خبراء البرنامج عبر الهاتف: سماحة الشيخ حسن التريكي الباحث الاسلامي من لندن، الاستاذة فاطمة شعبان الباحثة الاجتماعية من الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحبائي وأعزائي المستمعين نرحب بكم في حلقة من حلقات برنامج من الواقع، قصتنا اليوم تتحدث عن السرقة عند الأطفال وما يترتب عليه من أمور إن لم تعالج في وقتها تكون عواقبها وخيمة ربما على الأسرة بكاملها... وكما هو الحال في كل حلقة من حلقتنا سنستضيف أصحاب الرأي والمضطلعين في الأمور الدينية والاجتماعية لايجاد منافذ وحلول تساعد صاحب المشكلة في الخلاص ومتابعة مسيرة الحياة... نتمنى أن تسترعي انتباهكم فمعاً لنستمع الى قصة اليوم والتي تحمل عنوان السرقة عند الأطفال... ومن ثم سنستضيف سماحة الشيخ حسن التريكي الباحث الإسلامي من لندن والأستاذة فاطمة شعبان الباحثة الإجتماعية من الكويت، ليكونوا معنا ويجيبوا عن بعض الأسئلة فابقوا معنا وسنعود بعد انتهاء القصة...
للمرة الثانية تتكرر هذه الحالة لديها هي متأكدة من أنها وضعت المائة والخمسون دينار على المنضدة لم تجد سوى مائة، أين ذهبت البقية؟ فتشت المكان وقلبت الأوراق والأشياء دون جدوى، عندها نادت سلوى ابنتها ذات التسعة أعوام تسألها هل رأيت النقود في مكان ما كان سؤالها بريئاً خالياً من الشكوك والظنون... أو ربما كان في قلبها شيء من الهاجس حملها على سؤال ابنتها سلوى عن النقود... تسمرت في مكانها عندما قالت سلوى لحظة واحدة سأبحث عنها في الغرفة الأخرى ربما تكون هناك.. وعندما جاءها صوت ابنتها من الغرفة وهي تقول ها هي النقود إنها هنا على هذه الطاولة في الغرفة... شعرت بصدمة أفزعتها.. وبعد قليل عادت سلوى وفي يدها المبلغ وهي تدير بعينيها لكي لا تلاقي عيني أمها وهي تقول وجدتها على المنضدة تحت الملاءة.. صمتت أم سلوى والأفكار تجول في رأسها والظنون تتعب كاهلها والخوف يزيد من ألمها والأفكار تأخذ منها مأخذا، فالنقود ليس لها أقدام تسير بها... عندها بدء الشك يدخل قلبها، صرخت ونهضت من مكانها لا وألف لا... لا أظن أن ابنتي تسرق الأموال مني أو من أي كائن آخر لقد ربيتها أحسن تربية لماذا تفعل ذلك؟؟ استغفر الله العلي العظيم من الظن السيء ومن الشك المريب بقيت تردد ذلك وهي تحاول أن تقنع نفسها أن الذي حدث مجرد سوء فهم أو صدفة أو أي شيء آخر... ولكن كان هناك هاجس مؤلم ومحرق في أعماقها يدق ناقوس الخطر ويخبرها أن هناك أمر خطير يحتم عليها الإنتباه والحذر..
في صباح اليوم التالي وبعد ليلة طويلة من التفكير والقلق قررت أن تتاكد من الأمر ذاته وضعت مبلغ هنا ومبلغ هناك وكانت بين الحين والآخر تذهب وتنظر وتترقب حتى بدء المال يقل من هنا ومن هناك... عندها جلست متسمرة في مكانها متألمة باهتة وضعت المبلغ المتبقي في يدها وهي تقول لماذا فعلت ذلك ولماذا وصلت الى هذا الحال؟؟ ما الذي ينقصها ؟ هل هي بحاجة الى المال فعلاً أم هو داء وحسب؟؟ جلست وهي تضع رأسها على راحة كفها وكأنها تريد أن تعينه على الحمل الذي أثقله ما الذي تفعله هل تخبر والدها بالأمر هل تبقى صامتة هل وهل وهل... ألف هل تدور في رأسها.. أرخت حبال أفكارها تجول في ذاكرتها وهي تبحث عن سبب وعن حل سريع يخرج إبنتها من هذا الوضع... تذكرت حين جاءت ترجو وتتوسل إليها كي تشتري لها محفظة أعجبتها وكل فتيات الصف يحملنها معهن.. ولكن أم سلوى لم تستطع شراءها في حينها وبعد عدة إيام جاءت سلوى وهي تحمل المحفظة بيدها سألتها أم سلوى بدهشة من أين لك هذه أخبرتها بأن صديقة لها أهدتها اليها.. وربما حسن نية أو أنها لم تكن ترى في ابنتها سارقة صغيرة صدقتها ولم تدقق في الأمر جيدا ولم تبحث وراءه.. أو ربما إهمال منها شعرت به بعد فوات الأوان.
عادت بأفكارها تجول في أروقة ذكرياتها وكأنها كانت ترجع بالخطأ على نفسها وتعي أنها المقصر الأول قبل الكل توقفت في رواق من الأروقة وهي تمد يدها الى جيب زوجها وتأخذ النقود منه دون علمه لتسد به مصروف المنزل الثقيل والذي لم يكن يسد وكأنها بذلك أعطت الشرعية لأخذ المال من الآخرين دون علم صاحبها وكل هذا كان تحت نظر ابنتها الصغيرة وهي تنظر وترى أمها كيف تعالج مشكلتها المالية.. صرخت من أعماق قلبها وهي تلوم نفسها على فعلتها هذه وهي تقول أنا المقصر أنا من جر ابنتي الى هذا الطريق ما العمل ما الذي يمكنني فعله لانقذ ابنتي قبل فوات الأوان..
أحياناً نعتقد أننا وصلنا لخط النهاية وأننا حوصرنا في زاوية وليس لنا سوى باب واحدة للخروج وربما تكون باب النجاة أو الهلاك.. ولكننا ننسى أننا قد لا نكون حتى بدأنا والطريق ما زال أمامنا طويل وعلينا النظر من حولنا جيداً لنجد الحلول التي تناسبنا وتريح ضمائرنا اولاً.. فهذه الأم التي وجدت نفسها أمام مشكلة كبيرة ربما يكون الحل في يدها هي وهي لا تعرف، استمعنا معاً لقصة اليوم ولعل فيها عبرة تعيننا على وعي أفعالنا قبل أفعال الآخرين وكما واعدناكم احبائنا أننا استضفنا سماحة الشيخ حسن التريكي الباحث الاسلامي من لندن و عرضنا عليه قصتنا و سألناه عن عمل الأم الذي كانت تأخذ المال من جيب زوجها فهل كان عملها هذا مبرر ؟؟ فأجاب مشكورا.
التريكي: بسم الله الرحمن الرحيم
طبعاً حول هذه الممارسة التي تصدر من الفتاة الصغيرة، هذه الممارسة للاسف هي انعكاس لممارسة من هم اكبر سناً. احياناً الكبار يقومون ببعض الاعمال دون ان يشعروا ان هذه الاعمال ستنعكس على سلوكيات من هم اصغر منهم لأن الصغير بطبيعة الحال يبحث عن القدوة ويبحث عن الاسوة ويرى في الام والاب عادة القدوات الاولى للطفل ولذلك ورد عندنا في التعليمات الاسلامية النهي عن ارتكاب بعض الممارسات من قبل الكبار امام الصغار لأن ذلك سيؤدي الى تأثر هؤلاء الصغار بتلك الممارسات من حيث لايشعر الاباء ولهذا وردت في الاية الشريفة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ{۲} كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ{۳}"(سورة الصف ۲-۳) فمثلاً هو يمنع الصغير من السرقة ويمنع الصغير عن الكذب ويمنع الصغير وينهاه عن الغش والخداع ولكنه يمارس هذه الامور في واقع الحال ففي هذه القصة مثلاً الام تبادر وتأخذ بعض المال من جيب الاب دون ان يشعر، هذه الممارسة حتى لو كانت الام تملك لها مبرراً بحيث ترى ان هذه الممارسة ممارسة طبيعية بحكم العلاقة الزوجية والعلقة بين الام والاب لكن هذه الصغيرة لاتفهم هذه الخصوصيات بين الزوجة والزوج فترى ان هذه الممارسة هي اخذ من الاخرين بدون استأذان ولذلك قامت هي بدورها بتقليد الام فبدأت تأخذ الاشياء بدون استأذان من الاخرين دون ان تعي الفارق بين سلوكها وبين سلوك الام، لو كان سلوك الام مضرراً وكذلك تجد بعض الاباء احياناً يعلمون الابناء الكذب من حيث لايشعرون فمثلاً يتصل شخص على البيت يرفع الطفل الهاتف يسأل عن الاب، الاب لايريد ان يتحدث عن ذلك الشخص فيشير الى الطفل ان قل له ان ابي غير موجود فهو الان يريد ان يتخلص من ذلك الشخص الذي لايريد ان يتحدث اليه ولكن من حيث لايشعر علم هذا الطفل ممارسة الكذب لأنه يقول للطفل قل له غير موجود وهو موجود في واقع الامر ولهذا يجب على الاباء والامهات ان يلتفتوا لما يقولون، لما يفعلون لأن ذلك سيؤدي الى ان تترسخ بعض المفاهيم الخاطئة في اذهان ابناءهم من حيث لايشعرون وبالتالي تكون النتائج خطيرة وتكون النتائج عكسية ولهذا عندنا الكثير من الايات والروايات التي تنهى الاباء والامهات عن ممارسة بعض الاعمال التي لها مظاهر سلبية، هذه الاعمال والسلوكيات امام الاطفال لأن ذلك سينعكس على سلوك الطفل وعلى الاباء والامهات الالتفات الى ذلك.
و بعد هذه الإضاءة الأخلاقية و الدينية لموضوع السرقة عند الأطفال نستضيف الأستاذة فاطمة شعبان الباحثة الإجتماعية من الكويت وأسمعناها قصتنا لهذا اليوم وسألناها ما الذي يمكن لتلك الأم أن تفعله لكي تنتشل ابنتها من تلك المسألة الخطيرة؟ فأجابت مشكورة.
شعبان: بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية نهنيكم بحلول شهر رمضان المبارك اعاده علينا وعلى الجميع باليمن والخير والبركات وتقبل الله طاعاتكم واعمالكم وصيامكم وقيامكم.
القضية المطروحة بالنسبة للطفلة التي اقدمت على هذا الفعل طبعاً في الواقع الطفل في هذه المرحلة من العمر غالباً يكون مقلداً لتصرفات الكبير فالحل ليس هو ان تقوم الام بأبلاغ الاب كي يردعها او يتصرفون معها تصرفاً يجعل هذه الصفة السلبية تترسخ فيها. اولاً يجب علينا ان نبحث عن اسباب هذه الصفة، من اين تعلمت هذه الطفلة؟ ومن اين اكتسبت هذه التجربة السلبية؟ هل هناك شخص كبير اقدم على هذا الفعل ووضع يده مثلاً في جيب احد افراد العائلة سواء كانوا من الصغار او من الكبار؟ هذه النقطة الاولى نبحث عنها فأذا وجدنا ان هناك قدوة ومثل اعلى بالنسبة لهذه الطفلة كسبت التجربة من خلال تلك القدوة اذن يجب علاج تلك القدوة في البداية بعد ذلك ننتقل الى الطفلة، الامر الثاني اذا كانت لاتوجد اسباب التعليم المباشر يجب ان نجري حوار مع الطفل والطفل ببراءته وطفولته يعبر ويقول ومايقوله غالباً يكون صادقاً فيه لأنه لايعرف ان يراوغ وان يكذب فأذا عرفنا من خلال الطفل مكمن الخلل اذن حسب الخلل الموجود نبدأ العلاج. احياناً نضطر ان نعالج الطفل من خلال استشاري نفسي او احياناً فصل الامور تكون لها علاقة بالتغيرات الهرمونية عند الطفل فنلجأ الى الطبيب النفسي. مرت معنا تجربة شبيه بهذه التجربة وكان طفل في مرحلة رياض الاطفال كان يقدم على اخذ اشياء من المدرسة ويضعها في حقيبته ويأخذها الى المنزل فالام التفتت الى هذه القضية وعندما جاءت واخبرتنا بذلك بدأنا نبحث عن موطن الخلل وبمساعدة الام وبمساندتها واعطاءنا تقريباً تقريراً يومياً عن تصرفات الطفل في البيت وفي الزيارات العائلية استطعنا ان نعالج الطفل والان الطفل وصل الى مرحلة من العمر في الثانوية والحمد لله تخلص من هذه الصفة لأنها كانت صفة مكتسبة من احد افراد العائلة من الاولاد وكان يكبر الطفل حوالي ست سنوات الى سبع سنوات فشاهده انه يقدم على هذا الفعل واعتبره فعل صحيح فعلينا ان ندرك ايضاً ان الطفل لايفهم الجمل المجردة فلانقول للطفل في هذه المرحلة من العمر هذه سرقة وهذا كذب بدون شرح وبدون توضيح انما نحاول ان نوضح له الامر ونقول ان هذا التصرف الذي اقدمت عليه مثلاً تصرف سلبي لأنك استوليت على شيء ليس لك، هل ترضى ان يقدم احد ويضع يده في حقيبتك ويأخذ اشياءك دون استأذان منك؟ اذن يجب ان نعلم الطفل ونحسسه بسلبية هذه الصفة كي يمقتها ويكرهها من داخل نفسه وقلبه وبعد ذلك لما يكبر نسوق له الامثلة ونوضح له ان هذه الكلمات المجردة هذه هي معانيها وايضاً يجب علينا ان لانربط الامور بالله سبحانه وتعالى لأن الكثير من اولياء الامور يستخدمون هذا الاسلوب وبدون ان يقدموا على افهام الطفل يقولون له مثلاً انك اذا سرقت فأن الله لايحبك، هو لايفهم ما معنى انني سرقت او لايفهم مامعنى انني كذبت فيجب علينا ان نفهمه ماتعني صفة السرقة وماتعني صفة الكذب ونوصل الرسالة عندها نستطيع ان نصل الى المفهوم الديني بسلاسة جداً دون ان نربطه بحب وبغض الله سبحانه وتعالى، دائماً نحاول ان نحبب الطفل الى الله سبحانه وتعالى فنقول ان الله يحبك اذا استنكرت الصفات الذميمة او ابتعدت عنها وليس العكس.
إذا أحبتي المستمعين اتخاذنا القدوة يجب أن يكون اتخاذ صائب لقدوة كاملة ومنزه عن أي خطأ لأن كل تصرفاتها ينعكس على متبعيها وكذلك يجب البحث عن أسباب الصفات الذميمة لدى أبنائنا وإجراء حوارات مباشرة و التكلم معهم حسب اعمارهم وثقافتهم.
في الختام نتمنى أن تكونوا قد استفدتم من رفقتنا في هذا البرنامج والى لقاء آخر في قصة جديدة من الواقع نستودعكم الله... والسلام عليكم و رحمة الله... وبركاته.