نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "لا زهد كقصر الامل".
دلالة الحديث
هذا النص يجسد صورة تشبيهية واقعية، او حسية قبالة الصور التخيلية التي تستهدف تعميق الحقيقة طبيعياً: ان لكل من الصور الواقعية والتخيلية فاعليتها في توضيح الحقائق، بيد ان السياق يفرض هذا النمط او ذاك من الصياغة الصورية، وبالنسبة الى حديث الامام الباق رعليه السلام القائل (لا زهد كقصر الامل) يظل التشبيه واقعياً مستهدفاً تعميق الحقيقة الذاهبة الى ان الانسان في حالة زهده بمتاع الحياة الدنيا اي: تحقيق الاشباع بقدر الحاجة اي: بقدر ما يزيح التوتر او النقص الذي يتحسسه الشخص في حاجته الحيوية او النفسية او العقلية (كما لو تناول لقيمات محدودة لازاحة التوتر العضلي في المعدة دون تجاوزها الى الاشباع المترف)، وهذا ما اضطلعت به الصورة التشبيهية التي قدمها الامام الباقر عليه السلام في ذهابه الى انه (لا زهد كقصر الامل)، وهو ما نحدثك عن بلاغته الان.
بلاغة الحديث
قلنا: ان الزهد هو: عدم التشبث بمتاع الحياة الدنيا بقدر ما يسد الانسان حاجته الضرورية، وهذا الموضوع يتطلب تعميق دلالته في ذهن القارئ وهو ما عبرت المقولة المذكورة (لازهد كقصر الامل) عن ذلك، واليك التفسير الفني لهذا التشبيه، لقد شبه الامام عليه السلام (الزهد) في افضل صوره بـ (قصر الامل) ويقصد بذلك ان يقلص الانسان امله او آماله الدنيوية، مكتفياً بما هو ضروري من الحاجات، فمثلاً ان من يأمل بالحصول على الثروة، او المنصب، يظل ممن طال امله وليس ممن قصر امله، لان طول الامل لايتحقق بالضرورة اي: ليس من يحلم بالثروة يستطيع الحصول عليها بالضرورة، وليس من يحلم بمنصب اجتماعي يستطيع تحقيقه، لذلك فان الامل بتحقيق ما هو ضروري فحسب هو: المجسد للحل الامثل وهذا كمن يقتصر على (الكفاف) في كل شئ كالحصول على المال بقدر ما يسد جوعه دون التفكير بالاطعمة الشهية وكذلك سائر حاجاته من المسكن والملبس والمركب..الخ، والسؤال الان: ما هي النكات البلاغية في هذا التشبيه القائل بأن (الزهد) هو (كقصر الامل)؟.
تتمثل النكات البلاغية في هذا التشبيه بجملة ظواهر، منها: ان (قصر الامل) بنفسه يجسد صورة بلاغية استعارية حيث يخلع النص على الامل وهو حاجة نفسية طابعاً ماديا هو (القصر): كالمسافة مثلاً، ومنها: ان (قصر الامل) مادام تعبيرا عن ادنى المسافة، حينئذ يتجانس مع (الزهد) الذي يعني: تعبيرا عن ادنى الحاجة وهو ما يطلق عليه مصطلح (الكفاف)، ومنها: ان التشبيه المتقدم يقارن ليس على مستوى التماثل بين قصر الامل والزهد بل على مستوى افضل مصاديق الزهد، وهذا مما يعمق القناعة لدى القارئ للحديث بفاعلية الزهد وبتفاهة الامال الطويلة، كما هو واضح.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ان نزهد بمتاع الحياة الدنيا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.