خبراء البرنامج عبر الهاتف: ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية، الدكتور سمير سليمان مدير معهد العلوم الاجتماعية من بيروت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أعزائي وأحبائي في أرجاء المعمورة نلتقي اليوم لقاء جديد وفي حلقة جديدة نعيش فيها قصة جديدة من الواقع تحمل في طياتها معنى من معاني الحياة التي نحياها وربما نحتاج الى من يمد يد العون لنا فيها لمساعدتنا على أن نخطو خطوة، الاولى في الألف ميل لكي نتابع المسير ونحن نحمل في قلوبنا ايمانا قوياً بأن الله سوف يكون معنا ونستمد منه القوة والعون.. اليوم سنبحث في قصة من قصص الحياة التي نمر بها كل يوم ونواجه صورا عديدة منها، ألا وهي بروز ظاهرة أبناء الشوارع بسبب الفشل الدراسي وكما هو الحال في كل مرة سنستضيف في هذه الحلقة سماحة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الاسلامي من المملكة العربية السعودية والدكتور سمير سليمان مدير معهد العلوم الاجتماعية من بيروت لنستوضح بعض الأمور التي ستكون جواب لبعض الأسئلة التي تراودنا من خلال سماع قصة اليوم... فلنستمع معا لقصة اليوم.
كان يوم عصيب عليه حين استلم نتائجه للسنة الدراسية أنه رسوبه الثاني على التوالي وهذا يحتم عليه ترك المدرسة حسب القانون الدراسي لقد قطع كل علاقة له بالمدرسة الصباحية برسوبه هذا، كان أمر عصيب عليه فهذا الأمر يحتم عليه الخروج للشارع لكي يعمل ويكسب رزقه بنفسه هذا ما أخبره به والديه فإن حياتهما قاسية وهما في حالة مادية مزرية يجب عليه البحث عن عمل...
في اليوم التالي خرج أمير الى الشارع وهو لا يدري ما الذي يمكن أن يعمله فهو لا يملك الصنعة ولا الشهادة التي تؤهله الى عمل مفيد فهو لم يبذل جهدا حقيقياً لكي يتعلم شيء يفيده في الحياة لا من خلال الدراسة ولا من خلال الحياة هو أشبه بقطعة قماش خام أما أن يكون قوياً ويحافظ على ذاته وأما أن يستخدم الشارع مقصه لكي يقص ويجعل من تلك القطعة شيء يناسب متطلبات الشارع...
أول يوم له في الشارع يبحث عن عمل، من أين يبدأ وأين يبحث فهو لا يعرف شيء ولا يعرف أحد والشارع لم يكن يوماً مكانه وهذه المرة سيكون عليه أن يبقى وأن يجد عملاً يكسب منه المال وبدأ يبحث عن العمل سأل هذا وذاك ولم يجد أي جواب حتى تعبت قدماه جلس على حافة الطريق يدعك قدماه بيديه، جلس جانبه شاب في مقتبل العمر وفي فمه سيكارة وقال له تدخن السيكار أجابه أمير كلا... ما مشكلتك لماذا أنت بائس؟ قالها سعيد وهو ينظر الى امير، اجاب امير قال انني أبحث عن عمل.. ولكنك صغير يا هذا ما اسمك؟ قال اسمي امير فصلت من المدرسة بسبب الرسوب، ولم يبق أمامي شيء سوى ايجاد عمل ارتزق منه... وأساعد والدي في المعيشة...
كان ذلك لقاءه الأول مع سعيد أخذه سعيد الى شيخ المشايخ ابو علاء، وابو علاء اجلسه بجانبه وسأله ما الذي تجيده وما نوع العمل الذي تحب أن تقوم به.. وبعد ساعة من الحديث مع ابو علاء اوقفه في الساحة يبيع المناديل الورقية وأشعة الشمس تحرق بشرته الفاتحة.. وقدماه بدءت تتبدل من تلك القدم الناعمة الى قدم خشنة ممتلئة بالجروح والتقيحات لشدت الركض هنا وهناك كان يحلم بساعة راحة ولكن هذه الساعة ستكلفه الكثير.. فالمبلغ الذي يحصل عليه، عليه أن يتقاسمه مع ابو علاء فهو رب العمل هنا وهو شيخ المشايخ عليهم أن يحترموه وعليه يقدم له الاتاو عن عمل قدمه هو له.. وهكذا كانت الايام تمر عليه وهو يتلضى تحت حرارة الشمس ويلوم نفسه لو كان قد تعب قليلاً في المدرسة وسعى واجتهد لما وصل به الحال .. يوما بعد يوم شعر بأنه بدء يفقد حريته وأصبح أسيراً لأبو علاء لا يمكن الفرار من أسره فهو يعذب الأطفال الذين يخرجون عن طوعه وهو لا يريد أن يضرب أو أن يتحمل عقوبة أكبر كما أخبروه بذلك زملاءه في العمل أي من الأطفال الآخرين وهكذا أصبح أسيراً يعاني الأمرين في شارع تلتهب فيه قدماه وحياته برمتها.
الشعور بالندم على ما فاته أصبح يرافقه من الصباح الى المساء ولكن ليس بيده شيء سوى النظر الى الغد ربما سيجد له مهربا من المستنقع الذي وقع فيه.. كان ألمه يكبر كلما رأى زملائه في المدرسة يذهبون الى المدرسة ويواصلون الدرس والتحصيل وهو سجين الشارع الملتهب والركض وراء أمل يحسبه مفقود ..ازداد أمله عندما رأى معلم اللغة العربية وقد نصحه في أن يتابع الدراسة المسائية وأن يجتهد، بدأ الأمل يتجدد في نفسه وكان عليه أن يبحث عما يخرجه من أسره الذي ذهب اليه بقدميه وهو ينظر الى الامام ويرى أن هناك أمل في الدراسة والعودة الى المدرسة..
الآن وقد وصلنا الى نهاية القصة التي أصبحت شائعة في مجتمعنا وللأسف حيث تتحدث الأخبار والإحصائيات الرسمية وغير الرسمية أن المتسربين من المدارس في ازدياد وأن ظاهرة أبناء الشوارع تزداد وتزداد سوءاً.. أما الآن مستمعين الكرام نستضيف فضيلة الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية وسألناه ما هي الصفة الشرعية لأمثال ابو علاء الذين يرتزقون من كد وعمل الأطفال وبهذه الطريقة السيئة؟....... فأجاب مشكورا:
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم
طبعاً عندما وقفت على هذه القصة الواقعية التي تكون في جميع المجتمعات الاسلامية موجودة وجدت ان هناك محتاج وهو الولد امير هذا الصبي الذي دعته الظروف بعد ان اغلقت الابواب في وجهه من كل جانب، جعلته الظروف ان يلجأ الى هذا الانسان المستغل وهو ابو علاء. لما نتأمل في هذه القصة الواقعية نرى ان هذه العينات موجودة في مجتمعاتنا وفي كل مكان لكن هنا نوجه الجانب الشرعي او الرأي الشرعي اتجاه مايفعله هذا الرجل، ابو علاء والذي استغل ظروف هذا الصبي وامثاله من الصبيان، بالطبع لايجوز شرعاً ان الانسان يستغل ظروف الاخرين بشكل عام واذيتهم في ابعادهم هذا جانب، الجانب الثاني لايجوز بشكل عام وعند كل المذاهب الاسلامية بل حتى عند العقلانيين، الانسان صاحب العقل، انك تستغل الاطفال او الصبيان الذين اعطاهم الله عزوجل الطاقة والحيوية ان تستغلهم فيما لايرضي الله عزوجل، انت اخذت طاقتهم، اخذت عملهم وكان المطلوب انه مقابل هذا العمل ومقابل هذا الكدح المال الذي يسد به رمقه، الذي يسد به جوعه، الذي يسد به عطشه لكن الان انت اخذت حقاً من حقوقه فهذا ظلم، ظلم ظلمات وهناك خطاب موجه من الائمة سلام الله عليه اجمعين "اياك وظلم من لايجد له ناصراً الا الله عزوجل" لما الله عزوجل اعطاك نعمة المال مثل ابو علاء وامثاله، لما الله عزوجل اعطى ابو علاء نعمة المال والخير الكثير هو بدلاً من ان ينفقه على الفقراء امثال هذا الصبي امير وينفقه على المحتاجين وينفقه في سبيل سعادة الناس الان استغل هذا المال واستغله في اذية الاخرين وفي كسب عرق وعمل الاخرين لكي يجعل المال سعادة له لا للاخرين فهذا عند كل المسلمين لايجوز هذا، من الناحية الشرعية لايجوز ابداً ونحن نوجه خطابنا لأبي علاء ولأمثاله نقول اذا دعتك قدرتك الى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليه، مثلما انت الان الظروف دعت هذا الصبي امير ان يأتي اليك ربما الله عزوجل اراده ان يأتي اليك ليبتليك ويمتحنك، هل ستستغل طاقة هذا الصبي وتستغل ظروف هذا الصبي؟ ام لا انت تحول هذا الصبي من انسان ربما تؤذيه وربما هو يؤذي المجتمع اذا اردت ان تحوله الى طاقة ضارة في المجتمع من حيث انت لاتشعر فمن الناحية الشرعية لايجوز ابداً والحمد لله رب العالمين.
مستمعينا الكرام استمعتم الى رأي الشيخ ابراهيم الحجاب الباحث الإسلامي من المملكة العربية السعودية، أما الآن نستمع وإياكم الى رأي الدكتور سمير سليمان مدير معهد العلوم الإجتماعية من بيروت حيث سألناه ما الذي يمكن أن يفعله أمثال أمير للخروج من المستنقع الذي وقع به؟ وهل تنصح أن يتعلم الأبناء اضافة الى الدرس مهنة تمكنهم من مواجهة الحياة فيما اضطروا للعمل مبكرين؟.
سليمان: اولاً يعني انا ابدأ بالسؤال الثاني قبل الاجابة على السؤال الاول، انا اعتقد ان تعلم الاولاد مهنة اخرى لمجرد الاحتياط امر لم يكن يؤثر على المسار التعليمي والمدرسي للاطفال فأنا لاامانع من ذلك لكن انا اخشى ان توفير مهنة موازية لتلميذ في مدرسة قد يدفع ضمن ظروف معينة هذا الولد او هذه البنت الى التخلي عن الدراسة والتوجه الى العمل المأثور في عمر يفترض في انظمة وفي مجتمعاتنا ان يكون ممنوعاً عليه الا ان يكون في مدرسة بمعنى ان الزامية التعليم تفرض ان يكون هؤلاء الاطفال موجودين في المدارس وليس في اي مجال اخر، مجتمعاتنا التي يضعف فيها الحاضن الحكومي او الحاضن الرسمي او الحاضن الاهلي وبالتالي انما هناك حاجة عند بعض الاطفال الى العمل هذا من حيث المبدأ اما بالنسبة للجواب ماذا يمكن ان يفعل هذا الولد؟ انا اعتقد انا الدنيا في هذه الازمنة لم تعد مقفلة ومجتمعاتنا اصبح فيها هيئات للمساعدة الاجتماعية، هيئات المجتمع الاهلي التي يمكن ان تفعل شيئاً، المجتمع الذي عنده مشكلة في قوانينه التربوية ينبغي ان يسعى اهله الى فرض مجانية التعليم الى سن متقدمة جداً حتى الى سن الجامعة ويكون هذا هو الافضل وبمعنى انه لايقع هؤلاء الاولاد فريسة يتعرض لها هذا الطفل بهذا المعنى انا انصح هذا الولد ان يلجأ، يعني هو امام خيارين، الخيار الاول ان يلجأ الى مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الاهلي التي تحتضن هذا النمط من الاعاقات الاجتماعية لأن هذا الولد عنده نوع من انواع الاعاقات الاجتماعية وترعاها وتحميها من ان تتعرض الى هذا المستوى من الاستغلال وربما تحميها من الانحراف فيما بعد لأن هذا الولد الذي يبيع اوراق النظافة قد يتعرض بعد حين الى مشاكل اخلاقية ومشاكل اجتماعية والى انحرافات ومن السهل ان هو موضوع قابل لأن يكون عنده القابلية للسقوط في هذا النوع من الانحرافات اذن الخيار الاول ان يلجأ الى مؤسسة من هذه المؤسسات وان يشرح لها ظروفه واعتقد ان يد العون ستمتد اليه، في اسوء الاحوال لو كان هذا الانسان يعيش في مكان بعيد ويتعرض الى صعوبات يمكن ان يلجأ الى مسجد على سبيل المثال، الى امام المسجد، الى رجل الدين، الى المؤسسة الدينية التي يمكن اذا فهمت ظروفه ان تقدم له يد العون وتنتشله من هذه الظروف الصعبة التي فرضت عليه ان يلجأ الى العمل وان يترك دراسته. اظن ان الامور ليست مقفلة وضمن هذين الخيارين ثمة حل، للضحيتين، الضحية الاولى هي اسرة وعائلة هذا الطفل والضحية الثانية هو الطفل نفسه وامثاله.
في ختام حلقتنا لهذا اليوم نرجو لكم طيب الخاطر وأنكم قد استفدتم من رفقتكم معنا الى اللقاء في حلقة جديدة من برنامج من الواقع.