نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "لم يذهب من مالك ما وعظك".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة خاصة، من الممكن ان نعدها صورة (معدولة) اي: مجازية، او تخيليةً، كما يمكن تسميتها بالصورة المباشرة او الواقعية، لكن بما اننا نتحدث عن البعد البلاغي لنصوص المعصومين عليهم السلام، لذلك سوف نتعامل بلاغياً مع النص المتقدم. هنا يمكنك ان تعترض قائلاً: هل ان الامر هو: عملية آلية بحيث يمكنك ان تعتبرها اي الصورة المتقدمة واقعية ام معدولة؟ ونجيب: ان الفن او البلاغة لا ينحصران في اللغة المعدولة او التخيلية بل ان الايقاع، والصياغة التركيبية، والاساليب الدلالية من تكرار وتضاد ونقاط فراغ الخ، لها دورها ايضاً في جعل النص متسماً بالفن او التعبير البلاغي لذلك، سوف نتحدث عن الصورة المتقدمة في ضوء النكات الدلالية لها.
ان اول ما يستوقفنا من النص المتقدم هو: اكساب الطابع المادي طابعاً نفسيا، تتسم به العبارة المجازية كالاستعارة مثلا حيث ان قوله تعالى مثلا: "وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ" وهو استعارة قد خلع طابعاً نفسياً هو (الذل) على ظاهرة مادية هي (الجناح)، وهكذا بالنسبة الى الحديث الذي نتناوله الان، ولكنه اكساب من نمط اخر هو: واقعية المال حيث ضياعه ومايترتب على الضياع من العظة التي يستخلصها فان المال على نحو ما نبدأ بالقاء الاضاءة عليه من حيث الدلالة.
بلاغة الحديث
بما ان (المال) هو: الوسيلة التي يعتمد عليها الانسان في اشباع حاجاته من المطعم والمشرب والمسكن والمركب وغيرها، حينئذ فان الحصول عليه يظل فارضاً اهميته، كل ما في الامر ان الرزق مادام موكولا الى الله تعالى، فان الشخصية الاسلامية الواعية لايقلقها هذا الجانب، حتى في حالة ضياعه وهذا ما تكفل الحديث المتقدم بالابانة عن نكاته متمثلة في الخطوط الاتية:
1- ان ذهاب المال سواء اكان من خلال ضياعه او صرفه في مجالات لم يحتسبها صاحبه، سوف تفضي به الى ان يكتسب عظة من ذلك.
2- ان واهب المال اساساً هو الله تعالى، فاذا استرده تعالى من خلال ضياعه او صرفه: حينئذ فان العارية ردت الى صاحبها.
3 – ان ضياع المال او صرفه فيما لم يحتسبه: يظل بمثابة دفع لبلاء يهون المال حياله.
4- يترتب على ذلك، ان تتعمق قناعة الشخصية بان ما ظفر به من الحالة المذكورة: انها عمقت وعيه العبادي، ومن ثم لامناص من الشكر لله تعالى على النعمة المذكورة المتمثلة في ان المصلحة هي فقدان المال المذكور وتعويضه بما هو اهم دنيوياً واخروياً.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ما يرضاه وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.