نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "الدنيا دار بلاء وفناء، والاخرة دار جزاء وبقاء".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي على جملة نكات بلاغية، منها: ارتكانه الى صورة استعارية، وهي (الدار) التي خلعها النص على الحياة الدنيا والاخرة، ومنها: الايقاع المزدوج من جانب، والمتعدد من جانب اخر، ومنها: التقابل بين الدنيا والاخرة وبين نمطي بنائهما، واما دلالياً فمن الوضوح بمكان من حيث فناء احداهما وبقاء الاخرة، واليك التفصيل.
بلاغة الحديث
بلاغياً: تواجهك مجموعة نكات لها جماليتها وطرافتها، ونحسبك تتسائل عن هذه الجمالية وتلكم الطرافة، واما الجمالية: فلعلك تعرف تماماً ان الصورة والصوت هما ابرز معالم التعبير الفني، وهذان العنصران يظهران بوضوح في الحديث المتقدم، يضاف الى ذلك جمالية الدلالة او طرافتها وهي: التقابل بين دار ودار، والتقابل بين بلاء وجزاء، وبين فناء وبقاء، واليك من جديد: تفصيل ذلك.
بلاغياً: قلنا ان الصوت والصورة هما ابرز معالم الجمال او التعبير الفني، اما الصورة فهي: ما اشرنا اليها، متمثلة في مصطلح (دار) حيث خلعها على الدنيا وعلى الاخرة بصفة ان كلتيهما اي الدارين يحيا ويعيش ويمكث فيهما الانسان، كل ما في الامر ان احداهما فانية والاخرى باقية وهنا تكمن الطرافة والاثارة، كما سنوضح.
واما الايقاع فمدهش دون ادنى شك، والايقاع اذا كان منفرداً في عبارتين من النص كان له اثارته فكيف اذا كان متعدد العبارات وهذا ما نلفت نظرك اليه الان.
اقرأ: (بلاء، وفناء) ثم اقرأ (جزاء، وبقاء)، فاولاً نلاحظ بان الفاصلة هي (فناء) و(بقاء)، ثم (بلاء) و(جزاء) حيث تزدوج الفاصلة بايقاعين وليس بايقاع واحد، وتنضم الجمالية ليس في ازدواجية الايقاع المتمثل في اربع عبارات موحدة ايقاعياً فحسب بل في (التقابل) المدهش بين كل فاصلتين، حيث نلحظ ان بلاء وفناء يتقابلان مع (جزاء وبقاء) من جانب، ثم يتقابل كل منهما مع الاخر من جانب اخر، وهو: ان بلاء يقابله جزاء اي: الدنيا دار امتحان وعمل بينما الاخرة دار (ثواب) او (جزاء) على ذلك، وكذلك عبارة (فناء) تتقابل مع عبارة (بقاء)، حيث يتقابل فناء الدنيا العاجلة مع بقاء الاخرة الاجلة، اذن: ما اكثف واضخم واجمل واطرف هذه العبارات الايقاعية المرتكنة الى جمالية وطرافة العبارات (المتقابلة) بالنحو الذي اوضحناه؟.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا نعي مهمتنا الدنيوية، وان نجعلها جسراً لآخرتنا كما نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.