نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "ليس في البدن أقل شكراً من العين، فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة استعارية لها طرافتها وعمقها، انها تتحدث عن (العين) بصفتها احدى الجوارح قبالة جوارح اخرى: كاليد او الرجل، والسؤال هو (من الزاوية الدلالية) لماذا وهب الامام عليه السلام جارحة (العين) هذه الوظيفة العبادية المتمثلة في عدم استخدام العين ما يجعلها سبباً للغفلة عن الذكر لله تعالى؟ ان ذكر الله تعالى يتجسد في ممارسات عبادية متنوعة: فكرية ونفسية وبدنية نظرياً وعملياً، بيد ان (العين) تظل ممارسة عملية بدنية، وتنعكس من ثم على ما هو فكري ونفسي وما يترتب على ذلك من الجزاء الالهي للشخصية التي تتعامل مع (العين): سلبا أو ايجاباً، يترتب على ذلك (من حيث الدلالة) ان الشخصية بمقدورها ان تحفظ عينها من جملة امور، في مقدمتها: عدم النظر جنسياً، عدم الغمز سخرية، عدم تعطيلها عن الممارسة العبادية: كالنوم الزائد عن الحاجة وما يستتبعه من ضياع العمر وغيرها، وهذا من حيث الدلالة ولكن ماذا من حيث البلاغة؟.
بلاغة الحديث
بلاغياً: تظل الصورة المتقدمة (من حيث جماليتها) من الصور الفائقة، والطريفة، والعميقة، كيف ذلك،
اولاً: اكساب العين صفة (قلة الشكر) مع ان (الشكر) هو: ممارسة لسانية وهذا نمط من الصياغة التي يطلق عليها (تبادل الحواس) بصفة ان حواس الانسان من بصر وسمع وشم وذوق، تظل متبادلة التأثيرات حيث تتواشج اجهزة الجسم فيما بينهما، ولذلك فان صفة حاسة السمع مثلاً يمكن ان تمتزج مع حاسة البصر او الذوق الخ، من حيث الآثار المنعكسة على ذلك في ميدان السلوك فأنت حينما (تبصر) شيئاً ما قد يهزك (فتستمع) الى ذلك و(تتذوقه) في عالم التخيل: وهكذا.
ثانياً: اكسب النص ظاهرة (العين) صفة (عدم اعطاء العين سؤلها)، وهذا يعني: ان العين اذا ارادت ان تنظر الى ما هو (جنسي) غير مشروع، أو ما هو سخرية من حيث الغمز: حينئذ ينبغي غض البصر بدلاً من النظر وعدم حركة الجفن من حيث الغمز وهكذا.
ثالثاً: اكسب النص ظاهرة العين طابع (الالهاء) عن ذكر الله تعالى بصفة ان العين ينبغي ان نوظفها في النظر الى ابداع الله تعالى للوجود وما فيه من المدهش والمثير وما فيه من النعم التي لاتحصى الخ، فاذا اعطينا العين سؤلها السلبي، حرمنا من العطاء المتمثل في النظر الى ابداع الله تعالى ونعمه، حيث نظل (غافلين) والعياذ بالله تعالى منعكساً ذلك على مصائرنا الاخروية وعدم رضاه تعالى عنا.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا من (الذاكرين) انه سميع مجيب.