نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "لا حسب كالتواضع".
دلالة الحديث
الحسب هو: شرف الاصل، والافتخار بالشئ واذا دققنا النظر في مقولة الامام عليه السلام لاحظنا صياغتها المنتسبة الى التشبيه ولكنه ليس التشبيه التخيلي بل هو تمثيل لحقيقة معينة من خلال مقارنتها بما يماثلها ولو ضداً، والآن: لننظر الى هذا التشبيه المتوكئ على الاداة الاكثر استخداماً في صياغة الكلام، فماذا نستلهم؟.
قلنا الحسب هو: شرف الاصل وموضع الافتخار، واما التواضع فهو: ضد الكبر، اي: عدم ممارسة العلو والاستعلاء والزهو والتعالي على الاخر. بل هو عكس ذلك تماماً اي: اذا كان المتكبر يتعالى على الاخر بصفة ليست لديه بل هي التعبير عن الاحساس بالنقص، فان التواضع على عكس ذلك تماماً، انه رفض لمقام الشخصية حتى لو كانت تمثل اكبر موقع اجتماعي، انه تنازل عن العلو انه نزول الى ابسط الدرجات.
اذن: التواضع تنازل والكبر تصاعد، وهذا يقتادنا الى المقارنة بينهما من جانب والى ربط ظاهرة التواضع بالحسب من جانب آخر، كيف ذلك؟.
بلاغة الحديث
اذا كان الحسب هو شرف الأصل وموضع الافتخار فان التواضع يمثل هذا الموقع فيكسب صاحبه درجة عليا من خلال تنازله عن درجته ويصبح موضع الافتخار، وكم هو مدهش من الزاوية البلاغية ان يكون التواضع تنازلاً ولكنه مفض الى التصاعد ليس من خلال ممارسة صاحبه للتصاعد بل من خلال نظر الناس اليه، حيث يكسبونه منزلة عليا قبالة تنازله الى منزلة ادنى، اذن التشبيه بين الحسب والتواضع، يتميز بجملة خصائص بلاغية.
1- يكتسب التواضع رفعة خلافاً لعملية التنازل.
2- التواضع مادام مرتبطاً بالاخر اي: بنظرة الاخرين للشخصية يظل هو موضع الفخر وشرف السلوك عكس التكبر تماماً، حيث يمنح الناس المتكبرين سمة سلبية على عكس ما يطلبه المتكبر من العلو.
3- يضاف الى التقويم الدنيوي للتواضع ما هو الاهم اخروياً الا وهو: الموقع الذي يحتله في الاخرة من حيث الظفر برضاه تعالى ومن حيث الظفر بتقدير الاخرين تقديراً واقعياً، ومن حيث الظفر بالنعيم المادي.
اذن جاءت الصياغة البلاغية للتواضع من خلال اكسابه شرف الاصل والفخر، مقرونة بما هو موضع الافتخار في الدنيا والاخرة.
سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.