نص الحديث
قال الامام عليّ (عليه السَّلام): "لو قد استوت قدماي من هذه المداحض، لغيرت اشياء".
دلالة الحديث
الحديث يتناول الفتن التي شهدها الامام (عليه السَّلام) حيث عقّب علي ذلك، بانّ التغيير الاجتماعي العبادي الذي يهدف إليه (عليه السَّلام) أصبح متحققاً، لكن الانقلاب على الاعقاب حجزه (عليه السَّلام) من يتحقق ذلك...
هذا هو العنصر المدلول في النص... ولكن ما هو الدّال؟
الدالّ هو: الصياغة الرمزية لعبارة "لو قد استوت قدماي"... كما ان إنتخابه (عليه السَّلام) لكلمة (مداحض) يرمز بها الى الفتن المشار اليها، وهذا يعني اننا من حيث الفن نواجه عبارتين رمزيتين، احداهما "استواء القدم" والاخرى "المداحض"... فما هي الاسرار البلاغية الكامنة وراء ذلك؟
لعل من الصياغات المتسمة بطرافة كبيرة هي: استواء القدمين،... ولعل قارئ النص يتساءل عن السّر الكامن وراء انتخاب "استواء القدمين"دون سواهما، للتعبير عن امكانية صنع القرار؟
الجواب هو: ان الامام (عليه السَّلام) قد انتخب "استواء القدمين" التي حدثنا عن السعي نحو عمل الخير من جانب، والامتناع عن ذلك من جانب آخر،... فالقدمان يرمزان الى المشي، والمفروض ان يتم المشي بنحوه الطبيعي...الّا ان الفتن تحجز الامام (عليه السَّلام) عن المشي لاصلاح الأمر... وقد ترمز القدمان الى دلالة اخرى هي: الثبات والاستقرار، بصفة ان استواء القدمين يرمزان الى عكس الحركة، لان الحركة تتطلب تقديم قدم على أخرى، فاذا تساوت القدمان: تيسر المشي... (المهم في الحالات جميعاً، ان الرمز المذكور افصح بجلاء عن ان الامام (عليه السَّلام) واجه ظروفاً من الفتنة لم تسمح له بالحركة نحو اصلاح الأمر...
بلاغة الحديث
ليس هذا فحسب، بل ان الامام (عليه السَّلام) حرص على الصياغة البلاغية لحديثه بحيث صدرّه بأداتين، اولا هي: (لو) وهي اداة امتناع، والاخرى (قد) وهي اداة تضئيل، وقد تصبح عكس ذلك فتكون عبارة تحقيق وتأكيد، وكلاهما –أي الاحتمالين – واردان...فاذا اتسقنا مع الاحتمال الاول لامكننا ان نستخلص بان استواء القدمين حتى لو كان تحقيقه مقروناً بأمل ضعيف لأمكن اصلاح الأمر، واما الاحتمال الآخر فعلى العكس: أي اتيحت الفرصة له: لحقق انجازاً له فاعليته التي اراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يضطلع الوصيّ (عليه السَّلام) بها.
بقي أن نشير إلى أستخدام كلمة (مداحض) حيث رمز بها الى الفتن،...فما هي النكتة البلاغية؟
في تصورنا ان الدحض وهو: الإبطال او الانزلاق قد انتخبه الامام (عليه السَّلام) في ترميزه الى الفتنة يظل من الطرافة بمكان كبير، حيث افترض بأن الأسباب التابعة وراء الفتنة هي (مداحض) وليست حقائق، اي هي: انزلاق، فكيف يستطيع الإمام (عليه السَّلام) ان يتحرك او يثبت في بيئة قد انزلقت الأقدام فيها، وهي الفتنة؟
اذن: امكننا ان نتبين – ولو عابراً – جانباً من بلاغة الحديث المتقدم، سائلين الله تعالى ان يجنّبنا المداحض، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.