نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "كن من الدنيا على قُلعة "
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة أدبية هي (الرمز)، أو (التمثيل) او سواهما من الصور التي يطلق عليها في المصطلح المعاصر (الصورة الانزياحية) او(المعدولة)، والمهم الان هو: ملاحظتها دلالياً وجمالياً، اما دلالياً فتعني ان الدنيا بمثابة عارية استعرتها من الآخر، فهي غير ثابتة لك ولابد من ارجاعها الى صاحبها، وهذا هو معنى كلمة (قلعة) حيث تقتلع من المستعير وترجع الى سواه، واما جمالياً او بلاغياً فاليك التفصيل او التحليل لذلك.
بلاغة الحديث
قلنا: ان مصطلح (قلعة) هو: الشئ الذي تستعيره من شخص اخر ولابد من ارجاعه حيث لايمكنك ان تتملكه، وحينئذ اذا كانت الدنيا بمثابة الشئ الذي لاتمتلكه بل تستعيره موقتاً من شخص اخر وترجعه اليه، نقول: اذا كان الامر كذلك فما هي النكتة البلاغية في النص؟ ان النكتة الاولى في النص هي: ان الدنيا ليست ملكاً لك بحيث تستطيع ان تتصرف فيها الى الابد بل الى مدة محدودة، وهكذا الدنيا انها سنوات معدودة او طويلة تتجاوز عشرات السنين، ففي الحالين تظل زمناً محدودا ينتهي بانتهاء عمر الانسان، النكتة الثانية: تترتب على الاولى، فما دامت الدنيا قصيرة حينئذ ما هو الهدف من ذلك؟ الهدف بما انه يتجسد في ممارسة الانسان لوظيفته التي خلق الله تعالى الانسان من اجلها: حينئذ فان المطلوب هو الالتزام بما رسمه الله تعالى من المبادئ، النكتة الثالثة هي: لايحق للانسان ان يتصرف في الشئ الذي لايمتلكه الا في حدود معينة وهذه الحدود هي المبادئ الاسلامية ومن ثم: عدم جواز التصرف بالشئ خارجاً عن الاعارة الموقتة والمرتبطة بشروط العمل وفق مبادئ الله تعالى والا فان الانسان يعرض نفسه لسخط الله تعالى وعقابه الاخروي.
ثمة نكات اخرى يمكن لخواطرنا ان تتصورها في نطاق المفهوم الذاهب الى ان الدنيا معارة وليست ملكا يستطيع الانسان ان يتصرف بها وفق مايشاء بل يترتب العقاب على كل تصرف غير مسموح به، يترتب على ذلك ان الانسان يظل بحاجة الى اشباع رغباته مطلقاً، وهذا ما لا يمكن تحققه البتة، حيث ان الدنيا مهما اتسعت لصاحبها فانه لايستطيع اشباع حاجاته المطلقة فيها: كالعمر الطويل مثلاً او الحصول على موقع اجتماعي او علمي ملحوظ او الرئاسة.. الخ، حيث لاتسكت الانسان الا حفنة التراب التي تنتظره، اذن: لاسبيل الى الاشباع المطلق في الحياة بل ينحصر الاشباع الحقيقي في ممارسة وظيفة الانسان الخلافية كما اراد الله تعالى ذلك.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى اداء وظيفتنا العبادية اي: ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.