نص الحديث
قال الامام الكاظم عليه السلام: "لو رأيت مسير الأجل: لالهاك عن الأمل".
دلالة الحديث
النص المتقدم يجسد استعارة لها اثارها وطرافتها وعمقها انها تتحدث عن (الامل) وهو مطلق ما يتمناه الانسان من حيث حصول الاشباع اي: تحققه، بيد ان الامل يختلف من نمط الى آخر بعضه ايجابي وبعضه سلبي، بيد ان الانسان غير الواعي عبادياً يظل مشدودا الى آماله التي لا يمكن البتة ان يتحقق بعضها او الى آماله غير المرتبطة بما ينتفع عبادياً به او مجرد اشباع لحاجات خارجة عن الكفاف: يضاف الى ذلك ثمة آمال من غير المتيقن حصولها من حيث الجهل بأجل الانسان واذا بالاجل يباغته وتتحطم آماله ومن ثم يخسر دنياه واخرته فلا هو عمل لاخرته ولا هو ظفر بآماله، وهذا ما ينطق به الحديث المتقدم، واليك الان بلاغته الفائقة.
بلاغة الحديث
لقد جعل الامام الكاظم عليه السلام (الاجل) بمثابة (مسافر) والمسافر عادة يصل الى هدف ما، واذا ادركنا ان الانسان يجهل مدى عمره شاباً او كهلاً أو شيخاً او حتى طفلاً: حينئذ يتوقع فراقه للدنيا ومن ثم فراقه لما نسج من الامال فيها، هنا تبرز جمالية الاستعارة المذكورة وهي (مسير الاجل) اي: عمر الانسان الذي ينتهي لا محالة في يوم ما ولكنه غير معلوم، قد يصعد نفس الانسان ولا ينزل وقد يمتد ساعة او اسابيع او سنوات لا احد يعرف ذلك وحينئذ فان (الطريق او المسير) مادام مجهولاً: هل يستطيع المسافر مثلاً عندما يجهل طريقه قد يذهب يميناً وشمالاً وقد يرتد الى الوراء وقد يتيه (كبني اسرائيل) وحينئذ لايفقد الرجل امل وصوله الى الهدف فحسب بل يظل يتخبط هنا وهناك لايقر له قرار، انه يتمزق ويتوتر ويؤخر رجلاً وهكذا، والان ننقل هذه الصورة الى الانسان الذي يرسم اماله دون ان يفكر بمجيء اجله المجهول الذي قد يأتي بغتة الان اوغداً أو… الخ، فماذا يستلهم؟.
ان الانسان اذا فكر بمسير الاجل الذي ينتظره حينئذ سوف يلهيه عن التفكير بتحقيق هذا الامل او ذاك اي: سوف يفكر عما عمله من المهمة العبادية التي خلق الله تعالى الجن والانس من أجلها: تبعاً لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، ان تفكره بأداء وظيفته يجعله قلقاً لا وقت لديه بصياغة آمال قد لايسمح الاجل بها واذا به يفقد امله واخرته ايضاً.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.