سلام من الله عليكم إخوه الإيمان
تحية طيبة وأهلاً بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نخصصها لعرض موقف من المواقف النبيلة الخالدة التي يتجلى فيها إلتزام أهل الولاء الصادق بالدعوة المحمدية لقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر.
وصاحبة موقف هذه الحلقة لم تعرفنا المصادر التأريخية بالكثير من تفصيلات حياتها وجهادها، شأنها في ذلك شأن الكثيرين من شيعة أهل البيت – عليهم السلام – والذين عرضوا لأشكال من الأرهاب الحكومي فكرياً وسياسياً وبدنياً. إنها السيدة الجليلة الدارمية الحجونية من خلص الذين استجابوا لرسول الله – صلى الله عليه وآله – في موالاة وصية المرتضى علي من بعده.
قال السيد محسن الأمين في موسوعة (أعيان الشيعة) عن هذه المؤمنة المخلصة: كانت من فضليات النساء راجحة العقل فصيحة اللسان قوية الحجة صادقة الولاء لعلي سيد الأوصياء وكانت سوداء اللون ولكن سيرتها بيضاء وثناءها وضاء ولها حكاية مع معاوية ظهرت بها فصاحتها وقوة حجتها ورجاحة عقلها وصدق ولائها وإشراق ثنائها.
في العقد الفريد عن سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال حج معاوية فسأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون يقال لها دارمية الحجونية وكانت سوداء كثيرة اللحم فأخبر بسلامتها فبعث إليها فجئ بها فقال: ما جاء بك يا ابنة حام؟ فقالت: لست لحام ان عبتني انا امرأة من بني كنانة، قال: صدقت أتدرين لم بعثت إليك؟ قالت: لا يعلم الغيب الا الله، قال: بعثت إليك لأسألك علام أحببت عليا وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت أو تعفيني قال: لا أعفيك، قالت: أما إذا أبيت فاني أحببت عليا على عدله في الرعية وقسمه بالسوية وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالامر وطلبتك ما ليس لك بحق وواليت عليا على ما عقد له رسول الله (ص) من الولاء وحبه المساكين واعظامه أهل الدين وعاديتك سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكم بالهوي.
متسمعينا الأكارم، وقد أثار هذا الجواب غيظ الطاغية الأموي ولما يستطع رد منطقها عرّضّ بها بذكر بعض صفتها الخلقية بكلمات بذيئة فأجابته بما مضمونه أن ما ذكره هو ما أشتهرت به أمه هند، قال المؤرخون: ثم إن معاوية قال لها: يا هذه هل رأيت عليا؟ قالـت إي والله، قال: فكيف رأيته؟ قالت: رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ولم تشغله النعمة التي شغلتك، قال: فهل سمعت كلامه؟ قالت: نعم والله فكان يجلو القلوب من العمى كما يجلو الزيت صدأ الطست، قال: صدقت فهل لك من حاجة قالت أو تفعل إذا سألتك قال نعم قالت تعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها قال: تصنعين بها ماذا؟ قالت: اغذوا بألبانها الصغار وأستحيي بها الكبار واكتسب بها المكارم وأصلح بها بين العشائر، قال: فان أعطيتك ذلك فهل أحل عندك محل علي بن أبي طالب قال سبحان الله أو دونه؟ فأنشأ معاوية يقول:-
إذا لم أعد بالحلم مني عليكم
فمن ذا الذي بعدي يومل للحلم
خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد
جزاك على حرب العداوة بالسلم
ثم قال: اما والله لو كان علي حيا ما أعطاك منها شيئا قالت لا والله ولا وبرة واحدة من مال المسلمين.
مستمعينا الأفاضل، وللعلامة السيد محسن الأمين تعليق على هذه الراوية وبعد أن نقلها قال فيه: - في حواره مع دارمية الحجونية يبتديء معاوية خطابه لها بقوله ما جاء بك يا ابنة حام وهو الذي ارسل إليها وهي امرأة عربية فيقول لها أنت من ولد حام لأنها سوداء يعيرها بذلك وما العار الا في الافعال لا في الألوان وما الفخر الا بالفضل والعقل لا باللون والشكل وفي النطق بمثل هذا الكلام ما ليس بخاف ثم يسألها عن سبب حبها وولائها لعلي وبغضها وعدائها له وهو يعلم السبب في ذلك ويعلم ان في جوابها ما لا يرضيه ولكن الغيظ وشدة العداوة وحب الانتقام قد يغطي على النظر للعاقبة ثم يزيد ذلك فيقول لها لما يجد جوابا: فلذلك انتفخ بطنك وفي هذا الجواب ما لا خاف فيه من سقوط وانه ليس من جنس الحوار بين النبلاء فلم يعجزها الجواب بل اجابته بسهولة ان أمه كان يضرب بها المثل في ذلك فأراد ستر ما بدر منه من هذا الجواب بان ذلك ممدوح في المرأة لا مذموم وهيهات سبق السيف العذل ولما أعياه الاستخفاف بها عدل إلى نهج آخر وختم ذلك بالاحسان إليها تداركا لما صدر.
فجزى الله خيراً هذه المؤمنة الجليلة الدارمية الحجونية على صدق ولائها لأهل بيت النبوة – عليهم السلام – وشجاعتها في قول كلمة الحق بوجه السلطان الجائر والى هنا ينتهي أحباءنا لقاؤنا بكم ضمن هذه الحلقة من برنامج (من أعلام المؤمنات) إستمعتم لها من إذاعة طهران.. شكراً لكم وفي أمان الله.