نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "اغتنم من اسقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك".
دلالة الحديث
النص المذكور يحمل بلاغة فائقة وطريفة وعميقة ومثيرة، انه نص حافل بما لاتستطيع العبارات: الافصاح عن أهميته، انه اولاً: (تناص) اي: اقتباس من آية قرآنية كريمة تتحدث عمن يقرض الله قرضاً حسنا، وهو ثانياً: يتحدث عن ظاهرة الغنى والفقر، حيث استخدمهما معنويا، وهو ثالثا: يربط عمل دنياك بآخرتك، واليك التفصيل عما اوردناه الان.
لنفترض انك ساعدت احد الفقراء بمبلغ معين لايضر بدخلك الفردي، اي: ساعدت الفقر في حال يسارك او غناك كما عبر الامام عليه السلام عن ذلك، في هذه الحالة تنتظر ثواب الله تعالى على ذلك، اما دنيوياً فيزيدك مالاً، او اخرويا فتكسب رضاه تعالى والجنة، ولقد اطلق الله تعالى على مساعدتك للفقير ظاهرة (القرض): وهذا القرض ليس للفقير بل اقرضت الله تعالى، والمقرض ينتظر اداء الدين. لكن بما ان المقترض هو الله تعالى، حينئذ سيؤدي لك ما استقرضه، ولكن متى؟ في اليوم الاخر حيث تحتاج الى مال ليس مادياً (النقد الذي قدمته للفقير) بل تحتاج الى رضاه تعالى والجنة، وهما ليسا متاحين الا في حالة كونك قد قدمت في دنياك عملاً صالحاً الا وهو: مساعدتك للفقير، واذا به تعالى يمنحك ما تتطلع اليه يوم العسرة، يوم الشدة، يوم الفاقه، يوم الحساب. اذن: قد كسبت مالا يقاس ثمنه بثمن ما قدمت.
بلاغة الحديث
ثمة نكتة بلاغية يتعين علينا ان نلاحظها بدقة وهي: طرافة التقابل بين يوم العسرة وبين قضاء الدين، فاذا افترضنا انك اقرضت شخصاً مالاً يسيراً بالنسبة الى غناك اقتصادياً ولكنك افقرت ذات يوم واحتجت الى المال الذي كنت مستغنياً عنه ايام غناك اي: اذا اصبحت في حالة من العسر الشديد عندئذ كم يكون فرحك كبيراً عندما يجيء الشخص الذي اقرضته: بالمال الذي استقرضه حيث تجد نفسك في حال عسرتك قد انتفعت بقضاء الدين من قبل من اقرضته في حال غناك!.
اذن: امكننا ان نتبين مدى طرافة وعمق النص الذي قدمه الامام علي عليه السلام، حيث يدفعك هذا النص الى ان تسارع في عمل الطاعات، وانت بمقدورك ذلك، اي: يتيسر لك ان تطيع الله تعالى، ومن ثم: تحتاج في اليوم الاخر (وهو يوم عسير) يشيب فيه الولدان، ويفر المرء من اخيه.. الخ، عندئذ (وانت في حالة العسر) يقض لك الله تعالى دينك، وهو: ممارسة الطاعة التي مارستها في حال مقدرتك وها هو يجازيك في حالة عسرتك.
اذن: للمرة الجديدة ما اعظم دلالة النص المتقدم، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.