نص الحديث
قال الامام الصادق (عليه السَّلام): "ان الله عزَّ وجلَّ اذا اراد بعبد خيرا، طيّب روحه، فلا يسمع معروفاً الّا عرفه، ولا منكراً إلّا انكره ثم قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها امره ".
دلالة الحديث
هذا النص ينطوي على نكات بلاغية متنوعة، بخاصة العبارة الاخيرة "قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها امره" حيث ان "قذف" و "كلمة" و "يجمع بها امره" كلها رموز فنية، تومئ الى دلالة غائبة على نحو ما نوضحه بعد قليل. اما الان فنتجه الى دلالة الحديث فنقول: تتلخص دلالة الحديث في ان الله تعالى اذا عرف ان لدى هذا العبد او ذاك استعداداً لتقّبل الحقيقة العبادية، ألهمه معرفة ذلك... بحث يستطيع ان يتبين الحق من الباطل، وان يهتدي في نهاية المطاف، أي يكون على بصيرة من أمره.
هذه هي دلالة الحديث... ولكن ماذا بالنسبة الى بلاغته؟
بلاغة الحديث
تتمثل بلاغة الحديث في عبارته الاخيرة التي اومأنا اليها قبل قليل،... ولكن لا مانع من الحديث اولاً عن العبارة السابقة على ذلك وهي "طيب الله روحه)...طبيعاً المقصود من (الطيب) هنا، الزكي مقابل الخبيث، وهذا الكلام يمكن ان نعتبره (تناصاً) اي: تضمينا لعبارة قرآنية هي "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"،... لكن الإلهام في الآية هي لعامة البشرية بمعنى ان البشرية جميعاً يخضعون لتركيبة عامة هي: إلهامهم الفجور والتقوى، حتى تتم الحجة عليهم... اما في النص الذي يقدّمه الامام الصادق (عليه السَّلام) فهو خاص: كما هو واضح، حيث ان التناص لا يشترط فيه المطابقة المنطقية بل الاستخلاص ولو في جزئية منفصلة.
والآن الى بلاغة الأخير وهو: "قذف الله في قلبه كلمة يجمع بها امره"
بالنسبة الى عبارة (كلمة) في النص المتقدم يمكن الذهاب – كما اومأنا – الى انها رمز يرتبط بالتناص ايضاً، اي: الاقتباس القرآن في قوله تعالى (كلمات الله)، حيث تعني (الكلمات) معطيات الله تعالى، وهنا تصبح لفظة (كلمة) في قوله (عليه السَّلام) "قذف الله في قلبه كلمةً..." رمزاً لدلالة كبيرة هي (الهداية)... واما عبارة "يجمع بها امره" فهي رمز كذلك، ولكنه مكمّل لسابق، بحيث تصبح دلالة الحديث ان العبد يصل الى البصيرة العبادية المطلوبة، اي تصبح فقرة (يجمع بها امره) رمزاً لدلالة هي البصيرة... مع ملاحظة ان عبارة (قذف) الله في قلبه، تعبيراً فنياً ايضاً على نحو الاستعارة، لا من القذف او الرمي، هو ظاهرة مادية، فاذا خلعت على ما هو (روحي) صارت استعارة فنية.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن ينسحب عليه الكلام المذكور، وان
يوفقنا الى الطاعة، انه سميع مجيب.