نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "أخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل ان تخرج منها ابدانكم".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد صورة استعارية او رمزية أو معدولة اي: تعدل من اللغة المعجمية الى اللغة الثانية، فما هي هذه اللغة الثانية؟ هذا ما نحدثك به بعد قليل عندما نتحدث عن بلاغة النص، ولكن المطلوب أولاً هو: نور النص فما هو نوره؟.
النص يقرر بوضوح بأن على الانسان ان يتهيأ للرحيل من الدنيا الى الاخرة، وذلك لان الموت لامناص منه، قد يأتي بغتة عبر لحظات، وقد يمتد، ولكن الى اجلٍ مسمى حيث لا مهرب منه البتة، وهذا ما يداعي الاذهان الى ضرورة أن يتهيأ للرحيل، متمثلاً في الالتزام بمبادئ الله تعالى اي: التقوى، وهذا ما يستتبع اخراج حبنا للدنيا، والتوجه الى ما تطلبه الاخرة من العمل وفي مقدمتها كما اشرنا نبذ زينة الحياة الدنيا.
بلاغة الحديث
والان الى بلاغة النص، فماذا نستلهم؟ ان ابرز بلاغة للنص هو: احالة القارئ لهذا النص الحاضر لغوياً الى (غائب) دلالة، اي: ان النص يجعلك تبحث عن حالة غائبة لغوياً وهي: العمل من اجل الاخرة، وهذا هو ابرز معالم البلاغة اي: الاحالة من كلمة حاضرة لفظياً او كتابياً الى دلالة غائبة لا وجود لها من حيث اللغة.
السمة البلاغية الثانية في النص هي لغته المعدولة، ونعني بها عبارة "اخرجوا من الدنيا قلوبكم" ثم عبارة "من قبل ان تخرج منها ابدانكم"، فهنا شطران من الدلالة الفنية الاول هو: (اخراج القلب) من الدنيا، حيث يعني ذلك: نبذها اي: زينتها، زخرفها، متاعها..الخ، والشطر الاخر هو: اخراج الموت لأبداننا حيث يفاجئ الموت الانسان من غمرة انشغاله بحب الدنيا، بمعنى: علينا ان ننبذها قبل ان نموت، والسر الفني هنا هو: التقابل بين اخراج القلب حب الدنيا واخراج الموت ابدان البشر، فالاخراجان أحدهما داخلي والاخر خارجي، الداخلي هو عمل القلب، والخارجي هو الموت.
اما السمة الثالثة فهي: اكساب القلب طابعاً مادياً هو: اخراجه لحب الدنيا وهذا ما يهب النص حيوية خاصة بالاضافة الى انه عليه السلام لم يقل: اخرجوا حب الدنيا بل قال (اخرجوا من الدنيا قلوبكم) حيث ترك لنا فراغاً نملؤه نحن القراء للنص وهو: استحضار كلمة (الحب) في استجابتنا لقراءة النص وهذا مما يسهم في حيوية النص بصفة ان مشاركة القارئ لاستخلاص الدلالة لها حيويتها، كما هو واضح.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى اخراج الدنيا من قلوبنا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.