نص الحديث
قال الامام زين العابدين (عليه السَّلام): "عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته، كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم نمط من (التشبيه) يمكن تسميته بالتشبيه غير المباشر، او غير المقترن بأداة خاصة… لذلك يمكن الذهاب مثلاً الى التشبيه القائل (الذنب أشد ضرراً من الطعام الضار) وهو ما يطلق عليه ب (التشبيه المتفاوت).
والمهم – خارجا عن نمط هذه الصورة البلاغية التي قدمها الامام السجاد (عليه السَّلام) "عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته" ينبغي ان نقف عند هذه الصورة الفنية فنقول:
من البين ان الطعام الضار غالباً ما يتحاشاه الانسان وقاية من الضرر الجسمي الذي يترتب عليه، وهو مرض قد يكون عابراً او طويلاً او مزمنا الخ...، ولكنه في الحالات جميعا ضرر دنيوي قصير كقصر الدنيا او عمر الانسان، واما الذنب فيختلف تماماً عن الطعام الضار من جملة زوايا منها: ان الذنب يرتبط بعلاقة الانسان مع الله تعالى، بينما الطعام يختص بعلاقة الفرد مع ذاته، ومنها: ان الداء الذي يتحاشاه الممتنع عن الطعام الضار: اثر دنيوي، بينما الذنب امر اخروي اي: تترتب عليه جزاءات في اليوم الآخر، ومنها: قصر المرض قبالة طول العقاب، ومنها: تفاهة الضرر الجسمي قبالة طول العقاب، ومنها: تفاهة الضرر الجسمي قبالة خطورة الذنب الذي هو اساءة الى الله تعالي.
اذن: ثمة فوارق كبيرة بين الطعام الضار وبين الذنب إلا أن النكتة التي ينبغي علينا ان نلاحظها بالاضافة الى ما تقدم هي: ما نبدأ بتوضيحه الآن ان النكتة البلاغية هنا تتمثل في صياغة الحديث من خلال ظاهرة (التعجب) ثم من خلال التساؤل (والتحاور مع الذات) أو التحاور الانفرادي ولكنه موجه الى الآخر.
بلاغة الحديث
ان عنصر المحاورة والتعجب، والتساؤل واقتران ذلك بامكانية الترشح بمخاطبة المذنب، الخ... تظل ادوات بلاغية لها طرافتها في تعميق الدلالة، حيث ان الشخصية من الممكن ان تقول مثلاً (الحمية من الذنب اهم من الحمية من الطعام) إلا أن هذه الصياغة مع اهميتها لا تصل من حيث الإثارة الفنية الى صياغة قد اعتمدت التساؤل والتحاور والتعجب ومخاطبة النفس و مخاطبة الآخر الخ… حيث تتماوج هذه الاساليب مع تماوج الخيوط النفسية التي تتصاعد مع تصاعد الدلالة المتقدمة في اثارتها لعواطف القارئ لهذا الحديث حيث يتمثله داخل نفسه فينفعل بالموقف الى درجة الاثارة التي تفعل فعلها في احداث التغيير لسلوك الشخصية اي: تعديل السلوك والاقلاع عن الذنب.
اذن: امكننا ان نتبين _ولو سريعاً_ النكات الكامنة وراء الحديث المذكور سائلين الله تعالى ان يعصمنا من الذنوب، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.