نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "البخل جلباب المسكنة".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة (تمثيلية) أو (استعارية) انه يتحدث عن (البخل) وهو: من اشد السمات سلبية، انه تعبير عن انغلاق النفس على ذاتها وعدم انفتاحها على الاخرين حتى ان النصوص الشرعية طالما تشير الى ان الله تعالى يبغض البخيل كل البغض، وتشير النصوص ايضاً الى ان المؤمن البخيل يفضل الله تعالى عليه السخي غير المؤمن او الشاب السخي يفضله تعالى على الشيخ البخيل.. الخ، ولعلك تسأل عن السر الكامن وراء ذلك حيث يمكننا ان نجيب عن الموضوع بان (البخل) لا يحمل اي نبضٍ من الانسانية مادام لاينفتح صاحبه على الاخرين، وهل الانسانية الا التواصل بين الافراد والجماعات ومساعدة هذا لذاك، فاذا أمسك البخيل ما يملكه عن الاخر تلاشى النبض الانساني من البخيل، والاشد من ذلك مفارقة ان البخيل يبخل على نفسه أيضاً وهذا ما يجعل الشخصية منغلقة حتى على ذاتها بحيث يصبح البخيل مجرد شخصية ممسوخة لاترقى حتى الى الجنس الحيواني الذي يفضلها بحيوانيته، وهذا ما جسده حديث الامام عليه السلام، عبر الصورة الفنية التي آن لنا ان نحدثك عنها.
لقد اومأ الامام عليه السلام الى ان (البخل) جلباب (المسكنة) والمسكنة كما نعرفها هي: الفقر الشديد وليس مجرد الفقر، وهذا يعني: ان المسكين هو الفاقد لكل شئ، لا يملك ما يسد قوته، فاذا كان كذلك: حينئذ نتساءل: كيف صور الامام عليه السلام هذه الشخصية أو هذا البخل من حيث انعكاساته على صاحبه؟ لقد خلع الامام عليه السلام طابع (الجلباب) وهو الثوب الذي يغطي جميع البدن وليس مجرد الملبس الذي قد يغطي الجسم الاعلى أو الاسفل مثلاً، بل جميع البدن، وهنا تكمن البلاغة في أجلى صورها الفنية، فالبخيل مادام قد لبس ثوباً يغطي جسده جميعاً فهذا يعني انه لاسبيل الى ان يتنفس من هنا او هناك أو يدع مجالاً لنفاذ الشئ اليه، وهنا تكمن طرفة جديدة هي: ان الامام عليه السلام رسم (البخل) من حيث كونه جلباباً من الفقر وليس جلباباً من الغنى، والا فان الجلباب اذا كان رامزاً الى الغنى: فهذا معناه: الثراء الكبير ولكن المسألة على عكس ذلك تماماً حيث يعني جلباب الفقر ان الشخصية لا مالكية لها البتة بل ان الفقر يغطي كل جسدها بحيث تحيا يائسة من الغنى ويحيط الفقر بها من كل الجوانب بل تزداد فقراً حتى على المسكين الحقيقي لان المسكين الحقيقي من الممكن ان يساعده الاخرون بينما البخيل حتى لو امتلك المال فانه لايستهلكه بل يدخره دون الافادة منه وهذا هو منتهى المسكنة: كما اوضحناه.
ختاماً: نسأله تعالى ان يعيذنا من ذلك انه سميع مجيب.