نص الحديث
قال الامام الباقر عليه السلام: "انظروا الي هذه القبور، سطوراً بأفناء الدور".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يتسم بطرافة الصورة الرمزية الاستعارية انه يتحدث عن العظة والاعتبار من خلال مشاهدتنا لقبور الموتى، ان المار على المقابر يشاهد بوضوح مرأى المقابر متراصفة او متقابلة او متناثرة بشكل او بآخر: كما يتراصف او يتقابل او يتناثر: سطر الكلمات على صفحة القرطاس، ان طرافة الصورة المتقدمة تتجانس في صياغتها للسطر الكتابي مع مجموعة القبور التي يشاهدها الانسان الحي، وتتضخم الطرافة حينما نتأمل بدقة فلسفة الكتابة وفلسفة نهاية الحياة وهذا مانبدأ بتوضيحه الآن.
ان الكتابة هي نشاط انساني يهدف الى توصيل المعرفة الى الاخر أو احتفاظ الكاتب بذلك للافادة منها في تذكيره بهذا المطلب او ذاك مما يعنى الكاتب به، فاذا نقلنا هذا التصور لعمل او ممارسة او وظيفة الانسان في الحياة وهي وظيفة تتمثل في التذكير بأن الانسان مخلوق من اجل ممارسة الخلافة أو العمل العبادي: تبعاً لقوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، ومعنى هذا ان الحياة المحدودة التي يمارس فيها الانسان وظيفته سوف تنتهي عبر عمر محدد بعدها ينتقل الى الحياة الاخرة وعملية الانتقال الى الاخرة تتجسد مظاهرها المذكرة للانسان بنهاية حياته تتجسد مظاهرها في هذه القبور التي نشاهدها. اذن: مشاهدة القبور تذكير بوظيفة الانسان ولكن المطلوب من التذكير: ما هي حقيقته؟ هذا مانواصل حديثنا عنه.
بلاغة الحديث
ان التماثل بين (القبور) و(السطور) من الجمالية بلاغياً بمكان كبير، السطر هو مجموعة كلمات، والقبور مجموعة من الحجارة ونحوها، السطور حية من خلال قراءتها، ولكنها ميتة من حيث جمودها على صفحة القرطاس، كذلك القبور انها جامدة انها مفصحة عن وجود جسد ميت لا حياة فيه اي: السطر الكتابي والقبر الترابي يتماثلان من جانب في جمودهما ولكنهما من جانب اخر يتماثلان في احياء هذا الجمود وتحويله الى فعل، فالسطر الكتابي المقروء يستضيء منه القارئ، والقبر الترابي المبني يستفيد منه المشاهد، كل واحد من القارئ والمشاهد اي: قارئ الكتابة ومشاهد القبر يفيد من ذلك، منعكساً على ما يرتبه من الاثر، وهذا في حالة حرصه على الافادة والا فان الغافل عن سطر الكتابة وعن مظهر القبر يظل عاطلاً ومن ثم يتعرض الى الخسار، وهو ما لا تريده الشخصية.
اذن امكننا ان نتبين طرافة التماثل بين السطر الكتابي والقبر الترابي، سائلين الله تعالى ان يجعلنا من الذاكرين وان يوفقنا الى الطاعة انه سميع مجيب.