الحمد لله المتفضل المنان، وازكى صلواته على المصطفى حبيب الرحمان، وعلى آله الهداة الى التقى والايمان.
اخوتنا الاعزة الافاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله واهلاً ومرحباً بكم في همسة اخرى حول «العجب»، ذلك الداء الخطير، الذي عرفه علماء الاخلاق بانه استعظام الانسان نفسه، لاتصافه بخلة كريمة، او مزية مشرفة، كالعلم والمال والجاه والعمل الصالح. وعرف العجب آخرون فقالوا: هو تعظيم العمل الصالح واستكثاره والتغنج والادلال بواسطته واعتبار الانسان نفسه غير مقصر ولا قاصر.
وليس بالضرورة ان يصاحب العجب تعال على الآخرين، فان التعالى من شأن التكبر. وتنشأ رذيلة العجب - ايها الاخوة الاعزة- من حب المرء لنفسه وذاته، ومنه يكون اساس الاخطاء والمعاصي والرذائل الاخلاقية، فيرى اعماله الصغيرة كبيرة، والناقصة كاملة، ويعتقد انه من الصالحين الذين يستحقون كل ثناء ومدح.
وللعجب في نظر علماء الاخلاق اربع مراتب:
الاولى: يمن فيها المعجب بنفسه في قلبه بايمانه على الله تعالى، حتى يتخيل ان دين الله عزوجل قد اكتسب رونقاً بايمانه واعماله. وهذا اخطر العجب واهلكه.
الثانية: يدلي فيها المعجب على الله تعالى باعماله فيتصور انه المقرب عند ربه عزوجل.
الثالثة: يرى فيها المعجب انه دائن لله ومستحق لثوابه، وليس مديناً او ان الله تعالى تفضل عليه ووفقه للطاعة والخير.
الرابعة: يرى المعجب انه متميز على سائر الناس، وافضل منهم بالايمان، واكمل من عامة الناس، فيخدش اعمالهم الصالحة فيما يرى اعماله خالصةً لاتناقش.
وقيل ايضاً ايها الاخوة الاكارم ان للعجب درجات:
الاولى: العجب بالايمان والمعارف الحقة.
الثانية: العجب بالملكات الفاضلة والخصال الحميدة.
الثالثة: العجب بالاعمال الصالحة والافعال الحسنة ووراء كل ذلك تزيين خادع...
فقد سئل الامام الكاظم عليه السلام عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات، منها: ان يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً، فيعجبه ويحسب انه يحسن صنعاً، ومنها: ان يومن بربه فيمن على الله عزوجل، ولله عليه فيه المن!
وللعجب مساوئه الخطيرة - ايها الاخوة- منها: انه يجر صاحبه الى الكبر والتعالى والتجبر على الآخرين ومقتهم. ومنها: انه يعمي صاحبه عن نقائصه واخطائه وذنوبه مهما عظمت. ومنها: انه يفسد الاعمال الصالحة ويردي صاحبه الى الحضيض والانحطاط.
رأى موسى عليه السلام ابليس وعليه برنس، فسأله: ما هذا البرنس؟
قال: به اختطف قلوب بني آدم.
فقال له موسى: فاخبرني بالذنب الذي اذا اذنبه ابن آدم استحوذت عليه.
قال ابليس: اذا اعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينيه ذنبه!
وفي الرواية: قال ابليس لجنوده: اذا استمكنت من ابن آدم في ثلاث لم ابال ما عمل فانه غير مقبول منه: اذا استكثر عمله ونسي ذنبه ودخله العجب.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، واعجاب المرء بنفسه... وهو محبط للعمل، وهو داعية المقت من الله سبحانه». وخاطب السيد المسيح (عليه السلام): يا معشر الحواريين، كم من سراج اطفاته الريح، وكم من عابد افسده العجب!
ولما مر علينا ايها الاخوة الاحبة ورد النهي والذم معاً في العجب فقال تعالى: «فلا تزكوا انفسكم، هو اعلم بمن اتقى» (سورة النجم).
وجاء عن امير المومنين عليه السلام في غرر حكمه، ودرر كلمه، قوله: «العجب يفسد العقل. العجب رأس الحماقة. العجب هلاك هلك من رضي عن نفسه ووثق بما تسوله له».
والجدير بالذكر ايها الاخوة الاعزة هو ان العجب المذموم ما كان استكثاراً للعمل الصالح وادلالاً به، واما السرور به مع التواضع لله تعالى والشكر له على توفيقه لطاعته، فذلك ليس من العجب ولا ضير فيه.
اما ان يخرج المرء نفسه من التقصير والنقص، ويدعي الكمال والصلاح ويمن بما وهبه الله على الله وعلى العباد فذلك هو العجب المذموم الذي يفضل عليه الذنب مع التوبة والاستغفار... لان العجب اشد من ذنوب الجوارح، فان العجب ذنب من ذنوب القلب وهو خطير فذنب الجارحة يزول بالتوبة ويكفر بالطاعات، والعجب خلق ذميم يصعب ازالته، وهو مفسد للطاعات مهبطها عن درجة القبول.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «لولا ان الذنب خير للمومن من العجب، ما خلى الله بين عبده المومن وبين ذنب ابداً».
يفسر ذلك الامام الصادق (عليه السلام) فيقول: «ان الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه ويعمل العمل فيسره ذلك فيتراخى عن حاله تلك، فلأن يكون على حاله تلك خير له مما دخل فيه» اي من العجب.
ويروى انه دخل رجلان المسجد، احدهما عابد، والآخر فاسق.. فخرجا من المسجد والفاسق قد اصبح صديقاً، والعابد فاسقاً! وذلك ان العابد دخل مدلاً بعبادته ممتنا معجباً، ودخل الفاسق نادماً على فسقه مستغفراً مما اتى من الذنوب.
واخيراً... لخطورة العجب، لابد من التفكير بعلاجه على نحو جدي، بان يتفكر المعجب ان كل ما عنده من الملكات هي هبات ربانية تدعوه الى التواضع والى الشكر، وانه معرض بعدها الى الضعف والاقدار والموت فليس من العقل ان يعجب بنفسه وملاكها الهوان والهلاك.
قال امير المومنين علي (عليه السلام): ما لابن آدم وللعجب! اوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بين ذلك يحمل العذرة! وقال الامام الباقر (عليه السلام) ناصحاً: سد سبيل العجب، بمعرفة النفس.
الراوي: اتي عالم عارف، الى عابد متنسك فقال العالم يسأل العابد:
العالم: ايها العابد كيف صلاتك؟
العابد (باعجاب): امثلي يسأل عن عبادته؟ وانا اعبد الله هذه السنين الطويلة!
العالم: اذن ايها العابد كيف بكاؤك؟
العابد: أبكي .. حتي تجري دموعي جرياناً.
العالم: احب ان اقول لك ايها العابد: ان ضحكك وانت خائف من الله تعالى، افضل من بكائك وانت مدل ممتن على الله تعالى، فان المدل لا يصعد من عمله شيء!
الراوي: روي عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام)... ان عيسى ابن مريم عليهما السلام كان من شرائعه السياحة في البلاد، فخرج في بعض سيحه ومعه رجل من اصحابه كان كثير اللزوم لعيسى عليه السلام فلما انتهى عليسى عليه السلام الى البحر قال:
بسم الله، بصحة يقين منه عليه السلام، فمشى على ظهر الماء فقال الرجل حين نظر الى عيسى عليه السلام جازه: بسم الله، بصحة يقين منه، فمشى الرجل على الماء حتى لحق بعيسى عليه السلام وهنا دخله العجب بنفسه فقال في نفسه:
الرجل(هامساً): هذا عيسى روح الله يمشي على الماء، وانا امشي على الماء فما فضله علي؟!
الراوي: ثم قال عيسى (ع) له: ما قلت؟!
الرجل (بخجل): قلت: هذا روح الله يمشي على الماء، وانا امشي على الماء، فدخلني من ذلك عجب.
الراوي: فقال له عيسى (عليه السلام): لقد وضعت نفسك في غير الموضع الذي وضعك الله فمقتك الله على ما قلت، فتب الى الله عزوجل مما قلت.
فتاب الرجل، وعاد الى مرتبته التي وضعه الله فيها.
الراوي: وعن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): ان رجلاً كان في بني اسرائيل عبد الله تبارك وتعالى اربعين سنة فلم يقبل منه فقال لنفسه:
العابد: ما اتيت الا منك ولا اكديت الا لك.
الراوي: فاوحى الله تبارك وتعالى اليه: ذمك نفسك افضل من عبادتك اربعين سنة!