نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "ألِحّوا في الاستغفار فانه ممحاة للذنوب".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد صورة استعارية، حيث خلعت على الاستغفار طابع (الممحاة) اي: محو الشيء، وهو يطلق على العينة الحسية، والسؤال الآن هو: عن ملاحظة السمة الفنية او البلاغية للصورة المتقدمة فنقول:
الدلالة للحديث المتقدم هي: الاستغفار، والاستغفار هو: طلب المغفرة من الله تعالى للذنوب الصادرة من المستغفر، وقد أمرت النصوص الشرعية بالاستغفار في شتى مستوياته وما يترتب عليه من الآثار الاخروية والدنيوية ايضا. ولكن يعنينا من ذلك ان نلاحظ النكتة البلاغية في الحديث الذي بين ايدينا، لذلك: نتساءل: ما هي النكات الكامنة وراء الحديث المذكور أو وراء الاستعارة المتقدمة؟.
من الحقائق المعروفة لغويا ان عبارات مثل: الغفران للذنب أو العفو عن الذنب او الصفح عن الذنب او التجاوز عن الذنب تظل متفاوتة الدلالة في نفس الوقت الذي تدل على اشتراكها في معنى واحد اجمالي: هو ان الله تعالى يتجاوز عن الذنب بحيث لايرتب عليه اثرا عقابيا، لذلك فأن الكتاب العاديين يعتبرون هذه المصطلحات (الغفران، العفو، الصفح) مترادفة، بينما ليست هي كذلك، فالصفح مثلا هو: اشاحة النظر عن الذنب، بينما العفو هو: اعفاء اثر الذنب نهائيا كما تعفي الرياح الأتربة على الارض، واما المغفرة فلها دلالة ثالثة هي (الستر) للشيء، وهذا يعني ان فارقا بين من تصفح عنه او تشيح عنه ولا تعاقبه ولكنك مستاء منه، بينما العفو هو عدم ترتيب اثر على الذنب مع امكان ان تستاء منه، وأما الغفران فهو: الستر على الذنب، وحينئذ اذا كان الامر كذلك، فما هي النكتة البلاغية للحديث القائل بأن الاستغفار ممحاة للذنب؟.
بلاغة الحديث
لا نتأمل طويلا حتى نعرف بوضوح ان عبارة (ممحاة) تعني: المسح للشيء، والمسح للشيء: يعني عدم ترتيب الاثر عليه، وفي اللغة العبادية يعني: عدم العقاب عليه، اذن: عندما يستخدم الحديث عبارة (ممحاة) يكون بذلك قد عبر عن أهمية الاستغفار بصفته ندما على ممارسة الذنب، ولكن اذا كان مسح الله تعالى الذنب حينئذ يواجه المذنب ساحة القيامة وهو: بلا ذنب لانه مسح في الدنيا ولم يبق له اثر حتى تحاكم الشخصية.
اذن: ما أطرف وأعمق الحديث المتقدم، حيث يوضح اهمية الاستغفار واثره على الشخصية ابديا، أي: على الحياة الاخرة وهي حياة خالدة يتوقف تحديد نعيمها وشقائها بقدر ما يمارسه الانسان من الطاعة والمعصية، ومن ثم يظل الاستغفار احد الوسائل المهمة في غفران الذنب.
ختاما نسأله تعالى أن يوفقنا الى ممارسة الطاعة، ويغفر ذنوبنا انه سميع مجيب.