نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "الجمال في اللسان".
دلالة الحديث
هذا النص علي قصره ووضوحه يظل حافلاً بدلالات فائقة، وبجمالية لافتة،... انه يتحدث عن اللسان، واللسان مصطلح يتضمن جملة دلالات او استيحاءات او موضوعات،... بيد ان بلاغة النص هي ما تمنحه هذا التنوع في المصطلح المذكور... اذن: لنتحدث عن موضوعاته ثم بلاغته.
اللسان يرد في النصوص الشرعية حاملاً جملة موضوعات، منها: ما يتصل بالبعد الجسمي حيث هو عضو في جهاز الفم او الحلق.. ومنها ما يتصل بالبعد الأخلاقي حيث ان الخلق الحسن يظل في غالبية مساحته مرتبطاً باللسان، ولذلك ورد (الكلمة الطيبة صدقة) بصفة ان اللسان هو صاحب الصدقة المذكورة... ومنها ما يتصل بالبعد السلبي من اللسان، حيث تشير النصوص الشرعية الى ان معاصي الانسان غالبيتها حصائد لسانه، فضلاً عن انماط متنوعة من المعاصي، كالكذب والغيبة والبهتان والشتم و...الخ تظل مرتبطة باللسان... اخيراً لا نغفل ان اللسان – من جانب مضاد – يظل هو الوسيلة الاكثر فعالية في توصيل مبادئ الله تعالى الى الأخرين...في عملية التعلم والتعليم في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...الخ وهذا كله فيما يتصل بالجانب الدلالي من الحديث... ولكن ماذا بالنسبة الى الجانب الجمالي او البلاغي؟
بلاغة الحديث
لنقرأ ثانية (الجمال في اللسان).. فماذا نستلهم؟ اننا اذا عرفنا ان احد مبادئ البلاغة هو: ترشح العبارة بأكثر من معنى، ثم اذا عرفنا ان (جمال الكلمة) يعني: بلاغتها، حينئذ نتساءل هل المقصود من حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الجمال في اللسان هو: البعد البلاغي؟ اي: صوت الكلمة وإيقاعها واحكامها الخ... قبالة رداءة ايقاعها وتركيبها وهلهلتها أو إلتوائها؟
الجواب: ان عبارة (الجمال في اللسان) تشمل ما أشرنا اليه من جمالية اللسان، صوتياً ودلالياً... اما صوتياً فلا يتردد اثنان ان ايقاع الكلام من فاصلة وتجنيس وتوازن وحتى الايقاع الداخلى لها، اي تجانس صوت الكلمة مع دلالتها، تظل من مصاديق (الجمال في اللسان)... مقابل ذلك، كل ما يتصل بالبعد الدلالي من كلام رقيق، عاطفي معتدل، مسالم، مادح، شاكر، مقدر، صادق،...الخ، تظل مرشحة بالمعنى الذي اشرنا اليه ايضاً، مما يعني ان عبارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، "الجمال في اللسان"، تتداعى باذهاننا الى الجمال الايقاعي والتركيبي والخ... مما يتصل بالبعد الفني والى الجمال الدلالي الذي يعني، كل ما هو معبر عن حسن الموضوع، اي: الدلالات الايجابية التي اشرنا اليها، وفي مقدمتها: الدلالة العبادية بمعناها الاوسع.
ختاماً: نسأله تعالى ان يجعلنا ممن ينطق لسانه بالتي هي احسن، وان يوفقنا للطاعة انه سميع مجيب.