بسم الله الرحمن الرحيم
خبراء البرنامج عبر الهاتف: الشيخ عبد الله اليوسف الباحث الاسلامي من السعودية، الاستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحباً بكم أعزائي في لقاء مجدد من برنامج من الواقع وحديثنا اليوم عن الشك والغيرة من منا لم يمر بمثل هذه الحالة هناك من يعيش هذه الحالة وبصورة مرضية تحول الحياة المشتركة الى جحيم واقعي يدفع الأطراف للبحث عن الطمأنينة في مكان آخر كما هو حال قصتنا لهذا اليوم.. كونوا معنا لنستمع الى قصة اليوم وسنعود معكم وكما هو معتاد سنستضيف أحد علماء الدين ومختص تربوي نفسي او اجتماعي للحصول علي الإجابة على بعض التساؤلات التي تطرح... سنلتقي مجددا بعد استماعنا لقصة اليوم...
ليلة الأمس لم أستطع النوم طوال الليل وأنا أفكر لمن يعود ذلك المنديل، إنه منديل نسائي ماذا يفعل في جيب زوجي... كانت تمر علي لحظات غضب وأتمنى لو أطبق على أنفاسه لكي يقر ويعترف بالحقيقة ومرة أخرى أعود وأقول لنفسي لا لا والف لا لن يفعلها زوجي وأنا أعرفه... عشنا معاً سوية تذوقنا حلاوة الحياة معنا وتجرعنا مرها معاً، كيف يمكن له أن يخونني بعد كل تضحياتي وبعد أن أفنيت عمري معه ومع أولاده.. وتأتي ساعات البكاء ألماً على حالي وعلى ما فرّطت به في حياتي من أجل رجل في نهاية المطاف يخونني.. وتمر ساعات أخرى في سكون وهدوء يثير الشك في نفسي ويملأه الشيطان بالوساس وتمر أمام عيني أشرطة من الخيانة والغدر تصورها مخيلتي لا محال ولا مفر منها.
منذ عدة أسابيع وأنا أراقب تصرفاته لقد تغير تماماً وأصبح شخصاً آخر لا أعرفه،،، تبدر منه اشياء لم يكن يهتم بها... يتأخر الى ما بعد منتصف الليل هادئاً ليس على عادته،،، لماذا ما الذي حدث؟ دفعتني تصرفاته تلك الى البحث والتفتيش وراءه أريد ان أروي عطشي ولهفي لمعرفة الحقيقة وفي قرارة نفسي أتمنى أن لا يكون هناك شيء ولكنه أيضا يبقي الأمر مبهماً لن يهدأ بالي ولن أنال السكينة حتى أعرف ما الذي يفعله ولماذا تغير علي... وربما هو يخونني بالفعل ولكن لماذا ما الذي فعلته له؟... كل ما كنت أريده هو أن أعرف أين يذهب ومع من يتحدث وفترة الإستراحة في العمل مع من يمضيها.. وأثناء، أجل أثناء العمل مع من يتحدث؟ ماذا يقول عني؟ والأهم من كل هذا هل يفكر بي أنا وأولادي.... هل هناك حقاً خيانة في الأمر هل وهل وهل؟
عجيب هذا سكون الليل.. سكون يخفي تحته ضوضاء صاخبة تدور في رأسي وتبعث الشك في قلبي.. هدوء يمزق وحشت الليل ليدخل ظلمة الشك والخوف من الخيانة.. أي حديث أخوض فيه وأنا لم أعرف بعد أن كان يخونني أم لا..... وقبل أذان الفجر لم أنتظر ولم أسمح لنفسي بالتريث حتى بزوغ أشعة الشمس.. أنهض يا علي إنهض وأخبرني، إنهض يا أبا محمد إنهض من أين لك هذا المنديل وكيف وصل الى جيبك؟ لا تقل إنك اشتريته لي لأنه مستعمل.. قبل أن تحاول الكذب أحب أن انبهك الى أنني أعرف كل شيء أعرف أنك تخونني وأعرف أنك تحاول أن تخفي علي شيء ما.. نظر لي وعيناه تشتاط غضباً وفزعاً هل جننت؟ أين عقلك يا امرأة ليكن في علمك أنني لو أردت أن أفعلها سوف أفعلها وأمام عينك ولن تخيفينني، كفي يا امرأة إنك تجرينني لفعل شيء لا أريد القيام به وهذا هو الإنذار الأخير، إن لم تكف، سوف تكون عاقبتك سوداء ولن أأسف على شيء.. أعاد الغطاء فوق رأسه وعاد الى نومه وهو يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. وأنا صامتة حائرة حديثه يدل على أن لديه الإستعداد لفعل أي شيء وليس الخيانة فقط بل الغدر إنه يرتب لأمر ما.. نعم نعم انه يرتب لأمر ما لقد تعمد أن يضع المنديل في جيبه لكي أثور وأفعل شيء يجعله ينفر مني ويفعل ما يريد...
مرت أسابيع وأنا على هذه الحالة تغير لون وجهي لا أستطيع الأكل والشرب، لا أستطيع أن أهتم بالاولاد والبيت وحتى به، كل ما أفكر به هو ذلك الشك الذي يدور في رأسي وكلما في الأمر أنه اهتم بنفسه قليلاً، وكلما في الأمر أنه تكتم ولم يخبرني ما يجول في خاطره، ماذا لو أعطيت نفسي فرصة وأعطيته فرصة، وماذا لو كان يخونني ويكون قد فات الأوان للفرصة التي أتحدث عنها، أنا في دوامة تدور في رأسي وكل ما أفعله هو البحث وراء زوجي والتأكد من أنه لا يخونني.. اليوم قررت أن أذهب الى مقر عمله والتأكد من أنه في عمله ولا يخرج أثناء العمل او يفعل شيء آخر.. أهملت كل شيء أصبح هاجسي الوحيد هو الركض وراء زوجي.. أما هو فبدا يشعر بضيق تام مني وفي كل مرة تشتد المشاحنة يخرج من المنزل مهرولاً ومسرعاً الى الخارج.. ويغلق الباب بقوة.. عندها يكبر الشك في نفسي وذاتي أنه هرع إليها ليشكو تصرفاتي لها.. وأبدء بالبكاء والعويل وأنني أصبحت عالة عليه.. أما الأطفال المساكين يبقون ساكتين لا يعرفون ما الذي يجري وما من شك في انهم ينهارون يوما بعد يوم..
اليوم أنا اصبحت في دوامة لا أجد ما يثبت شكي ولا أستطيع أن أوقفه واكون في مأمن منه، اليوم أنا أقف وسط الطريق وأنا أعرف أني أخطأ بحق زوجي واطفالي وأنني أقصر في حياتي الزوجية الى أبعد الحدود ولكنني لا أستطيع أن اوقف ذلك الشك اللعين الذي يدور في رأسي لأخرج من الظلمة الى النور كيف لي أن أثبت لنفسي على الأقل أنه بريء أو خائن كيف؟؟
مؤلم أن يملئ الشك قلوبنا فهو بالاضافة الى أنه إثم كبير فهو يجعل صاحبه يدور في دوامة من الوهم لا تنتهي.. اليوم وكما اعتدنا في الحلقات السابقة استضفنا في حلقتنا لهذا اليوم سماحة الشيخ عبد الله اليوسف الباحث الاسلامي من السعودية وبعد اطلاعه علي قصتنا سألناه: هل صحيح أن يشك المرء بشريك حياته لمجرد تغير بسيط في التصرفات؟ و هل تصح الغيرة بهذه الطريقة؟ فأجاب مشكورا:
اليوسف: بسم الله الرحمن الرحيم
طبعاً الغيرة عند المرأة هي غريزة مثلها مثل الامومة وهذه الغيرة في حدها الطبيعي يعني اذا كانت بصورة طبيعية من باب الخوف على الزوج، من باب حب الزوج تكون طبيعية لكن اذا تحولت الى اكثر من الحد الطبيعي واصبحت الى درجة ان المرأة تشك في كل شيء، في كل تصرف، في كل اتصال هاتفي هذه لاشك تدمر الحياة الزوجية وتتحول هذه الغيرة الى غيرة مرضية. الغيرة الطبيعية هي ان تكون المرأة تحب الخير لزوجها، تخاف عليه من الشرور، مما يمكن ان يؤذي الزوج لكن اذا تجاوزت هذا الحد المعقول وتحول الغيرة الى نقص في الثقة بالزوج وتحولت الى غيرة من كل شيء فنجد ان بعض النساء تغار على زوجها عندما يكلم امرأة او تغار على زوجها عندما يذهب الى بيت اهله او تغار على زوجها عندما يسهر مع اصدقاءه او تشك في كل شيء ونجد بعض النساء ايضاً تحاول ان تتبع تصرفات الزوج سواء من خلال البريد الالكتروني للزوج او من خلال الاطلاع على الصفحة الخاصة به في شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك او تويتر وماشابه فهذا مع الزمن يساعد على خلق عادة من انعدام الثقة بين الزوجين وتتحول الحياة الزوجية الى مأساة ولذلك نجد من اوصى ابنته قائلاً "اياك والغيرة فأنها مفتاح الطلاق" الغيرة الزائدة عن الحد، الغيرة المرضية لاشك انها تؤدي الى احد امرين اما الى مشاكل مستمرة بين الزوجين واما الى الانفصال بينهما وفي كلتا الحالتين هذه النتيجة ليست النتيجة التي تأمل الزوجة ان تصل اليها من هنا ينبغي ان تكون الثقة بين الزوجين والاحترام المتبادل وتفهم تصرفات الزوج كما انه على الزوج ايضاً ان يتفهم تصرفات زوجته لأنه ايضاً تكون الغيرة مقلوبة يعني ان الزوج يغار من زوجته، يغار من كل شيء، يشك من تصرفاتها وهذا الشك وسوء الظن ونقص الثقة هذه كلها امور قد نهى الاسلام عنها، الاسلام دائماً يدعو الى الثقة بين الزوجين، الى حسن الظن، الى التعامل بأحترام ولذلك ينبغي على الزوجين التفاهم وان تكون حياتهما الزوجية قائمة على الشفافية، على المصارحة، على المكاشفة حتى لاتتحول الحياة الزوجية الى حريق، الى مايشبه الحالة من التوتر والتشنج لأن الحياة الزوجية يجب ان تكون حياة من اجل السكينة ومن اجل ان تكون هناك راحة نفسية بين الزوجين ومن اجل تحقيق السعادة بينهما فأذا لم يحصل هذا تحولت الحياة الى شقاء والى مشاكل مستمرة والى تشنج وهذا يؤدي في النهاية الى الانفصال بين الزوجين، ينبغي على الزوجة ان تحترم زوجها، وان تثق به وان لاتتتبع تصرفاته وان توحي اليه الثقة والاطمئنان كما ايضاً على الزوج ان لايتتبع تصرفات زوجته اذا كان من باب الشك او سوء الظن بها لأن هذه من الامور التي نهى الاسلام عنها.
نشكر سماحة الشيخ عبد الله اليوسف حضوره وإجابته لأسئلتنا.. أما الآن مستمعينا الكرام تعالو لنستمع الي رأي الخبيرة الأستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان حيث سألناها، ما هي الدوافع التي تدعو الانسان الى الشك بالآخر؟ هل هو ضعف في الشخصية أم هي حالة نفسية يمر بها الانسان نتيجة لظروف معينة؟ وكيف يمكن له الخروج في مثل حال بطلة قصتنا لهذا اليوم من دوامة الشك التي وضعت نفسها فيها ولا تستطيع الخروج منها؟ وما هو دور الشريك في تبديد مثل هذه الشكوك؟ اذ نري أن زوجها لم يفعل ما يزيل الشكوك عن زوجته. فأجابت مشكورة:
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نتحدث عن مسئلة الشك طبعاً ليس لكل حالات الشك الاسباب عينها ففي بعض الاحيان هناك انواع من الشخصيات تكون شخصية شكاكة انما في حالات اخرى قد لاتكون الشخصية كذلك انما تكون شخصية سوية متوازنة وانما تكون هناك ظروف موضوعية تدفع المرأة تحديداً في الحياة الزوجية تدفع المرأة الى الشك يعني هناك بعض العلامات، بعض الامور التي تدعو المرأة الى الشك وتستفزها الى الشك ويكون الانسان اذا لم يشك في هذه الحالة يكون هو فعلاً غير سوي اذا لم يشك اذن هناك ظروف موضوعية وفي بعض الاحيان حالات نفسية.
عندما نتحدث عن حالة المرأة التي تطرحون في هذه الحلقة لابد ان نتعمق في هذه الحالة ونأخذ الكثير من التفاصيل ونحدد انه عن اي حالة نتحدث انما بشكل عام يمكننا القول ان الشك هو احد مدمرات الحياة الزوجية والحالة هذه لابد ان تلجأ المرأة اولاً تجلس مع ذاتها وفعلاً ترى هل هي تشك فعلاً في علاقتها الزوجية فقط ام ان هناك امور اخرى كثيرة تشك بها ليكون الشك حالة عندها وليست ظروف موضوعية خارجية اذا ما انتفت هذه الحالة نتحدث عن ظروف موضوعية، ظروف فعلاً تدفعها الى الشك في علاقاتها مع زوجها لترى ما هو يخونها او له علاقات اخرى. نتحدث هنا عن علاقة زوجية، هذا الامر يدفعنا الى الحديث انه كيف يجب ان تكون العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة داخل المؤسسة الاسرية لذلك هذا الموضوع له تفاصيل كثيرة لكن القاعدة الاساسية التي يرتكز عليها البيت الاسري والحياة الزوجية السعيدة هي مسئلة الحوار والصراحة وان يكون كل واحد للاخر هو عبارة عن كتاب مكشوف لذلك قد تكون هذه الحياة الزوجية هي في ازمة بين الطرفين فهي بحاجة الى معالجة، في هذه الحالة يكون الشك هو مؤشراً على تدهور العلاقة بين الزوجين لذلك لابد من التوقف والتفكير ملياً في طبيعة الحياة الزوجية. لماذا وصلت الى هنا؟ لماذا المرأة تشك؟ لماذا الحوار مقطوع وهل هو مقطوع فعلاً؟ فتحتاج هذه العلاقة الى اعادة بناء، قد تكون هناك بعض الامور الاجرائية التي من المهم ان نذكرها فمثلاً الحوار بمعزل عن الضوضاء والحياة اليومية والضغوط، يمكن ان نأخذ اجازة سواء الرجل او المرأة ليكونوا في مكان هادئ لايشكل ضغطاً على المستوى اليومي وبالتالي يمكنها ان تحدثه بكل ما يختلجها من مشاعر واحاسيس وافكار وفي هذه الحالة طبعاً تلعب شخصية الزوج دوراً مهماً اذا كان هو فعلاً حريص على هذه الحياة الزوجية، اذا كان فعلاً له القدرة على احتواء هذا الشك، احتواء الشريك وان يبدد مخاوفه وان يعيد رأب الصدع الذي حصل في هذه الحياة.
نشكر الأستاذه آيات نور الدين حضورها معنا والإجابة على أسالتنا. في الختام مستمعينا الأعزاء نرجو لكم حظاً موفقا ونستودعكم الله والى لقاء مجدد من برنامج "من الواقع" الى اللقاء.