نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "ربما كان الدواء داءً، والداء دواء".
دلالة الحديث
الكلام المتقدم صورة استدلالية اذا صح مثل هذا التعبير وهو نمط من الصياغة التي تعتمد (ليس التخيل مادة) بل الحقيقة ولكن من خلال قيامها على التضاد أو الفرضية ونحوهما من الانماط المتسمة بما هو طريف أو ساخر..الخ، ويعنينا من النص المتقدم قيامه على عنصر التضاد او التقابل والتكرار والتجانس الايقاعي حيث نلحظ من حيث الصياغة عنصر (التضاد) من الوضوح بمكان، فالداء هو المرض ولكنه يصبح دواءً اي: المرض يصبح علاجاً والعلاج يصبح مرضاً. وهذا النمط من التضاد وهو تضاد والتقابل: اي الدواء يقابل الداء والداء يقابل الدواء اي: ثمة طرفان لكل صورة متقابلة لصورة ذات طرفين ايضاً.
بلاغة الحديث
واما (التكرار) فيتمثل في هذه التكرارات المتقابلة الجميلة المتضادة والمتجانسة ايضاً فالدواء يتكرر والداء يتكرر: كل عبارة مرتين، واما التجانس الايقاعي فيبلغ ذروته حينما نلاحظ بأن الطرفين المتكررين (اربع مرات من مجموع العبارتين (دواء)، داء= داء، دواء) هذا التجانس بين العبارتين ليس تجانساً صوتياً عادياً بل التجانس الذي يطلق عليه بالتام لانه يعتمد جميع الاصوات في الصياغة اي: حروف الدال والالف والهمزة واما (الواو) فلا تؤثر في تمامية التجانس.
والان: خارجاً عن البعد البلاغي صوتياً نتجه الى الدلالة فماذا نجد؟ الطرافة والحكمة هما الغالبان على النص فالدواء والداء يظلان رمزين لدلالة تقرر انه من الممكن ان يكون الخير شراً والشر خيراً والايجاب سلباً والسلب ايجاباً، وهكذا واليك المثال العملي لهذا الموضوع، فمثلاً الطعام ضروري للانسان ولكن اذا اكثرت منه خارجاً عن الحاجة يتحول الى ضرر وليس الى ضرورة، واليك المثال الاخر: لو وصف لك العسل دواءً ولكنك اكثرت منه الى درجة الافراط تحول من كونه دواءً هو لشفاء المريض الى داء هو: الحكة الجسدية التي تفتك بجسد الانسان وتصبح مرضاً ربما يحتاج الى اجراء عملية جراحية مثلاً.
واما الامثلة العبادية فتظل هي المستهدفة في الدرجة الاولى لمن يجهل اولاً يعي عبادياً، كمن خيل اليه ان (الصمت) وهو مرغوب فيه، حتى في حالة ضرورة الكلام كالارشاد والامر بالمعروف، واذا به يصمت حيث يجب ان يتكلم، او يتكلم حيث يجب ان يصمت.
ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا لمعرفة العمل العبادي الحق وان يوفقنا الى الطاعة انه سميع مجيب.