نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد الى السماء كأنها شرارة".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينتسب الى الصورة التشبيهية، حيث استخدم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) اداة التشبيه (كأنّ) ليقارن بين دعوة المظلوم وبين الشرارة الصاعدة الى السماء.... طبيعيا، انّ المظلوم يظلّ مشمولاً بما هو عدوان عليه، يستوي فى ذلك ان يكون العدوان لفضياً كما لو شتمه احد الأشخاص، او كان معنوياً كما لو اتهمه بالسوء وهو بريء من ذلك او كان مادياً كما لو غمطه حقّه المالي... الخ،... النكتة هي: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسم دعوة المظلوم على الظالم بانها (شرارة) فما هي النكات الكامنة وراء ذلك؟
الملاحظ ان النصوص الشرعية طالما توصي بالعفو وبالتنازل عن الحق، بل توصي بمجازاة المسيء بالإحسان، ولكن نجد النصوص الشرعية _في الآن ذاته_ تشير الى الآثار المترتبة على من يدعى عليه، اى: في حالة ما اذا لم تعف الشخصية عن الظالم – و شكته الى الله تعالى: نجد امثلة ما ذكره النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من تشبيه دعاء المظلوم بالشرارة... فما سر ذلك؟
في تصورنا ان النص المتقدم لا ينظر الى المظلوم بقدر ما يستهدف لفت النظر الى الظلم او الظالم، اي: ان هدف النص هو التحذير من الظلم نظراً لما يترتب عليه من العقاب او نظراً لما ينطوي عليه من غمط للحقوق ومن استهتار بالقيم، ومن استعلاء على الآخر، ومن عبادة للانا او الذات، بحيث نجد ان الظالم حينما يعتدى على الآخر، انما يفرّج عن احساسه بقبح النزعة العدوانية، او يحاول اشباع حاجاته المتنوعة من خلال سرقته حقوق الاخرين، سواءا كانت سرقة للمال (كالغشّ والربا ونحوهما) او سرقة لحق معنوي... الخ... من هنا جاء التشبيه بالشرارة لفتاً لنظر الظالم الذي يتوعده الله تعالى بالعقاب، بحيث يتناسب مع مفهوم الشرارة، على نحو ما نوضّحه الآن.
بلاغة الحديث
(الشرارة) _كما هو واضح_ رمز لأشد الحالات النفسية عند الانسان، حيث لا مادة اشد منها فى الإيلام والإيذاء الجسدي، ويكفي ان الله تعالى جعل (النار) _الشرارة منها_ عقاباً للمنحرفين، ايضا الى ذلك: ان الشرارة ترمز أيضاً الى غليان الحالة النفسية لدى المظلوم – بسبب احساسه بالأذى الذى لحقه من الظالم، وهذا يعني ان (الشرارة) اذا صعدت الى السماء فإن الجواب عنها هو: العقاب الشديد جداً لمن سبّب حدوث الشرارة المتقدمة فى أعماق او قلب المظلوم.
اذن امكننا ان نتبين ما تحمله عبارة (الشرارة) من رموز متنوعة تستهدف الاشارة الى الظالم، ومن ثم يحاول النص خلال الرمز المذكور اما يحذّر الظالم، ويلفت نظره الى فداحة سلوكه الظالم وانعكاساته على مصيره الاخروي.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن لا يظلم احدا، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.