نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "لو كنت – اي الدنيا – شخصاً مرئيا، وقالباً حسياً، لأقمت عليك حدود الله ".
دلالة الحديث
هذا النص يجسد صورة جمالية، نطلق عليها (الصورة الفرضية) اي: مجرد فرض لا واقعية له، وهذا ما ينطبق على وصف الدنيا، حيث خلع الامام (عليه السَّلام) عليها طابعاً بشرياً (الشخص المرئي) وخلع عليها طوابع بشرية اخرى مثل: اقامة الحدود عليها، ومما يجعل النص المتقدم ينسحب عليه مصطلح (الفرضية) هو: الأداة (لو) اي: لو فرض بأن الدنيا كانت شخصية بشرية لأقام علي (عليه السَّلام) عليها حدود الله تعالى … والمهم ان نحدثك الأن عن بلاغة الصورة المتقدمة … اما دلالتها فلا تحتاج الى توضيح بل ان التحليل البلاغي لها يفضي بالضرورة الى الحديث عن منحنيات ومستويات الدلالة.
بلاغة الحديث
ان قاريء الحديث يتساءل اولاً: ما هو الفارق بين كون الدنيا (شخصا مرئياً) وبين كونها (قالباً حسياً)؟
الجواب: الشخصية المرئية هي: التي يشاهدها الآخر قبالة الشخص غير المرئي… واما (القالب الحسي فيعني: المظهر الخارجي من الشخصية قبالة داخلها: كالعاطفة والعقل والافكار والعقائد الخ… والآن مع ادراكنا لأمثلة هذه الفروق نتجه لملاحظة بلاغة النص من عدة زوايا.
الامام (عليه السَّلام) يفترض بأن الدنيا هي بمثابة شخص يراه الناس، وله قالبه الحسي، أي: البدن، مع هذا الفرض ماذا يهدف اليه الامام (عليه السَّلام)؟ الهدف هو: اقامة الحدود عليها، وربما يتساءل البعض: لم تقام الحدود على الدنيا؟ إلأنها زينة)؟ إلأنها تستلب سلوكاً منحرفاً: كالسرقة والزنا واللواط والمساحقة وشرب الخمر والكذب والغيبة والعدوان والخ...؟ انها لكذلك.
والآن: نتساءل عن الاسرار الفنية لإقامة الحدود على الدنيا فنقول: بما أن المثيرات في الدنيا متنوعة اي: الفساد في الارض حينئذ فإن الضعاف عقائديا يحاولون اشباع حاجاتهم التي مرَّ ذكرها قبل قليل، أي: الحاجات الجنسية والاقتصادية والاجتماعية الخ… يحاولون اشباعها مطلقا دون الالتزام بما رسمه الشرع.
من هنا، فان الممارس لهذا الانحراف: رسم له الاسلام حدوداً يعاقب بها: كالجلد او الرجم او قطع اليد الخ… ومن البين ان الدنيا هي المثير الذي يوقع المنحرفين في شباكها، عندئذ لا مناص من اقامة الحدود المذكورة عليها.
اذن: امكننا ان نتبين طرافة الحديث المذكور حينما ألمح (عليه السَّلام) الى فرضية الدنيا شخصاً مرئياً (يقبض عليه بصفته شخصاً مرئياً ويقام عليه الحد (بصفته قالبا حسياً)… ومن ثم: فإن الشخصية الواعية سوف تزهد بمتاع هذه الدنيا، وهذا ما يدفعنا الى التوسل بالله تعالى بأن يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.