نص الحديث
قال الامام الجواد (عليه السَّلام): "من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب عنه، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم ينطوي على تشبيه واقعي، وليس تخيلياً، اي: ان التشبيه تارة يتسم بكونه كلاماً لا يتألف من ظاهرتين، يخلع طابع احدهما على الآخر مثل: المؤمن كالشجرة المثمرة، حيث خلع على المؤمن (وهو بشر) طابع (النبات): الشجر، بينما التشبيه الواقعي لايقترن بعنصر التحيل بل بواقعية كالمثال او النموذج الذي قدمه الامام الجواد(عليه السَّلام)، حيث ربط بين من شهد امراً فرضي به ولم يشارك فيه عملياً وبين من غاب عن شئ اي: لم يعمل به ولكنه رضي به: حينئذ فان الرضا والكره يتماثلان العمل بالشيء وعدمه ... ولنوضح الأمر بشكل اكثر تفصيلاً ...
يجدر بنا ان نقدم نموذجاً تأريخياً للتشبيه الواقعي، معركة كربلاء مثلاً، لم يشهدها المعاصرون، ولكن من ايدها من المعاصرين بمعنى انه رضي بها ثورة ضد الظلم الأموي: حينئذ يشبه المشاركين عصرئذ في الثورة المذكورة وهم شهداء الطف،... والعكس هو الصحيح ايضاً، بمعنى ان من كره هذه الثورة المباركة من المعاصرين: حينئذ يكون مماثلاً لمن شارك عصرئذ مع الجيش الأموي،...
بلاغة الحديث
والسؤال الآن هو: ما هي النكات البلاغية في هذا التشبيه؟
اولاً: التشبيه المتقدم اي: من يشهد أو يغيب عن الشيء، ولكن كرهه او رضي به يتماثل مع من اشترك عملياً في حدوث الشيء المذكور .. مثل هذا التشبيه يتسم بواقعيته اي بكونه تترتب عليه آثار الثواب والعقاب، حيث ان الراضي بالظلم يتأمل مع من شارك في الظلم، والعكس هو الصحيح ...
ثانياً: النكتة الجمالية في التشبيه هي: ان (النية) تظل هي الفاعلة في تحقيق الشيء وعدمه، اي:النزعة الداخلية للانسان، فمن يمتلك نزعة عدوانية مثلاً لا فارق عنده بين ممارسته للعدوان فعلاً مع اتيان الفرصة وبين عدم ممارسته للعدوان لعدم وجود الفرصة، فهو في الحالتين يحمل نزعة شريرة... والعكس هو الصحيح ايضاً، اي: من يحمل نزعة مسالمة فيساعد الآخر يتماثل مع من لا يجد من يساعده، حيث ان النية في الحالتين متوفرة عند الشخصية... ولذلك ورد في النصوص الشرعية، ان الاعمال بالنيات، بل ورد ان النية خير من العمل، كمن ينوْي الحج مثلاً ولكنه لم يوفق اليه، حينئذ تكون نيته افضل من عمله وهو الحج، حيث من الممكن ان يصدر عنه الذنب وهو يحج، كصدور كذبة او غيبة أو عدوان لفظي منه حيال الآخر.
اذن: التشبيه الواقعي يتماثل بلاغياً مع التشبيه التخيلي من حيث كونه يقترن بما هو واقع عملي مع ما هو واقع نفسي بالنحو الذي اوضحناه ختاماً: نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.