نص الحديث
قال الامام العسكري (عليه السَّلام): "لا تعجل علي ثمرة لم تدرك".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم قد لا يفتقر الى التوضيح فمع انه رمز واضح ومألوف في الاذهان بحيث لا يتطلب اقل التعليق الا انه مليء بالدلالة المكثفة، وحافل ببلاغته الثرة الى درجة ان الموقف يتطلب تعقيباً عليه...
كيف ذلك؟
الدلالة لا نحدثك عنها لأنها تقول لك: لا تعجل في الامور بل انتظرها حتى يأتي وقتها، كما ان الثمر لايتحقق نضجه إلا في أوانه.
هذه الدلالة... ولكن ما هي البلاغة ؟ البلاغة تتمثل في الرمز ذاته، اي: الثمر الذي لم يأت أوان اقتطافه... هنا نلفت نظرك الى انتخابه (عليه السَّلام) (الثمر) دون غيرها، وهو انتخاب يحفل بطرافته الكبيرة.
اولاً: ان الثمر هو مادة للاكل، ولا حاجة بنا الى تذكير الناس بأن الطعام هو في مقدمة الدوافع البشرية التي لا يمكن تأجيل اشباعها بل لا بد من تناوله والا تعرض الكائن الى الهلاك، وهذا يعني: ان الرغبة الى تناوله لا تماثلها رغبات اخرى الا ما هو ملح كالماء او الجنس الخ...
والمهم هو: مفهوم الرغبة الى تناول الطعام، وقد عممها الامام (عليه السَّلام) ولم يشير الى كون الثمرة من المأكولات المتسمة بالحاجة في درجتها الاولى كالحبوبات مثلاً أو الدرجة الثانية كالفواكه، وانما اطلق دلالتها ليتحقق البعد الفني في الكلمة من حيث استجابة القارئ لها، بحيث تتماثل مع استجابته لأي طعام يشتهيه: اولياً او ثانوياً...
بلاغة الحديث
البعد البلاغي الآخر، هو: ان الحالة النفسية لمن يتعجل الثمر قبل اوانه تظل متسمة بالاضطراب والقلق والتوتر حيث يشتهي الثمر ولاسبيل الى الافادة منه، وهذا ما يضاعف عدم توازنه بسبب عاملين، احدهما عدم الحصول على المطلوب والاخر: حرصه على الحصول في ذلك.
ولذلك عقب الامام العسكري (عليه السَّلام) على هذه الظاهرة قائلاً بما مؤداه: فيضيق صدرك وقلبك ويغشاك الضغوط ان هذا التعقيب الدلالى (النفسي) من الامام (عليه السَّلام)، يدلنا على عصمته المعرفية حيث ان ضيق القلب والصدر والقنوط تظل حالات نفسية متسمة بالتوتر الحاد، بخاصة اذا قادت الشخصية في النهاية الى القنوط: كما قال الامام (عليه السَّلام) ولا نحتاج الى تذكيرك بما يتركه القنوط من آثار على النفس، بحيث تنطفئ الحياة وما تتطلع اليه من الآمال الكبار، فتتولد الكآبة وعندها ينطفئ بريق الشخصية.
اذن: امكننا ان نتبين اهمية الحديث الوارد عن الامام العسكري (عليه السَّلام) بالنحو الذي اوضحناه، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.