نص الحديث
قال الامام الهادي عليه السلام: "العقاب: مفتاح التقالى".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة استعارية لها جمالىتها واثارتها وعمقها، انها تتحدث عن العقاب وهو: ان يصدر من الشخصية كلام الى الاخر فيه: شئ من عدم الرضا ولكنه من خلال اللوم وليس من خلال الغضب او العدوان والفارق بينهما من الوضوح بمكان اي: الفارق بين لغة عدوانية ولغة معاتبة، ولكنهما في نفس الوقت قد يتسببان نتيجة مشتركة هي: التقالي اي: التباغض وهذا ما رسمه الامام عليه السلام عبر صورة استعارية، آن لنا ان نحدثك الان عن صياغتها بلاغياً.
بلاغة الحديث
لقد خلع الامام عليه السلام (العتاب) طابعاً هو (المفتاح) وجعل المفتاح هو: المفظي الى حدوث التباغض بين الطرفين، والسؤال هو: عن الاستعارة المتمثلة في المفتاح وما تفرزه من دلالات في هذا الميدان، لكن قبل ان نحدثك عن الاستعارة يحسن بنا ان نستشهد بمثال واحد عن العتاب وعن (الهجاء)، فاذا عاتبت شخصية ما وقلت لها: (لماذا أخلفت الوعد معي) حينئذ فان الاستجابة الصادرة من الشخصية تظل مقترنة بشئ من الخجل أو الغيظ المكتوم، اما لو هجوته وقلت له مثلاً (انت نموذج ردئ في التعامل مع صديقك) حيث اخلفت الوعد حيئذ فان الاستجابة الصادرة من الشخصية تظل مقترنة بالبغضاء ولذلك فان الفارق في الحالة الاولى هو: استجابة مقترنة بخجل وبغيظ مكتوم بعكس الحالة الثانية المتمثلة في الاستجابة الغاضبة، والان: الى الاستعارة (مفتاح التقالي) فماذا نستلهم؟.
المفتاح هو اداة لفتح الباب، ومع فتح الباب يتم الدخول الى ساحة الدار ولكن لو لم نستخدم المفتاح تظل الدار بمنأى عن الدخول، والدخول الى الدار نفترضه دخولاً غير مسموح به أو دخولاً لالحاق الاذى بصاحب الدار، من هنا جاءت الاستعارة القائلة بان (العتاب مفتاح التقالي) رامزة الى الدلالة التي استشهدنا بها وهي: انك اذا عاتبت اخاك: تكون حينئذ قد فتحت الباب للدخول الى ساحة التباغض والعداوة ونحوهما وذلك من خلال ما يتركه العتاب من استجابة يستبطنها الطرف المعاتب ولا يظهرها ولكنها تعمل عملها في الداخل بحيث تحدث (توتراً بين الطرفين) وهذا مالا يرتضيه الشارع الاسلامي. ان حدوث التوتر سواء برز على وجه المعاتب أو بقي مكبوتاً في داخله ففي الحالتين تتجسد حالة من العلاقة المهزوزة خلافاً لما تستهدفه النصوص الشرعية الحريصة على توثيق العلاقات بين المؤمنين، كما هو واضح.
اذن: امكننا ان نتبين ولو عاجلاً جانباً من الاضرار التي قد تلحق بالعلاقة الاخوية بين المؤمنين من خلال (العتاب).
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ارساء العلاقات الطيبة بين الاطراف المؤمنة وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.