن نحياها بتفاصيلها الصغيرة والكبيرة... هذه قصة اليوم وهي قصة من القصص التي تمر علينا يومياً ونحن لا نشعر بها، ليس بالضرورة أن تكون أخت لنا ربما ابنتنا وربما أمنا وربما اخ كبير لنا وربما عمة او خالة فالضحايا التي نصنعها نحن بنفسنا لأنفسنا كثر.. و السؤال هنا هل يجوز لنا شرعاً أن نبقي أحد أفراد الأسرة لخدمة الجميع دون أن نتوجه له ونلبي له طلباته كإنسان يعيش معنا وهو حر الاختيار أن يبقى أو يرحل؟
ما الذي يمكن أن تفعله هذه الفتاة وهي تقف في منتصف الطريق لا تعرف أي الطريقين تسلك؟ هذه الاسئله وجهناها لسماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من قم المقدسة، الدكتورة هدى رزق المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً هذه قصة تتكرر في بعض البيوت مع الاسف الشديد، مع الاسف بعض الاباء يعضلون البنات من الزواج من اجل مصلحة شخصية وحتى تخدمه في البيت وهذا امر خاطئ جداً يعني الاب لايسمح لأبنته بالزواج ليستفيد منها في بيته وهذا طبعاً من الاخطاء الكبيرة التي يقع فيها بعض الاباء الذين لاينظرون الا لأنفسهم فهذه من سعادة الرجل انه هو يسعى في تزويج ابنته، طبعاً لايجوز ان تؤخر البنت من قبل الاب، مع الاسف الشديد هذا يعني تعضيل وتأخير للبنت وللاسف الاباء قد ينظرون نظرة ضيقة الى الامور، من سعادة الرجل ان يزوج ابنته في اول بلوغها، اول ماتبلغ على الاب وعلى الوالد ان يسعى في تزويج ابنته ولهذا في القرآن يشير الى شعيب عليه السلام "اني اريد ان انكحك احدى ابنتي هاتين" يعني النبي يسعى الى التفتيش والبحث عن الرجل الصالح لأبنته فهذا الذي عمله هذا الرجل بتأخير ابنته عن الزواج للمصلحة الذاتية والشخصية هذا طبعاً لايحوز شرعاً وينتفي خلق الانبياء والمرسلين. هذا يتعلق بها، "ان الانسان على نفسه لبصيرة" هي ان ارادت ان تصبر ولن تجد رجلاً ملائماً لها من دين او خلق "من جاءكم من ترضون خلقه فزوجوه".
شكرا لسماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من قم المقدسة،
كما نستضيف ونرحب ب السيد عبد السلام زين العابدين استمعتم معنا لمعاناة فتاة تحيى في كنف عائلة تجاهلت كل متطلباتها كانسان طبيعي يعيش حياة كريمة وحرة؟ ما الذي يمكن ان تفعله هذه الفتاة للخروج من ازمتها هذه وهل هناك حل ثالث تبحث عنه؟
رزق: اعتقد انه تم استغلال هذه الفتاة كغيرها من الفتيات لأنه هنالك بعض الفتيات في بعض المجتمعات حيث تكون الاسرة بحاجة الى خدماتهن وتعجز هذه الاسرة ان يكون لديها خادمة او احد لمساعدتها فيتم استغلال الفتاة وليس فقط لخدمة والدتها بل ايضاً لخدمة اخواتها واخوانها ايضاً فبالتالي مما يؤثر على مستقبلها فلاتذهب الى المدرسة وتصبح غير متعلمة ولاتكتسب اي خبرة من اجل العمل خارج المنزل وهكذا في عمر الرابعة والاربعين او الاربعين من عمرها يكون قد قضي على مستقبلها كأمرأة من حيث الزواج والانجاب الخ، فممكن ان تتمسك بأول عابر او قادم وممكن هذا القادم الذي يطلب الزواج منها هو غير اخلاقي او الخ، انسان غير سوي او غير جيد فنصيحتي لهذه الفتاة هي ان لاتقدم على هكذا زواج من اجل التخلص من وضعها وان لاتبقى على وضعها فهي الان في سن يسمح لها بأتخاذ القرار، هي بأمكانها ان تأخذ قرارات مختلفة اي ان تنتمي الى مجتمع مختلف، ان تخرج الى العالم، ان تنتمي الى جمعية من جمعيات المجتمع المدني وان تقوم بالتعلم على يد هذه الجمعية اي محو الامية وان تتعلم مهنة ما وان تنطلق الى العمل او في هذه الجمعية او في منظمات اهلية، تنتمي الى المجتمع الاهلي وبالتالي يمكنها ان تتعرف على العالم الاوسع، العالم الاوسع الذي هو خارج هذا المنزل وان تتعرف على مجتمع مختلف وبالتالي يمكنها ان تختار مساراً مختلفاً لحياتها، العلم، التعلم هي مسئلة اساسية واعتقد ان هناك منظمات مجتمع مدني وان هناك منظمات اهلية تقوم بتعليم الفتيات ومحو الامية وتعليمها مهنة ما لكي تعيل نفسها وايضاً تكتسب افقاً جديداً في حياتها قبل فوات الاوان.
في الختام نشكر كلا من فضيلة الشيخ السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من قم المقدسة والدكتورة هدى رزق المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان على حضورهم ومعنا ومشاركتنا في الاجابة عن التساؤلات التي تدور في ذهننا في مثل هذه الحالات كما ونشكر وجودكم معنا ونستودعكم الله على أمل اللقاء في موعد جديد من "من الواقع".