الحمد لله ولي الانعام وازكى الصلاة على اشرف الانام، المصطفى، وعلى آله الميامين الكرام.
اخوتنا الاكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المجيد: "وان تصبروا وتتقوا، فان ذلك من عزم الامور" صدق الله العلي العظيم )سورة آل عمران: ۱۸٦).
خصلة فاضلة يعجب بها الناس ويجلونا ويكبرون صاحبها، بل ويتمنونها، وقليل من يحظى بها، الا وهي فضيلة "الصبر" وهي تنطوي على معاني رفيعة: الايمان بالله تعالى، والتسليم لقضاء الله تعالى، والرضى بامر الله تعالى، والشكر على ما يريده الله ويحبه سبحانه وتعالى.. كما ينطوي الصبر على: قوة الجنان ورجاحة العقل، وثبات القلب، وهدوء النفس.. ويشير الى: الزهد في الدنيا، وحسن التوكل على الله عز وجل، والثقة بالباري جلت عظمته، والتصديق بوعده، وهو القائل، عز من قائل: "انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب" (سورة الزمر: ۱۰).
هذا هو الصبر.. احتمال المكاره من غير جزع وقسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل، اوامر كانت او نواهي.. بعد ذلك تكون من الله عز شأنه مرضاة ومغفرة ورحمة، وقد وصف الحق تبارك وتعالى الصابرين في كتابه العزيز فقال: "الذين اذا اصابهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون" (سورة البقرة: ۱٥٦-۱٥۷).
ويتنوع الصبر ـ اخوتنا الاعزة ـ كما تنوع المواقف الصعبة، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "الصبر ثلاثة: صبر على المعصية، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية..". ويقول امير المؤمنين علي عليه السلام: "الصبر صبران: صبر عند المعصية.. حسن جميل، واحسن من ذلك الصبر عند ما حرم الله عليك، والذكر ذكران: ذكر الله عز وجل عند المصيبة وافضل من ذلك ذكر الله عند ما حرم عليك فيكون حاجزاً".
ونعم الصبر ـ ايها الاخوة الاحبة ـ هو الصبر الجميل جاء على لسان النبي يعقوب عليه السلام في قوله تعالى: "قال بل سوّلت لكم انفسكم امراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" (سورة يوسف: ۱۸).
وقد سئل الامام الباقر عليه السلام: "ما الصبر الجميل؟ فقال: ذلك صبر ليس فيه شكوى الى الناس".
وهنا يحسن بنا ـ اخوتنا الافاضل ـ ان نقول: ان اهل الصبر على ثلاثة مقامات المقام الاول - ترك الشكوى.. قال الله تعالى في الحديث القدسي: "اذا ابتليت عبدي ببلائي فصبر ولم يشكني الى عواده، ابدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، فان ابرأته ابرأته ولا ذنب له، وان توفيته فالى رحمتي". والمقام الثاني ايها الاخوة من الصبر هو الرضى بالمقدور وهذه هي درجة الزاهدين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "اذا احب الله عبداً ابتلاه، فان صبر اجتباه وان رضي اصطفاه". اما المقام الثالث: فهو يرقى الى درجة الصديقين الذين يبتهجون بكل ما يقدر الله لهم من شدة او رخاء اذ يعتبرون ذلك التفاتاً من المحبوب تعالى اليهم: وكل ما يفعله المحبوب محبوب.
قد يتساءل احدنا ـ ايها الاخوة الاحبة ـ: كيف لنا بتحصيل حالة الصبر؟ والجواب: هنالك امور كثيرة يكتسب المرء من خلالها ملكة الصبر فيحظى بالطمأنينة في الحياة الدنيا والتكريم الالهي في الحياة الاخرى، منها: نزع حب الدنيا من القلب فالمرء انما يجزع غالباً على شيء يخسره من اشياء الدنيا والمؤمنون الصابرون الواعون منطقهم "انا لله وانا اليه راجعون" فكل ما عندنا من الله تعالى، وعائد اليه تبارك وتعالى ولسنا مالكين لشيء في هذه الدنيا، فيكون الزهد عاملاً مهماً في تحصيل فضيلة الصبر، كذلك التسليم لامر الله عز وجل والرضى بكل قضائه وحسن الظن به جل وعلا في ما يقضيه بحكمته.. كل ذلك يعطي القلب حالة من الصبر.. لا سيما اذا صاحب ذلك تذكر الموت وان كل شيء سيؤول الى الفناء "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام"، ويبقى الايمان الصادق والعمل الصالح، وكلاهما يثبتان بالصبر.
قال الامام الصادق عليه السلام: "الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان".
وكان امير المؤمنين عليه السلام يؤكد: "ايها الناس عليكم بالصبر، فانه لا دين لمن لا صبر له".
واما علامة الصابر ففي ثلاث.. يبينها النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: اولها: ان لا يكسل والثانية: ان لا يضجر، والثالثة: ان لايشكو من ربه عز وجل.. لانه اذا كسل فقد ضيع الحق واذا ضجر لم يؤد الشكر، واذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه.
"اللهم اجعلنا لك من الشاكرين وبقضائك راضين ولرحمتك راجين، بحق محمد وآله الطيبين صلواتك عليهم اجمعين".
الراوي: خرج ياسر وزهير في سفر الى البادية فضلا الطريق وتاها "ريح عاصف" فصاح ياسر على صاحبه..
ياسر: يا زهير انظر تلك خيمة.
زهير: لنقصدها اذن قبل ان نهلك في تيهنا هذا.
كلاهما: السلام عليكم يا اهل الخيمة ورحمة الله وبركاته.
أمرأة "كبيرة السن": وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته من انتما؟
زهير: تائهان في هذه البادية.
العجوز: اصبرا حتى اهيء لكما الخيمة، فاقضي من حقكما ما انتما له اهل.
العجوز: اجلسا ايها الرجلان على هذا البساط حتى يأتي ابني.
الراوي: جلس الرجلان والعجوز ترفع طرف الخيمة بين الاونة والاخرى لترقب رجوع ولدها ثم قالت.
العجوز: هآ.. أسأل الله بركة المقبل، اما البعير فبعير ابني، واما الراكب فليس هو.
رجل ينادي: يا اما عقيل.. عظم الله اجرك في عقيل.
العجوز: ويحك مات؟ "بتلهف وحيرة".
الرجل: اجل يا اما عقيل.
المرأة: لا اله الا الله الحي الذي لا يموت "بحسرة وعبرة" اذن انزل يا هذا عن البعير واقضى ذمام القوم وحق الضيف.
*******
الراوي: ودفعت العجوم كبشاً الى صديق عقيل فذبحه واصلحه، وقرب الى الضيفين الطعام، واخذت المرأة تلح عليهما بالاكل، فجلاً ياكلان وهما متعجبان من صبرها فلما فرغا خرجت اليهما قائلة: يا قوم هل فيكم من يحسن شيئاً من كتاب الله؟
ياسر: نعم يا ابتاه.
المرأة: فاقرأ علي آيات من كتاب الله اتعزى بها عن ولدي.
ياسر بخشوع: يقول الله تبارك وتعالى: "وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون، اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون".
المرأة: بالله عليك يا رجل ان هذا في كتاب الله هكذا؟ "بتعجب وتساؤل".
ياسر: أي والله يا ابتاه انها في كتاب الله هكذا.
المراة: اذن السلام عليكم ايها الضيوف "تخنقها العبرة".
المرأة: اللهم اني قد فعلت ما امرتني به فانجز لي ما وعدتني به ولو بقي احد لاحد لبقي محمد صلى الله عليه وآله لامته "تخنقها العبرة".
الراوي: وخرج ياسر وزهير معجبين بهذه العجوز الصابرة، وزهير يقول لصاحبه.
زهير: يا ياسر ما اجزل هذا العجوز واوفر عقلها، لقد ذكرت ربها باكمل خصاله، واجمل خلاله ثم انه لما علمت ان الموت لا دافع له ولا محيص عنه، وان الجزع لا يجدي نفعاً، والبكاء لايرد هالكاً، ورجع الى الصبر الجميل، واحتسبت ابنها عند الله جلت رحمته، ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة.
ياسر: آيه "بحسرة".. الا يكفي الصابرين شرفاً ان يقول الله تعالى في كتابه المجيد "والله يحب الصابرين" (سورة آل عمران: ۱٤٦).
زهير: او لا يكفيهم عوناً ان يكون تبارك وتعالى معهم وهو العلي العظيم، والقائل في كتابه الكريم: "واصبروا ان الله مع الصابرين" (سورة الانفال: ٤٦).
كلاهما بخشوع: صدق الله العلي العظيم.