نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لسان القاضي بين طريقين، اما الى الجنة واما الى النار".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم صورة فنية هدفها هو: ان تشير الى ان القاضي يضطلع بمسؤولية كبيرة لان الاحكام الصادرة عنه اذا لم تكن وفق المباديء الاسلامية حينئذ يكون القاضي من اصحاب النار، من هنا شددت النصوص الشرعية في شروط القضاء بحيث اذا لم يكن مجتهدا فحرام عليه الافتاء، وهذا من الخطورة بمكان، والمهم ان هذه الدلالة المتمثلة في ان القاضي اذا كان عارفا فأن الجنة تستقبله، اما اذا كان عكس ذلك، فان النار هي مأواه، والآن يتعين علينا أن نتبين من خلال التحليل الفني للحديث: الملامح البلاغية في صياغته الذاهبة الى ان لسان القاضي بين طريقين اما الى الجنة او اما الى النار.
ان أول ملمح فني يمكن النظر فيه هو: ان هذا الحديث اساسا ينتسب الى خانة الرمز، او الاستعارة، ولعل عبارة، لسان القاضي، وهي عبارة مباشرة من الممكن تصورها رمزاً او استعارة، بصفة ان اللسان هو جهاز النطق وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتفى بجعله رمزاً للنطق بالحكم ايجابا او سلباً حيث ان الرمز – في احد تعريفاته، هو اشارة او ايحاء بشئ حاضر وهو كلمة، لسان، الى شئ غائب وهو استخلاصنا بان المقصود من، اللسان، هو الاحكام القضائية التي يصدرها القاضي وهي دلالات غائبة لا وجود لها في العبارة المذكورة.
بلاغة الحديث
ونتجه الى مبدأ آخر هو عبارة، بين طريقين، فماذا نستلهم من هذا الرمز او الاستعارة؟
ان عبارة، بين طريقين، تجسد استعارة في اطرف شكلها… كيف ذلك؟
الطريق هو ما يتخذه الماشي او الراكب او المسافر موطئا يقطعه ليصل الى المكان المطلوب، ومن الواضح ان السالك لهذا الطريق او ذاك يترتب في انتخاب الطريق الاسهل والاقصر والاسلم من الاخطار، لذلك عندما ينتخب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الطريق، اعارة او رمزاً لمن يصدر الاحكام انما يستهدف الاشارة الى خطورة الطريق وضرورة المسير في طريق آمن من الاخطار بصفة ان اصدار القاضي لحكم ما: مماثل لإنتخاب الطريق السالم من الاخطار فاذا اصدر الحكم _وهو عارف_ حينئذ يكون قد انتخب طريقا لأخطر فيه حيث يوصله الى المكان المقصود وهو: الجنة واما في حالة العكس، اي عدم ترقيه في انتخاب الطريق، حينئذ سيواجه طريقا مليئا بالاخطار وهي النار.
اذن: امكننا ان نتبين الاسرار الفنية الكامنة وراء الصياغة المتقدمة للحديث وضرورة الاحتياط في السلوك سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يحتاط في السلوك وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.