نص الحديث
قال الامام علي (عليه السَّلام): "قلوب الرعية خزائن راعيها، فما أودعها من عدل او جور وجده".
دلالة الحديث
النص المتقدم (استعارة) طريفة وعميقة، انها تتحدث عن القائد السياسي او الاجتماعي او الخ...، وتربط بين القائد وبين المقود، بين الحاكم والمحكوم، وهي علاقة من النادر أن ينجح الحاكم غير الرباني في صياغتها بالنحو المطلوب، كما ان الرعية من الصعب أن يستطيع الحاكم جذبها الى الحق مادام الانسان بعامة ينزع الى الذاتية والعدوان في اشباع حاجاته، بيد ان الحاكم يظل هو المتحكم في صياغة المحكوم في اشباع حاجات المحكوم، ولذلك ورد بأن الناس على دين ملوكهم... والمهم الآن هو ملاحظة هذه المقولة من خلال التصور الاسلامي وهذا ما عبَّر الامام علي (عليه السَّلام) عنه، من خلال طرحه ظاهرة العدل والجور، حيث ان الالتزام بأحدهما هو المفضي الى تحقيق العلاقة الايجابية بين الحاكم وبين المحكوم وهذا ما نبدأ بتوضيحه الآن.
بلاغة الحديث
لقد رسم الامام (عليه السَّلام) صورة فنية هي الاستعارة كما قلنا فخلع طابع (الخزائن) وهي: الثروة الضخمة المودعة لدى هذا الشخص او ذاك او لدى هذه الجهة او تلك، هذا الطابع خلعه الامام (عليه السَّلام) على (القلوب) فجعلها (خزائن) يستطيع الحاكم او المصلح او القائد او الراعي بان يودع فيها الثروة، متمثلة في ظاهرتي (العدل) و (الجور)، أي: بمقدار ما يستطيع الراعي من ايداع السلوك العادل او الجائر: يتسلم نتائج ذلك، فبالعدل يتسلم مجتمعاً متوازناً وبالجور يتسلم مجتمعاً متمرداً مضطرباً متخلخلاً الخ...، ويعنينا الآن ان نقتص (طرائق) هذه الصياغة الاستعارية فنقول: ان (الخزائن) هي الاداة او المحل الممتلئ بالثروة والثروة هي المادة التي يتوكأ عليها الانسان في اشباع حاجاته واستمرارية حياته، وبدونها يفقد الانسان توازنه ويفضي به الى الانحراف اجتماعياً أو الاضطراب عقلياً، لذلك قد انتخب الامام (عليه السَّلام) (الثروة) او (المال) الذي يتقوم به العيش: طابعاً للتوازن الاجتماعي والفردي متمثلاً في ظاهرة (العدل) في توزيع الثروة فبدون العدل لا يمكن تأليف القلوب طالما تظل الغيرة والحسد والأنا هي المتحكمة في سلوك الانسان بيد أن التوازن في الاشباع لدى الرعية جميعاً يجعل قلوبها بمنأى عن الغيرة والحسد ونحوهما: كما هو واضح.
اذن: امكننا ان نتبين طرافة وعمق الصورة الاستعارية المتقدمة سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى الالتزام بالعدل والى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.