نص الحديث
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الجمال في اللسان".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم على قصره يحفل ببلاغة فائقة انه يتحدث عن (الجمال)، والجمال احد الدوافع المركبة في الانسان اي: حب الجمال او الحاجة الى الجمال او الاحساس بالجمال، لكن قبل ان نتحدث عن عبارة (الجمال في اللسان) يجدر بنا ان نحدثك عن انماط الجمال وصلة ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الاحساس بالجمال كما قلنا حاجة بشرية ولكنها تتجسد في جملة مظاهر، منها: جمال الطبيعة من زروع وانهار وجبال، ومنها جمال الجسد، ومنها: جمال اللغة، اي: ما يرتبط بها من ايقاع وصورة وانتقاء لفظي، ومنها جمال الصناعة اي ما يصفه الانسان من الظواهر المتنوعة: كاالالواح، أو الصناعات اليدوية أو مطلق ما يصنع بواسطة الالات.
والسؤال الان هو: ما هو المقصود من (الجمال) في حديث النبي (ص)؟ هل يقصد بذلك: صياغة الكلام من الزاوية الفنية كالاعتماد على الايقاع والصورة والتركيب اللفظي؟ قد يكون الامر كذلك، لكن بما ان الجمال وحده لا أهمية له الا من خلال توظيفه عبادياً، حينئذ فان جمال اللغة ونحوها يسهم في تعميق الدلالات العبادية التي يستهدفها النص مثل: القرآن الكريم والنصوص الواردة عن النبي (ص) واهل البيت عليهم السلام.
والآن: لنتجاوز هذا الجانب، بخاصة اننا نتحدث عن البعد البلاغي في احاديث المعصومين عليهم السلام، حيث يظل الكلام غير المباشر أو ما يطلق عليه بالمجاز، واللغة الانزياحية او المعدولة كما يعبر عنها في حياتنا المعاصرة، هو: المجسد لمفهوم البلاغة، من هنا، فان تعدد التأويلات للنص يظل واحداً من مبادئ البلاغة، وها هو النص الذي تتحدث عنه يظل خاضعاً لاكثر من تأويل، منه: ما قدمناه، ومنه ما نحدثك به الآن.
بلاغة الحديث
في تصورنا ان عبارة (الجمال في اللسان) تتداعى بالذهن الى دلالة معنوية هي: الكلام الصادر من الانسان بغض النظر عن صياغته الفنية بل بصياغته الاخلاقية، اي بمعنى: الكلمة الطيبة، والكلمة الهادفة، فالكلمة الطيبة هي: العبارات المشحونة باللين وبالمحبة، وبتكريم الطرف الاخر، واحترامه. واما الكلمة الهادفة فهي الكلمة التعليمية، سواء اكانت على مستوى التعليم لمبادئ الاسلام او كانت على مستوى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، او على مستوى مراعاة الطرف المقابل بما يتطلبه السياق من لسان يتلاءم مع الموقف.
اذن: أدركنا ولو سريعاً ما تعنيه عبارة (الجمال في اللسان) من تأويلات متنوعة بالنحو الذي اوضحناه، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يحسن لسانه وان يؤدي وظيفته المطلوبة، ومن ثم ان يوفقنا الله تعالى الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.